المستبد العادل ..!
“الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك” .. علي بن أبي طالب ..!
بعض المفكرين أرجعوا ظاهرة الاستبداد السياسي في العالم العربـ سلامي إلى ضعف المسوغات الشرعية التي نهض عليها مبدأ ولاية العهد، وبيعة أهل الحل والعقد، منذ حادثة السقيفة في صدر الإسلام، وحتى عصر توريث أنجال رؤساء حكومات الديمقراطيات العربية ..!
وهو زعم ينطلق من فكرة عدم تعيين رسولنا الكريم لخليفة من بعده، وهو دليل دامغ على ضرورة اجتهاد المسلمين في آلية اختيار وتعيين من يحكمهم، وعلى أن ولاية العهد بحسب التاريخ الإسلامي ليست أكثر من انحراف مدروس، وخرق لمبدأ تداول السلطة في المجتمع الإسلامي، الحافل بصور الاستبداد غير العادل ..!
ولعل التاريخ السياسي للمجتمعات العربـ سلامية يدور في مجمله حول نجومية الأفراد وكاريزما الشخصيات القيادية، في ظل غياب المؤسسات السياسية .. تاريخ الشعوب العربية مع مقاومة الاستعمار، حافل بحكايات الأبطال المخلصين الذين هزموا المستعمر وقادوا ثورات الإصلاح والتجديد ،وشعوبهم تسير من ورائهم في إذعان وحبور، كالمريدين في حضرة أصحاب الكرامات ..!
هذا هو الافتراض الذي يناقشه كتاب “المستبد العادل” للدكتور محمد عفيفي، والمصطلح /العنوان يرجع إلى الشيخ محمد عبده الذي كتب إلى الجامعة العثمانية في نهايات القرن التاسع عشر، مقالاً شهيراً بعنوان “إنما ينهض بالشرق مستبد عادل”، شجب فيه دعوات المنادين بتأسيس أنظمة حكم ديمقراطية – على غرار الحكومات الغربية – وأكد من خلاله أن المجتمعات العربـ سلامية بحاجة إلى مشروع تربوي/سياسي، في المقام الأول، قبل أن تستطيع الجزم بأهليتها للممارسة الديمقراطية ..!
بعد الشيخ محمد عبده جاء آخرون طوروا الفكرة، واشترطوا لنجاحها أن يكون الاستبداد العادل مجرد وظيفة مؤقتة، في مرحلة محددة، تنتهي بتحقق الإصلاح السياسي والنهضة الاقتصادية، وهي – كما ترى – فلسفة تنهض على قناعة راسخة بعدم أهلية الشعوب العربـ سلامية، اجتماعياً وثقافياً، للخلاص من طبائع الاستبداد، دون أن يكون المخلص نفسه مستبداً يتحرى العدل في تهشيم أضلاع الديمقراطية ..!
الباحثون والمحللون يؤكدون على أن إمكانية التحول الديمقراطي بعد الثورات تتوقف على كون الديمقراطية نفسها أحد أسباب الثورة وأهم مطالبها، وتعتمد على وصول القوى الثورية المطالبة بالديمقراطية إلي السلطة، باعتبار أن غياب الديمقراطية وإن كان عاملاً ثورياً هاماً إلا أنه غير كاف، بدليل الاستقرار السياسي الذي تنعم به الأنظمة السلطوية التي استطاعت أن توفر التنمية المستدامة والرفاهية لشعوبها ..!
إذنً، لا ضمان بشأن تحقق عملية التحول الديمقراطي بعد اندلاع الثورات، أما لماذا فلأن محاولات القوى السياسية غير الديمقراطية لتسخير مكاسب الثورات لمصالحها الخاصة ما يزال هو الراجح .. أو قد يتحول الثوار أنفسهم إلي طغاة وأباطرة بعد وصولهم إلى السلطة، فتكون الديمقراطية مثل عود الكبريت الذي يضيء وصولهم إلى السلطة ثم ينطفئ لتوفير أسباب بقائهم ..!
ربما لذلك، جاز لنا أن نقول بأن ما يحدث في العالم العربي – اليوم – ليس أكثر من مرحلة انتقالية نحو وضع سياسي جديد، نقلة لا بأس بها نحو الديمقراطيّة، وليس انتقالاً ديمقراطيّاً بالمعنى المفهوم ..!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة