منوعات

“سأعيل نفسي” في السودان

لأنّ معاناة الأرامل اللّواتي تسرّبن من المدارس باكراً كبيرة، كانت مبادرة “سأعيل نفسي” التي أعادتهن إلى مقاعد الدراسة، حتى يعتمدن على أنفسهن

فجأة، تغيرت حياة هادية (40 عاماً) بعدما توفي زوجها، ووجدت نفسها مسؤولة عن إعالة ثلاثة أطفال. ما حدث كان صعباً، إلا أنها لم تكن تملك خياراً غير المواجهة.

قبل إتمامها الـ 15 عاماً، كانت أماً لطفلة. فبحسب عادات قبيلتها، تتزوّج الفتاة في عمر مبكر. ما زالت تذكر كيف أخرجت من المدرسة التي كانت تحبّ، لتنتقل إلى بيت زوجها. وظلّ حلم القراءة يراودها إلى أن أتيحت لها الفرصة من جديد، من خلال الانضمام إلى مبادرة “سأعيل نفسي”، التي تهدف إلى تشجيع النساء الأرامل على العودة إلى صفوف الدراسة، حالها حال ستين أرملة.

هذه المبادرة أطلقتها سودانية تدعى عفاف إبراهيم بهدف انتشال الأرامل من الأمية ليواجهن مصاعب الحياة. ومن خلالها، عدن إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاعهن عنها بسبب الزواج أو لأسباب أخرى، ليتمكنّ من المنافسة في سوق العمل، بدلاً من العمل في ظروف صعبة أو تحت أشعة الشمس الحارقة.

تقول هادية إن حياتها انقلبت رأساً على عقب بعد وفاة زوجها، واضطرت إلى العودة إلى منزل والديها بسبب عدم قدرتها على دفع بدل إيجار منزلها، وعملت كبائعة متجولة لتأمين لقمة العيش لأطفالها الصغار. كانت تبيع الملابس وغيرها من السلع المنزليّة. تشير إلى أنه رغم التحديات، سعت إلى التوفيق بين العمل والدراسة، وخضعت لامتحانات الشهادة الرسمية العام الماضي، والتحقت بالجامعة. تضيف أنها كانت تدرس وابنتها، و”نشجّع بعضنا بعضاً”. بدأت تشعر أن حياتها تتغيّر، وتحلم بأن تتخرّج من الجامعة وتجد وظيفة بشهادتها. وفي حال لم يحالفها الحظ، فهي على يقين بأن أبناءها سيفتخرون بها.

مصاعب كثيرة واجهت مبادرة “سأعيل نفسي” في ظلّ عدم توفّر المال دائماً، وقد أغلقت الأبواب في وجه صاحبة المبادرة التي تعرّضت للنقد بسبب مطالبتها بتعليم الأرامل، حتى يتمكن من إعالة أسرهن. من جهة أخرى، فإن مهمة تعليم أرامل انقطعن فترة عن التعليم ليس بالأمر السهل، بحسب إبراهيم. تقول لـ “العربي الجديد” إن الفكرة بدأت حين لاحظت أن أرامل يلجأن إلى المنظّمات لطلب المساعدات، أو العمل كبائعات متجولات في الشوارع، أو غيرها من الأعمال المنهكة، والتي لا تدرّ أرباحاً جيّدة. من هنا، تشير إلى أهمية مساعدتهن على العودة إلى مقاعد الدراسة حتى يصبح لديهن مهن، لافتة إلى أن “العلم يقوي الإنسان، ويعد سلاحاً مهماً يمكنهن من الاعتماد على أنفسهن وإعالة أطفالهن من دون طلب المساعدة من أحد”.

تشير إبراهيم إلى أنّها كانت قد طرحت مشروعها على بعض المنظمات التطوعيّة “صحيح أن البعض تفاعل معها في بادئ الأمر، إلا أن الحماس خفت مع الوقت، ما اضطرني إلى تنفيذ المبادرة منفردة، ومن خلال التمويل الذاتي”. وتؤكّد أنّ المبادرة تهدف إلى تحفيز الأرامل على متابعة دراستهن، لافتة إلى أن الخطوة لقيت رواجاً كبيراً حين انطلقت. تضيف أن ما يزيد عن المائة وعشرين امرأة سجلن أسماءهن بهدف العودة إلى مقاعد الدراسة، بعدما عمدت إلى التكفل بالعملية التعليمية بشكل كامل، مع توفير وجبات الإفطار لهن وبدل المواصلات.

تقول إبراهيم إنّه بهدف تقليل الكلفة، استعانت بسيارة زوجها لنقل النساء من بيوتهن إلى مركز الدراسة، ثم إعادتهن إلى منازلهن. ورغم أهمية مبادرتها، تشير إلى فشل محاولاتها في الحصول على تمويل من وزارة التربية والتعليم. إلا أنها استعانت بأساتذة كانوا قد تخرجوا من كليات التربية من جامعات مختلفة، من دون أن يجد بعضهم عملاً. وتلفت إلى أن قسماً من هؤلاء تطوّع للتدريس، فيما تقاضى آخرون رواتب ضئيلة، بعد جدولة الحصص (سبع حصص في اليوم الواحد لمختلف المراحل)، بالإضافة إلى توفير الكتب مجاناً، نظراً إلى ظروف هؤلاء الحرجة.

إلى ذلك، تلفت إلى أنّ عدد الأرامل اللواتي كنّ قد التحقن بالمركز تناقص مع الوقت، بحجة ظروفهن الحياتيّة الصعبة. في الوقت نفسه، تشير إلى أن نحو 13 أرملة خضعن لامتحانات الشهادة السودانية العام الماضي، وقد نجحن بغالبيتهن وحصلن على درجات جيدة والتحقن بالجامعات. من جهة أخرى، تستعدّ أخريات إلى تكرار التجربة، على أمل النجاح. وتلفت إلى أنه كونها أستاذة تنمية بشرية، ساهمت في التدريس وتنظيم دورات تأهيلية وتحفيزية، خصوصاً أن المجتمع السوداني عادة ما يحد من دور الأرملة في الحياة.

ورغم النجاح الذي حققته، إلا أنها تخشى عدم قدرتها على المتابعة، هي التي تمول هذه المبادرة من جيبها الخاص. وتوضح أن كلفة العام الدراسي لكل أرملة تقدر بنحو ثلاثة آلاف جنيه (نحو 450 دولاراً أميركياً). وتلفت إلى أنّها تحتاج إلى من يقف إلى جانبها في مشروعها، حتى تتمكن من الاستمرار. وترى أنّ تعليم الأرملة يساهم في تطوّر المجتمع نحو الأفضل، وتغيير حياة الأسرة بشكل إيجابي. في المستقبل، تطمح أن تكون قادرة على فتح مدارس لتعليم الأرامل في الأحياء التي يقطنّ فيها، وتحفيزهنّ على القراءة والكتابة.

العربي الجديد