الذين يحترقون ..!
« نحن نواجه اليوم أخطر تبعات إنقاذ رقابنا بالقوة، وتحرير اقتصادنا بالضربة القاضية» .. الكاتبة ..!
(1)
بعض نواب البرلمان هاجموا – ذات زوبعة – نظام الكفالة المعمول به في بعض دول الخليج، ووصفوه بأنه أقرب لنظام الرق، فكانوا بذلك كالذي يقر مبدأ استباحة دم سيدنا الحسين، ثم يقلق بشأن قتل ذبابة في الحرم ..أما لماذا فلأن نظام الرق الذي استهجنه البرلمان يبقى أكثر رأفة بمعظم فئات المغتربين من شعارات العودة الطوعية إلى بلاد ما يزال برلمان حكومتها يناقش ظواهر ما أنزل الله بها من سلطان مثل احتكار عائلات السادة الوزراء لمعظم المناصب في الخدمة المدنية ..الذي لا ولم تستوعبه أجهزة الدولة المعنية هو أن مفهوم الغربة اليوم قد تغير كثيراً .. ضاقت فرص العمل بالخارج مع استحالة خلق معادل موضوعي في السودان .. تفشت التصنيفات الطبقية بين المغتربين أنفسهم .. اتسعت هوة الفوارق الزمنية بين أجازاتهم التي لم تعد سنوية، بل خمسية وربما عشرية .. فأصبح التسكع في بلاد الناس – على غير هدى – هو قدر معظم السودانيين المختبئين بالخارج ..الآن نعود إلى منهج الدولة التي تتذمر – حكومة وشعباً – من مثالب العمالة الأجنبية .. لماذا لا تجتهد إذاً في مكافحة الظاهرة باتخاذ حزمة قرارات تساهم في استرجاع عمالتها الوطنية المدربة الخبيرة القابعة بالخارج؟! .. عوضاً عن التفنن في لعن الظلام لماذا لا يوقد برلمان «البخاتة» شمعة فيقترح على حكومته مشاريع ذكيةلإعادة توطين فقراء المغتربين الهائمين على وجوههم في بلاد الناس ..؟!
(2)
في الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو العودة الطوعية إلى الولادة في المنازل أصبح السودان مسرحاً لمأساة وفيات الأمهات، وبتنا لا نملك إلا ذكريات ريادته العتيقة في مهنة القبالة ومذكرات تاريخ الداية السودانية ذات المواصفات العالمية في وقت مضى .. الداية السودانية أين هي اليوم من أمسها الزاهر؟! وإلى أين تسيرمهنة القِبالة في مجتمعنا المترامي؟! .. وكيف السبيل إلى تذليل عقبات مسيرة الأمومة الآمنة في السودان، من خلال تفعيل دور القابلة وتأهيلها؟! .. أوليس من الطبيعي أن تبحث هذه الأسئلة عن إجابات نزيهة بين أروقة وفي أضابير وبنود وقرارات مؤسسات الطب والصحة والمجتمع في هذا البلد ..؟!
(3)
هل قرأت يوماً تحقيقاً صحفياً يرصد ثروات المشاهير في السودان؟! .. أو قرأت يوماً خبراً يتناول مظاهر البذخ والثراء التي يعيشها الممثل أو المطرب الفلاني كما يحدث في مصر القريبة مثلا ؟! .. لن تسمع أبداً .. مع أنك تسمع كل يوم عن أخبار ثروات السادة المسئولين والساسة الحاكمين ..تلك المفارقة – في تقديري – لها تبرير اجتماعي شديد البؤس والطرافة في آن معاً،مفاده أن المواطن السوداني يحكم سلباً على مظاهر الاستفادة المادية من الشهرة الفنية لكنه في ذات الوقت يتصالح مع مظاهر استغلال النفوذ السياسي ..وأن طبائع الطبقة المتوسطة العليا في بلادنا تفرض على الفقير الشهير الكثير من المكابرة للحفاظ على صورته المعقولة في أذهان جماهير تكره شكوى المشاهير الاقتصادية مثلما تبغض أن تبدو عليهم مظاهر الثراء ..أضف إلى ذلك طبيعة الجماهير السودانية ونظرتها المثالية «القاسية» للنجوم، والتي ترسم صورة ذهنية متعسفة لسلوك المشاهير (فيجهدون أنفسهم – مكرهين لا أبطال – للمحافظة عليها)،فلا هي أطعمتهم وسقتهم، ولا هي تركتهم يأكلون من خشاش الشهرة ..!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة