خمس سنوات وما زالت “الحرب الأهلية السودانية” مستمرة.. ماذا تعرف عنها؟
منذ خمس سنوات وأكثر، وتحديدًا في يونيو (حُزيران) من عام 2011، نشبت الحرب في الولايات السودانية الجنوبية؛ جنوب كردفان، والنيل الأزرق، بين الحكومة السودانية، متمثلة في القوات المسلحة السودانية، والحكومة السودانية، وقوات الدعم السريع السودانية، كطرف أول، وبين الجبهة الثورية السودانية، والحركة الشعبية لتحرير السودان – فرع الشمال، وجيش تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، كطرف ثانٍ. وتعرف هذه الحرب إعلاميًّا باسم الحرب الأهلية السودانية الثالثة، وذلك بعد الحربين الأولى والثانية في عامي 1955 و1983 على التوالي.
خمس سنوات وما زال الصراع مستمرًا إلى يومنا هذا، وسط عدم اهتمام واضح بحل الأزمة من أي طرف، وتجاهل من المجتمع الدولي لوقف أعمال العنف والصراع المسلح، فضلًا عن تدهور الوضع الإنساني، ووجود انتهاكات لحقوق الإنسان من الأطراف المختلفة، يدفع ثمنها المدنيون في النهاية.
متى وكيف بدأت الحرب الأهلية السودانية الثالثة؟
من أجل تحليل وتحديد بداية الحرب الأهلية السودانية الثالثة، ينبغي علينا العودة قليلًا إلى الوراء، إلى عام 1983 وهو تاريخ الحرب الأهلية السودانية الثانية، حيث بدأت بعد 11 عامًا من الحرب الأهلية السودانية الأولى، والتي انتهت عام 1972، حيث جرى معظمها في الأجزاء الجنوبية من جمهورية السودان، أو في منطقة الحكم الذاتي الذي يعرف بجنوب السودان، والتي تعتبر إحدى أطول وأعنف الحروب في القرن العشرين، حيث راح ضحيتها ما يقارب 1.9 مليون من المدنيين، ونزح أكثر من 4 ملايين فرد منذ بدء الحرب. ويعد عدد الضحايا المدنيين في الحرب الأهلية السودانية الثانية هو الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية، انتهى الصراع رسميًّا مع توقيع اتفاق نيفاشا للسلام في يناير (كانون الثاني) عام 2005، وذلك عن طريق اقتسام السلطة والثروة بين حكومة رئيس السودان عمر البشير، وقائد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق.
ساد الهدوء نسبيًّا منذ اتفاق السلام عام 2005، إلى أن اندلع القتال في مرحلة جديدة في التاسع من يونيو (حُزيران) عام 2011، والتي تعتبر بداية ما يسمى بالحرب الأهلية السودانية الثالثة في ولاية جنوب كردفان، حيث قالت القوات المسلحة السودانية الحكومية إن جيش التحرير الشعبي السوداني أطلق هجومًا على مركز للشرطة في ولاية كردفان، فضلًا عن سرقتهم لبعض الأسلحة منه؛ مما دفعهم إلى الرد، بينما قال جيش التحرير السوداني إن القوات الحكومية حاولت نزع سلاح وحداته بالقوة، كما أنه في اليوم نفسه قال متمردو حركة العدل و المساواة إن القوات المسلحة السودانية دمرت مخيمًا في منطقة جاما، في ولاية جنوب كردفان؛ مما أسفر عن مقتل 28 فردًا من مقاتليها، و إصابة 27 آخرين، ومن هنا كانت البداية.
بدأ القتال في ولاية جنوب كردفان، إلى أن انتقل لولاية النيل الأزرق المجاورة لجنوب كردفان. واستمر القتال بين الطرفين إلى أن تداخل الصراع مع الحرب في دارفور؛ مما أدى إلى وجود تحالفات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال، والجبهة الثورية السودانية، فضلًا عن جيش تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة.
الأسباب الآخرى لقيام الحرب
بدأت الحرب بادعاءات من مختلف الأطراف، بأن كل طرف منهما بادر بالهجوم على الآخر، ولكن يعتبر السبب الرئيسي لنشوب الحرب هو الشعور السائد بغياب الديمقراطية والعدل، ووجود انتهاكات في ولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق على التحديد، ويستمر القتال منذ 2011 إلى الآن، كما أنه اشتد ووصل لأعلى مراحله عام 2015، وذلك بعد أوامر من الرئيس السوداني عمر البشير، لحكومته باستعادة الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون.
وعلى الرغم من اعتبار ولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق ولايات شمالية تابعة لدولة السودان، وذلك طبقًا للحدود المقررة بين دولتي السودان وجنوب السودان، إلا أن سكانهما يعتبرون أنفسهم ينتمون لدولة جنوب السودان، حيث قاتل العديد منهم في الحرب الأهلية السودانية الثانية. غير أنه لم يسمح لهما بالمشاركة في استفتاء انفصال السودان وجنوبها في يناير (كانون الثاني) عام 2011، ولذلك انتشرت الشرطة السودانية والمنشآت العسكرية في الولايتين لإحكام السيطرة عليهما من قبل حكومة السودان.
