تداعيات زيادة المحروقات.. الأمجاد والتاكس.. ضحايا تقشف المواطنين
تغيرات غير منطقية أصابت بنيان قطاع النقل العام الداخلي خلال الثلاثة أعوام الماضية، والمؤسف أنها لم تقف عن حدود الخرطوم فحسب، إنما تعدتها إلى مُدن ومناطق أخرى نائية، ولكن دون شك كانت أكثر تأثيرا وأشد وقعا في الخرطوم، حيث أنفلت عقال تعريفة النقل بصورة كاملة وصار السائقون يعملون وفقا لأمزجتهم الخاصة مما ساعد على دخول وسائل نقل جديدة لم يكن سوقها رائجا قبل الأزمة التي تكاد توصف بالمفتعلة. ومن الوسائل التي وفدت حديثاً على قطاع النقل العام، الأمجاد، التاكس الملاكي والمركبات الأخرى التي وظفها أصحابها للعمل والنقل والإيجار اليومي إلى أن صار هذا بمنزلة مصدر لرزقهم.
دلائل ومعان
لم يكن أحد يتوقع حدوث ما هو أسوأ بخصوص المواصلات، فهذا القطاع الذي كان شديد الانضباط في أحيان كثيرة رغم قلة وبدائية وسائله، صار مضربا للفوضى والعبث والتفكك، وهذه قصة لها دلالات ومعان شتى نمسك عن الخوض فيها هنا، ونشير فقط إلى وسائل نقل خاصة استغلت ما يحدث، ففرضت نفسها على المواطنين كوسائل نقل لا غنى لهم عنها، منها الأمجاد التي تحولت من وسيلة للنقل الخاص إلى وسيلة نقل عام، خُصصت لها مواقف وطراحين، وحازت على جمهور غفير بحسب (عيسي مبارك) من سكان الحارة (30) أمبدة. فعيسى يشير إلى أن الفترة الماضية توطدت فيها مكانة الأمجاد كوسيلة نقل عام، وقد ألفها الناس على ارتفاع قيمة تذكرتها البالغة (10) جنيهات، وسبب هذا القبول يرجعه عيسى إلى قلة المركبات الكبيرة في أوقات الذروة، مما يجعل المواطن أمام خيار واحد، وهو استغلال المتاح رغم ما يسببه من متاعب اقتصادية للفرد. ويضيف (عيسى مبارك) “رويدا رويدا صارت الأمجاد وسيلة نقل خففت من الضعط والزحام اليومي بصورة مقبولة”.
جرأة لم تكتمل
لم تكن الأمجاد وحدها من تجرأ ودخل حلبة النقل، فالكثير غيرها من عربات الملاكي الصغيرة ولجتها واستعد سائقوها للمبارزة برفع إشارة التاكس الشهيرة على نواصيها، وبفضل ندرة المركبات العامة وحاجة المواطنين، وجد هؤلاء موطئا لهم أيضا، وراج سوقهم، خاصة وأنهم في تلك الفترة ومن باب لفت النظر لهم قرروا بصورة غير جماعية أن تكون قيمة تذكرت سياراتهم هي الأقل بين كافة وسائل النقل المستخدمة، على حد وصف (إبراهيم تميم) سائق سابق في خط (الكلاكلة – ليبيا)، الذي أسند حديثه بالإشارة إلى انتشار التاكس الملاكي الذي صار أضعاف التاكسي المعروف سابقا وكذلك الأمجاد، ولكن إبراهيم نفسه يتوقع أن تهتز الفرص تحت أقدام هؤلاء الجديد، ويُغلق هذا الباب الذي فتحوه قريبا أمامهم عقب الزيادات المروعة في كافة الأسعار خلال اليومين الماضيين، يبدو تبرير إبراهيم منطقيا بتلاشي وسائل النقل الصغيرة في مقبل الأيام لأسباب عددها وفصلها بدقة كما يراها، وهي بكل يقين لا تخلو من المنطق والواقعية استنادا لمجمل الأوضاع.
نهاية مأساوية
لا ينكر أحد أن وسائل النقل الصغيرة ساهمت بصورة فعالة خلال الثلاثة أعوام الماضية، وقد كانت فكرة نجاحها في النقل دفعت البعض للاتجاه للاستثمار فيها، ومنهم من استبدل مركبات نقل كبيرة (حافلات) بأخرى صغيرة (أمجادات)، كما يشير (إبراهيم تميم)، ولكن الزيادات الأخيرة مثلت آخر مسمار في نعش أحلام أصحابها وتطلعاتهم، لأنها وضعتهم أمام خيارين كل واحد منهما يسبب خسائر فادحة في أسرع وقت، فالخيار الأول هو أنهم يضطرون لزيادة قيمة تعريفتهم، ودون شك لن يستطيع المواطن قبولها، فيتخلى عن استخدام الأمجاد والتاكس على حد سواء، والخيار الآخر هو أن سائقيها يلتزمون بالقيمة الأولى وأيضا سوف يتعرضون لخسائر لا محالة، ووفقا لهذين الخيارين يؤكد (إبراهيم تميم) خروج وسائل النقل الصغيرة من قطاع النقل، إما بالخسائر الفادحة وإما بقبول وإذعان للوضع الجديد بكل سلبياته، وما يترتب عليه حاليا ومستقبلا عليهم، وعلى أسرهم التي يعينونها.
الخرطوم – محمد عبدالباقي
صحيفة اليوم التالي