عالمية

إثيوبيا تشكو مصر ولا تخطط للحرب… وإريتريا تحشد جيشها

تحيط صورة قاتمة بالوضع في إثيوبيا بعد موجة التظاهرات التي اندلعت منذ نحو أسبوعين، وقادتها إثنية الأورومو، امتداداً لاحتجاجات متفرقة بدأت منذ شهر إبريل/ نيسان 2014، على خلفية خطط حكومية بالتوسع على حساب أراضي الأورومو، على الرغم من التراجع عنها لاحقاً. ويخشى مراقبون أن تتطور الاحتجاجات في أديس أبابا إلى عسكرية، مع بروز اتهامات عن تدخلات خارجية. وكانت موجة الأحداث الأخيرة قد بدأت في الاحتفالية الدينية الثقافية، مطلع الشهر الحالي، في منطقة بيشوفتو، على بعد 42 كيلومتراً جنوب العاصمة، وقُتل فيها نحو 52 شخصاً. وجّهت الحكومة في إثيوبيا أصابع الاتهام مباشرة لدولتي مصر وإريتريا بالوقوف خلف الاحتجاجات، فضلاً عن دعم وإيواء المعارضة الإثيوبية ممثلة في جبهة تحرير أورومو.

ووفقاً لمصادر متطابقة، فإن الحكومة الإثيوبية تتجه نحو التصعيد الدبلوماسي تجاه مصر، وتخطط حالياً للتقدم بشكوى رسمية ضد القاهرة في الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن، تتهمها بالوقوف خلف زعزعة الأمن بأديس أبابا. وستقدّم إثيوبيا ما تعتبره “دلائل” للاتهام. وأشارت المصادر إلى أن “إثيوبيا بدأت مشاورات فعلية مع دول عدة لضمان أكبر تأييد للخطوة داخل المنظومتين، وصولاً لاستصدار إدانة دولية وإقليمية تجاه مصر”. وعرض التلفزيون الرسمي الإثيوبي أخيراً مشاهد لاحتفالية أقامتها جبهة أورومو في القاهرة، في يناير/ كانون الثاني الماضي، شارك فيها ناشطون مصريون. واعتبرت السلطات أن الأمر بمثابة “دليل قاطع لدعم مصر للجبهة”، وأعقبها استدعاء السفير المصري في أديس أبابا، أبو بكر حفني، للاحتجاج على الخطوة.

وتبادل صحافيون وناشطون إثيوبيون مقطعاً لشريط قديم، ظهر فيه الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، ووزير دفاعه في حينها، الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. وتحدث السيسي في التسجيل عن ضرورة دعم جبهة أورومو، كـ”جزء من مواجهة قيام سد النهضة”، باعتبار أن إنشاءه يُعتبر إعلان حرب على مصر. وبدأت تلك الأطراف حملة لتأكيد ما يقولون إنها صلة أورومو بمصر والعمل على تنفيذ مخططاتها وتلقّي الأوامر منها، فضلاً عن الإشارة للتصريح الحكومي الرسمي، بانتقال قادة الجبهة أخيراً من إريتريا إلى مصر في إطار عمليات التنسيق، فضلاً عن وجود مكاتب لها أساساً في مصر.

بالإضافة إلى القاهرة، فإن اتهام أديس أبابا لأسمرة بالضلوع في الأحداث، دفع الأخيرة إلى رفع حالة الاستعداد القصوى، بنشر جيشها على طول الحدود. ويعتبر مراقبون أن “إريتريا رأت في الاتهام الإثيوبي رسالة حربية، استغلالاً للأحداث الأخيرة بغية تصفية الحسابات القديمة، فضلاً عن وضع أسمرة ككبش فداء لتوحيد الإثيوبيين حول العدو الخارجي، إلى جانب ضرب معسكرات جبهة أورومو داخل إريتريا”. لكن محللين يعتقدون أن إثيوبيا لن تخوض الحرب مع إريتريا نظراً للكلفة الباهظة للخطوة، خصوصاً أنها يمكن أن تتحول لحرب بالوكالة، وتدخل فيها قوى غربية بالنظر إلى مصالحها في الدولتين. ويعتقد مراقبون أن إثيوبيا قد تواجه ضغطاً قوياً خلال الفترة المقبلة لإحداث تغيير حقيقي داخلها، يخفف من حدة الاحتجاجات وتطورها لعمليات عسكرية، وإجبارها على فتح حوار حقيقي مع جبهة تحرير أورومو والقوى المعارضة الأخرى، فضلاً عن اتخاذ خطوات جدية في ما يتصل بملف الحريات وحقوق الإنسان، وذلك عبر التلويح بوقف المنح السنوية التي تذهب لأديس أبابا، والمقدّرة بنحو ثلاثة مليارات دولار.

ويرى مراقبون أن “الضغط بدأ بالفعل عبر لجوء إثيوبيا لورقة الضغط في الصومال، بالعمل على سحب قواتها من منطقتين رئيسيتين منذ أسبوعين، وأن تأثيرات الخطوة بالغة الأهمية بسبب المشاركة الفاعلة لأديس أبابا ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية، ذلك لأن البديل عنها هو سيطرة حركة الشباب الصومالية على المنطقتين، بما يهدد مصالح القوى الغربية، بالنظر للبعد الاستراتيجي للصومال على مضيق باب المندب”. لكن آخرين يرون في الانسحاب الإثيوبي تأكيداً لتأزم المشكلة الداخلية، تحديداً مع إعلان أديس أبابا أخيراً حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر، للمرة الأولى منذ 25 عاماً.

وبدأت الاحتجاجات بأديس أبابا تتصاعد، بعد إغلاق مناطق تابعة للأورومو أمام الحكومة، يصعب دخولها حسبما ذكرت مصادر تحدثت لـ”العربي الجديد”. ونشطت مواقع وصفحات تابعة للأورومو وجبهة تحرير أورومو في تصعيد الأزمة التي انتهجت منحى التحريض ضد أقلية التيغري الحاكمة، فضلاً عن التحريض ضد الاستثمارات الأجنبية بمناطقهم. وقد أُحرق نحو 11 مصنعاً، معظمها مملوكة لأجانب، بينما عمد المحتجون إلى رشق السيارات المارة بمناطقهم بالحجارة، ما أسفر عن مقتل مواطن أميركي. حتى أن الجبهة وجّهت نداءً لأفراد أورومو في الجيش والقوات النظامية الأخرى، للانتصار لأهلهم والانضمام للثورة، تحقيقاً لمكاسب أهلهم في التمثيل العادل في السلطة. مع العلم أن قوى غربية وأفريقية مارست ضغوطاً على الحكومة في أديس أبابا، للاستجابة لمطالب المحتجين في التمثيل العادل وتأمين الحريات، فضلاً عن تحسين ملف حقوق الإنسان. وقد استجابت الحكومة لبعض الضغوط، إثر إعلان الرئيس الإثيوبي مولاتو تيشومي، أمام البرلمان، الأسبوع الماضي، عن إجراء تعديل في قانون الانتخابات العامة، ليتم عبره استيعاب الأحزاب السياسية والآراء المعارضة. بدوره، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ميريام، أن حكومته ستغيّر طريقة التعامل مع المعارضة وستسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات.

وعلى الرغم من محاولات الحكومة امتصاص الأزمة واعترافها على لسان رئيس الوزراء، بـ”مقتل أكثر عن 500 شخص خلال التظاهرات على مدار عام كامل”، إلا أن خطواتها وُوجهت باستخفاف من القوى المعارضة، التي رفعت سقفها بالمطالبة بإحداث تغيير جذري في النظام الحاكم، فضلاً عن تشكيل حكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية يشارك فيها الجميع.

وكان رئيس الحزب الفيدرالي الأورومي، مرارا غودنا، قد ذكر في تصريح سابق له، أن “الوقت فات، خصوصاً أننا نطالب بالإصلاحات التي أعلنتها الحكومة قبل عشرة أعوام”، مضيفاً أن “مطالب الشعب تعدتها الآن، التي تريد التغيير الجذري في إثيوبيا”. ويرى محللون أن “انفجار الأوضاع بإثيوبيا كان مسألة وقت، باعتبار أن هناك أكثر من جهة ظلّت تلعب على التناقضات الموجودة هناك، عبر استراتيجية طويلة الأمد”، بالإشارة للسودان وتأثيراته على أقلية الأورومو لضبط التمدد الإثيوبي في المنطقة.

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي الإثيوبي إبراهيم نور، أن “الخطر الأكبر يكمن في تحوّل الصراع بأديس أبابا إلى صراع إثني”. ويلفت إلى أن “تحالف أورومو وأمهرا، يمثل أكبر تحد وتهديد للحكومة هناك”. ويبدي اعتقاده بأن “انفجار الوضع في أديس أبابا، وتحوّله إلى العمل المسلح من شأنه أن يفضي إلى نتائج سلبية على الإقليم ومنطقة القرن الأفريقي بصفة خاصة”.

ويرى نور أن “هناك دولاً مثل السودان وجنوب السودان وإريتريا، فضلاً عن مصر، تستفيد من التوترات الأمنية في إثيوبيا”، موضحاً أنه “لا يمكن استبعاد دور تلك الدول في ما يجري حالياً”. ويؤكد أن “السودان سيكون المستفيد الأكبر، باعتباره أصبح قوة مؤثرة في الإقليم، وأن غياب إثيوبيا كلاعب أساسي، من شأنه أن يدفعه لأداء دور البديل، على الرغم من التناقضات داخله”. ويتنبأ نور بأن “تدخل العلاقات الإثيوبية – السودانية حالة فتور، بعد إثارة الدور السوداني في الأزمة الحالية بشكل أوضح، وتداول الاتهامات علناً بالنظر لتأثيره على الغالبية المسلمة من الأورومو”. ويتوقع بأن يؤدي ذلك إلى “لجوء إثيوبيا لدعم الحركات المسلحة السودانية كردة فعل”.

من جهته، يعتبر المتخصص بالملف الإثيوبي في السودان، عبدالمنعم أبو إدريس، أن “تطور الأحداث في إثيوبيا سيُدخلها في فوضى، بالنظر لانتشار السلاح هناك، فضلاً عن استخدام العامل الإثني في العمل السياسي، إلى جانب وجود دول مضطربة بجوار إثيوبيا، تسهّل عملية الحصول على مختلف أنواع السلاح، بالإضافة إلى أنها ستمثل حاضنة في حال اندلاع العمليات العسكرية”. ويكشف أبو إدريس، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “مثلث الحدود السودانية الإثيوبية الإريترية، معروف كأكبر منطقة لتجارة السلاح”. ويرى أن “الاحتجاجات من شأنها أن تفتح الباب أمام قوميات أخرى تشعر بالتهميش، كالصومال والعفر وغيرها، ما سيلقي بظلال سلبية على الدول المجاورة”. ويلفت إلى أن “تطوّر الأحداث بأديس أبابا يمثل تهديداً للأمن الإقليمي بالنظر لتأثير إثيوبيا الجغرافي”، مشيراً إلى أنها “ستغذي عملية تجارة السلاح والبشر”. ويتكهّن بأن “تطوّر الأحداث بين مصر وإثيوبيا سيظلّ في مرحلة التراشق الإعلامي لغياب فرص الحرب بينهما، باستثناء حرب الوكالة، بينما قد تدخل إثيوبيا في حرب مع جارتها إريتريا، نظراً للعداء التاريخي بينهما”.

أما الكاتب السوداني، الطيب زين العابدين، فيرى أنه “على الرغم من عدم استبعاد الأيادي المصرية والإريترية في الاحتجاجات، إلا أنه من الواضح أن للأورومو قضية ومشاكل ضد الحكومة في أديس أبابا، التي تستحوذ إثنية صغيرة على الحكم فيها”. ويضيف في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “إعلان الطوارئ يؤكد الأبعاد الخطيرة للاحتجاجات، باعتبار أن اللجوء لحالات الطوارئ عادة ما يتم في حالات استثنائية وعند تأزم الوضع، وأقصى ما يمكن أن تقوم به أديس أبابا نحو القاهرة هو قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق ملف الحوار حول سد النهضة، والمضي قدماً في تشييده، بالتالي فإن أي تطور للاحتجاجات في إثيوبيا، من شأنه أن يتحول لحرب إقليمية كبيرة”.

بالنسبة إلى إثنية الأورومو، فإن أصولها تعود إلى القبائل الحامية الكوشية الأفريقية القاطنة بمنطقة القرن الأفريقي، بدءاً من المحيط الهندي، مروراً بالبحر الأحمر. وتُعدّ مناطقهم الممتدة على مساحة 600 ألف كيلومتر مربع، زراعية، وتضمّ ثروة حيوانية هائلة، فضلاً عن تمتّعها بمناخ معتدل يساعد في إنتاج أنواع من الحبوب والفاكهة. كما أنها من أهم مواطن إنتاج البن، بنسبة 40 في المائة من الإنتاج العالمي. وتعتمد الحكومة الإثيوبية أساساً في اقتصادها على مناطق الأورومو، التي تتوسطها العاصمة أديس أبابا.

وتجاور مناطق الأورومو عدداً من الدول، بينها كينيا وجيبوتي والسودان، ويبلغ عدد سكانها نحو 40 مليون نسمة، وهم الإثنية الأكبر في إثيوبيا. يُشكّل عدد المسلمين بينهم نحو 60 في المائة، والمسيحيين 30 في المائة، والوثنيين 10 في المائة. ووفقاً لإحصائيات أصدرها البنك الدولي أخيراً، فإن الأورومو يمثلون 34.4 في المائة من السكان في إثيوبيا، والأمهرا 27 في المائة وصوماليا 6.2 في المائة، والتيغري 6.1 في المائة، وسيدام 4 في المائة.

وتأسست جبهة الأورومو الإثيوبية عام 1974، بغرض الانفصال عن إثيوبيا، وأنشأت قواعد عسكرية لها في عام 1976 على الحدود مع كينيا، حيث انطلقت منها لتنفيذ حرب عصابات ضد قوات الإمبراطور الإثيوبي هايلي سلاسي في حينه. كما واصلت النضال العسكري ضد نظام منغستو هايلي ميريام، وعند انتقالها إلى السودان عام 1980، عقدت تحالفات مع الفصائل الإثيوبية المعارضة، وحضرت في عام 1988 مؤتمراً شهد ولادة تحالف المجموعات المعارضة بقيادة جيهة تحرير التيغري، واختير خلاله رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي، رئيساً لجبهة شعوب إثيوبيا حتى تسلّم السلطة في عام 1991.

وشاركت الجبهة في مؤتمر لندن 1991، الذي أُقيم برعاية أميركية، تمّ الاتفاق خلاله على تشكيل حكومة مؤقتة في إثيوبيا، بعد انهيار نظام منغستو. وبعدها بعام واحد، اختلفت جبهة الأورومو مع حلفائها على قضايا تقرير المصير والانتخابات التي طالبت بها، وانسحبت من الحكومة في عام 1993، وانتقل مقاتلوها إلى الصومال، وباشرت شنّ الهجمات ضد حكومة زيناوي. وبعد اندلاع الحرب بين إثيوبيا وإريتريا في عام 1998، بسبب الخلافات الحدودية بين البلدين، فتحت لهم إريتريا أراضيها، وانتقلوا إليها.

العربي الجديد