تدهور الأوضاع الإنسانية بعد خمس سنوات من الحرب
تبعات الحرب على مدار خمس سنوات لم تكن بالهيّنة؛ فقد تضرر حوالي مليوني شخص من النزاع، ما بين مقتول، ومصاب، ونازح. نزح حوالي 750 ألف مواطن إلى جنوب السودان وإثيوبيا، فضلًا عن تأثر عدد كبير من الأطفال بالأحداث، وذلك طبقًا لإحصاءات شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014، وبالطبع الحصيلة الآن في ارتفاع، خاصةً في ظل اشتداد القتال والقصف الحكومي عام 2015. وتعتبر السودان خامس أكبر بلد مُصدِّر للاجئين في العالم، فضلًا عن نزوح 3.2 مليون شخص داخل البلاد نفسها على مدار سنوات، كما تخطَّى عدد القتلى 1500 قتيل نتيجة القصف الحكومي إلى الآن.
وفقًا للأمم المتحدة، فإن هناك ما يقرب من 20% من مجموع سكان السودان يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، ويمثلون حوالي 5.4 مليون شخص.
كثير من الغارات الجوية التي تشنها القوات المسلحة السودانية في ولاية جنوب كردفان، غارات عشوائية لا تميز بين المدنيين والمتمردين، عن طريق القنابل العنقودية، والقنابل البرميلية، غارات ليس لها أهداف عسكرية لأنها تُوجه في مناطق مدنية بعيدة عن مناطق الصراع. وقد تبين من الرصد المستمر للقصف من قبل المراقبين المحليين لحقوق الإنسان، أن موجات القصف تعقب مواسم الزراعة والحصاد، فتقضي على الاقتصاد المحلي، وعلى مدى خمسة أعوام من الصراع، قتلت الغارات أو جرحت أعدادًا كبيرة من المدنيين بإصابات وجروح بالغة، وذلك بفعل القنابل، والصواريخ التي تطلقها الطائرات المقاتلة المختلفة من طرازي «ميغ» و«سوخوي»، بالإضافة إلى طائرات «أنتونوف»، فضلًا عن قصف المدفعية الأرضية بعيدة المدى.
«أسرعنا بالابتعاد عن بيوتنا بسبب القتال، أحرق جنود الحكومة الذرة والمنازل والملابس. ضاع كل ما لدينا. وسقط بعض القتلى والجرحى من جراء القصف. مضى علينا أكثر من شهر الآن ونحن نختبئ في الكهوف والجداول الجافة. إننا نعاني، وعلى الأرجح، سوف نهرب مرة أخرى قريبًا». *أحد النازحين بسبب القصف الحكومي في مقابلة مع منظمة العفو الدولية.
بين مارس (آذار)، ويونيو (حزيران) من العام الجاري، ألقت القوات المسلحة السودانية ما يقدر بنحو 227 قنبلة على مناطق مختلفة، فضلًا عن شن هجمات برية، والاستيلاء على قرى مدنية في الأزاراك ومارديس ومسترق، كما أحرقت القوات المسلحة السودانية أيضًا المحاصيل والحقول، ونهبت مخازن الأغذية. وتسبب القتال في نزوح حوالي مليون مواطن، معظمهم من الأزاراك والقرى المحيطة بها.
توصيات دولية
أصدرت «منظمة العفو الدولية» تقريرها بخصوص الأوضاع الإنسانية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، الذي احتوى أيضًا على بعض من التوصيات الدولية لوقف القتال والقصف الحكومي، منددةً بالتجاهل من قبل المجتمع الدولي، وغياب الدور الجاد لبعض المؤسسات الدولية، مثل مجلس الأمن، والاتحاد الأفريقي في حل الأزمة، ووجهت المنظمة توصيات إلى حكومة السودان، ومجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي.
وطالبت المنظمة في تقريرها حكومة السودان بالوقف الفوري لجميع الهجمات التي تستهدف المدنيين والأغراض المدنية، فضلًا عن القصف الجوي العشوائي، مع وضع حدٍّ لاستخدام جميع الأسلحة والقنابل. كما طالبت المنظمة الحكومة السودانية باتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية المدنيين، مع السماح بوصول المساعدات الإنسانية للمتضررين في جميع المناطق.
وطالبت المنظمة مجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، والاتحاد الأفريقي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وبفتح تحقيقات لانتهاكات حقوق الإنسان في ولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق، مع دعوتهم لحث جميع الأطراف لوقف العنف، والدعوة لمحاكمة المتورطين في جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وتقديمهم إلى العدالة، لمحاكمتهم محاكمة مدنية عادلة.
ساسة بوست