كل زول بُقجتو فوق راسو !!
* قال السيد وزير المالية للصحفيين في نهاية المؤتمر الصحفي الذي دافع فيه عن سياسة رفع الدعم (المزعوم)، وأعلن زيادة أسعار المواد البترولية والكهرباء: (انتو ما شايفين الدول الحوالينا كل زول شايل بقجتو فوق راسو؟) .. وهو يقصد أن يمُن علينا بأنهم وفروا لنا الحماية ووقونا شر الاوضاع المأساوية التي تعاني منها بعض شعوب المنطقة، ولا بد أن نسبح بحمدهم ونشكرهم على ذلك، بدلاً من انتقادهم .. تخيلوا إلى أية درجة وصل بنا الهوان والمهانة .. الوزير يرى أننا في أفضل حال لأننا لم نحمل (بقجنا) فوق رؤوسنا ونهرب من بلادنا كبعض شعوب الدول الاخرى!!
* هذه هي نظرة السيد الوزير إلينا، أيها السادة، فما دمنا نجد البنزين والكهرباء والرغيف وبقية السلع، لا يحق لنا ان نفتح أفواهنا ونتذمر من الأسعار الفاحشة والغلاء الطاحن والفساد وسوء السياسات وتبديد موارد الدولة على الملذات، وإهدار الميزانية على حماية الحكام، بل يجب علينا ان ندفع ثمن كل ذلك طواعية واختيارا ومحبة، ونُقبل الأيادي التي هيأت لنا كل هذا النعيم، وحمتنا من الحروب والمجاعة والموت وحمل (بقجنا فوق رؤوسنا) !!
* وليس في ذلك غرابة، فلكم سمعنا من عبارات السخرية والاستفزاز وتعرضنا لأبشع أنواع الهوان ولم تتحرك فينا شعرة واحدة، فلماذا لا يسخر منا وزير المالية، ويمن علينا وكأنه يدفع لنا ثمن الرغيف والكهرباء والبنزين من جيبه، أو كأننا رقيق أو بهائم نأتمر بأمر الحكومة وندين لها بالسمع والطاعة، ولا نعارض لها قراراً أو قولاً، بل يجب أن نصفق لها، ونسبح بحمدها ونركع لها، لأنها وفرت لنا الرغيف والبنزين والكهرباء والاستقرار وحمتنا من التشرد والهروب آلاف الكيلومترات ونحن نحمل (بقجنا) فوق رؤسنا، بحثاً عن الملاذ الآمن والغذاء والدواء !!
* يتبجح الوزير بهذا الحديث الغريب، وكأننا نعمل عنده أو نتطفل عليه، وليس هو من يعمل عندنا، ويتمتع بالمرتب العالي والامتيازات الكبيرة، وكل وسائل الرفاهية والمتعة، ويتذوق حلاوة الدنيا على حسابنا، وهو يطمع بالتأكيد في دخول الجنة بعد عمر طويل، ويتمتع بكل مباهجها، ويستخسر علينا نحن الرغيف والدواء والكهرباء والبنزين، وكأننا نصرفها مجانا على بطاقة التموين، ولا ندفع ثمنها عرقاً، ودموعاً، وعذاباً، ومكابدةً، وجوعاً، ومذلةً، بل ودماً صافياً من أجسامنا المنهكة !!
* يجرؤ الوزير على اطلاق هذه العبارات المستفزة، ويمن علينا بشظف العيش الذي نكابده، والجوع، والمرض، والقلق، والديون المتراكمة، والامتناع عن العلاج لعدم القدرة، والوجبة الواحدة التي نأكلها، وجالون البنزين الذي نقتطعه من لحمنا، وبعض الكهرباء التي نوفرها بمعاناة شديد من أجل أن يذاكر أولادنا دروسهم، والقهر الذي يكوي أجسامنا عندما نعجز عن تلبية طلب بسيط لاطفالنا الصغار، كقطعة حلوى أو صندوق بسكويت صغير، ونراهم وهم ينومون محرومين منه، ونجاهد نحن كي نحبس الدموع في مآقينا، أو نترك لها العنان لعلّها تخفف عنا بعض ما نحن فيه من غم ومهانة وانكسار ومذلة .. ثم يأتي السيد الوزير ويمن علينا أنهم لم يجعلونا نحمل (بقجنا فوق رؤوسنا) ونهرب من الجحيم الذي يطاردنا !!
* هل جربت سيدي الوزير أن يزورك ضيف لأول مرة في منزلك فلم تجد ما تكرمه به حتى كباية شاي؟، هل جربت أن يظل طفلك الرضيع يصرخ طول الليل من الجوع وأنت عاجز لا تعرف ماذا تصنع، هل جربت أن تخرج من دارك في منتصف الليل لتدق باب جارك وتسأله في حرج أن يقرضك بعض المال لتشتري دواءً لطفلتك المريضة التي تكوي جسمها الحمى؟، فيعتذر لك بأنه لا يملك نقوداً، فتعود كسيفاً حسيراً؟، هل جربت أن تشتهي طفلتك كاس ايسكريم بخمسة جنيهات رأته في يد طفلة جارك وطلبت منك أن تشترى لها مثله، فانتهرتها في غضب لأنك لا تملك ثمنه؟ .. هل ظل ابنك محروماً من الذهاب الى الجامعة لانك لم تدفع له الرسوم؟ .. هل جربت بعض ذلك أو كل ذلك سيدى الوزير، أم أنك تنتظر ان ترانا نحمل (بقجنا ) فوق رؤوسنا، حتى تعرف أننا ميتون؟!
* تأكد سيدي، أن اليوم الذي سنحمل فيه (بقجنا) فوق رؤوسنا لنهرب من الجحيم، صار أقرب إلينا من حبل الوريد، ولكن ماذا ستفعلون أنتم فيه، وإلى أين ستذهبون؟!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة