تحقيقات وتقارير

دخلوا إلى معترك التظاهر عبر بوابة الغلاء طلاب المدارس.. جيل “الواتساب” يوقِّع في دفتر الاحتجاج

هدّم جيل ما بعد الألفية كل الأفكار المسبقة عنه، وتسعى لحشره في خانة مواكبة العصر والتوجه نواحي قضايا انصرافية، وذلك بالمشاركة في العمل العام، ممثلاً في خروج عدد من طلاب ثانويات بحري إلى الشارع احتجاجاً على تطبيق حزمة سياسات اقتصادية تشمل تحريك سعر الدولار الجمركي لسلع تشمل الدواء ما ضاعف الاعباء المعيشية على كاهل المواطن البسيط.
نحن هنا، لسنا بصدد تشريح أزمات الاقتصاد، وإنما لمعرفة الدواعي والمسببات التي من وراء تحرك طلبة الثانويات في الواقع، وفي فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن رؤى ومطالب بعضها ذو صبغة سياسية.
“ثورة” التعليم
من المعلوم بالضرورة أن كافة جيل الثانويات الحالي من مواليد عهد الإنقاذ، بمعنى أنهم الجيل الذي تربى في كنفها وتعلم مناهجها التي وضع لبنتها بروفيسور إبراهيم أحمد عمر صاحب ثورة التعليم العالي في مطلع تسعينيات القرن المنصرم، وبالتالي نستقصي خلال هذا التقرير عن علاقة المناهج بتربية هذا النشء من الشباب.
عقل قديم
التطور الكمي والرقمي في عالم التقانة والتكنولوجيا جعل هذا الجيل الجديد أكثر انفتاحاً علي العالم، هذا الانفتاح الكبير في عالم التكنولوجيا جعل الشباب “الجدد” منفتحين على كافة الأصعدة “الفكرية، والثقافية، والمعرفية” وهذا شكل لديهم وعياً خاصاً فاق العقل “القديم” الذي ينظر إليهم باعتبارهم مجموعة تعاني التسطيح وذات توجهات انصرافية وتمارس الدولة بحقهم وصاية تامة.
الإعلام البديل
تبيَّن بما لا يدع مجال للشك أن الرقابة الممارسة من قبل أجهزة الدولة على الإعلام (صحافة، إذاعة، تلفزيون) جعل لهؤلاء الشباب إعلاماً خاصاً، ووفقاً لاستطلاعات شفاهية وجدنا أن نسبة 90% منهم لا يقرأون الصحف ولا يشاهدون القنوات المحلية، ويصب جل اهتمامته في تطبيقات التراسل الفوري والتواصل الاجتماعي (واتساب، فيسبوك، تويتر ، يوتيوب ، لينكد إن ، بنترإيست ، جوجل بلس ، انستجرام) وهذه تطبيقات متوفرة في شبكة الإنترنت للأفراد والجماعات، حيث تتيح لهم التواصل فيما بينهم حسب اهتماماتهم، فيستطيع أي شخصٍ أن يجد أو ينشيء المجموعات حسب اهتمامٍ معين مثل القراءة أو بلد المنشأ أو الهوايات أو التخصص الجامعي وغيرها من الأمور المشتركة.
شكّلت هذه المواقع حلقة وصلٍ بين جميع الأشخاص على اختلاف مواقعهم واختلاف دياناتهم وأعمارهم وأجناسهم، حيث أصبح أي فرد يستطيع الوصول إلى أي شخص في العالم من خلال هذه المواقع، تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ أساسي على الأفراد أو المستخدمين، لأنهم هم من يشغِّلونها ويرفدونها بالمعلومات والبيانات.
غياب النشاط السياسي
للبحث في غور الظاهرة، تواصلنا مع الخبير التربوي ورئيس لجنة حسن ياسين، الذي قال إن طالب الجامعة مُورِس عليه ضغط وصل إلى حد العنف بالأسلحة البيضاء لذلك أحجم عن العمل والنشاط السياسي داخل الجامعة’ بينما طلاب الثانوي أكثر نشاطاً ولديهم حرية أكثر من الجامعة وليست لهم محاصرة بزملائهم أو بالأجهزة الأمنية أو حتى الأساتذة، وهو ما يتيح مساحات أكبر للحرية والتعبير عن الرأي، قاطعاً بأن هناك تصرفات لا أخلاقية تمارس على الطالب الجامعي من قبل الأساتذة على المستوى الأكاديمي وتحد من تحركه السياسي والمطلبي.
أسباب أساسية
بدوره يقول الأستاذ الجامعي النعمان عبد الحليم إن خروج طلبة التعليم العالي وتنديدهم بالغلاء وزيادة الأسعار مؤشر ودلالة واضحة على انحراف الحركة الإسلامية عن برنامجها التربوي والفكري متهماً دائرة التعليم العام بالمؤتمر الوطني بالفشل في تربية جيل حركي وأنها لا تواكب الوعي الشبابي للجيل الجديد (المولود بعد قدوم الإنقاذ) وأن الحركة الإسلامية لم تواكب الحداثة، يقول إن الطلاب هم من جذور إسلامية معروفة مما اعتبره فقداناً للمشروع الإسلامي واندثاره.
أول الغيث قطرة
وبحسب النعمان فإن الأمر برمته راجع إلى المفاصلة الشهيرة بين قيادات الحركة الإسلامية قديماً وتكوين المؤتمرين الوطني والشعبي، واعتبر ما تمر به البلاد من دعوات للعصيان إن لم تنجح بالنسبة للداعين لها فهي بمثابة (العيار) الذي إن لم يصب فإنه (يدوش) على حد تعبيره.
وأضاف النعمان أن المعلمين المعينين قديماً لا علاقة لهم بالحزب الحاكم أو المؤتمر الوطني، مشككاً في نزاهة الجيل الجديد من المعلمين، ناعتهم بـ”خائفين من فقد الوظيفة”، ولذلك دعا الحكومة إلى مراجعة القرارات الاقتصادية الأخيرة وتخفيض الضرائب وتقليل الإنفاق الحكومي، وأنها تسببت في خسران عضوية الحزب الحاكم من الطلاب وغيرهم في الشارع والجامعات وأضاف: “أن مدافعة الطلاب عن سياسات المؤتمر الوطني حتى الموت لم تعد موجودة لأن المستفيدين من هذه السياسات قلة قليلة منهم”.
عدم رضا وظيفي
بالعودة إلى الخبير حسن ياسين، لسؤاله عما يعتمل داخل الجامعات، نجده يقول إن المعلم في قرارة نفسه مع العصيان المدني الذي دعا له نشطاء مؤخراً لأنه يرى الواقع المتردي وزيادة الأسعار. ويمضي للقول إن المظاهرات داخل الجامعات (الإسلامية والقرآن الكريم) أوضحت أن عدداً كبيراً من الطلاب ليسوا مع المؤتمر الوطني، وأن عدداً كبيراً من طلابهم يهاجرون بصورة كثيفة من الوطني إلى الأحزاب والجماعات السلفية.
النعمان لم ينفِ هذه الفكرة وعبّر عن عدم رضاه عمّا يحدث بالجامعات، ولم يستبعد حدوث مظاهرات داخل جامعات (السودان، الخرطوم، الأزهري) أسوة بالجامعة الإسلامية والقرآن الكريم، معللاً بأن الطلاب غير راضين عن الانتخابات التي يفوز بها طلاب الوطني بالتزكية.
أهل الرصيف
وعزا النعمان الأسباب التي أدت لخروج عضوية طلاب الوطني منه إلى الغلاء الاقتصادي والابتعاد عن النهج وفكرة المشروع الحضاري وأن السياسات المعمول بها حالياً دون أفكار تسندها.
وقطع بأن طلاب الوطني الذين خرجوا عنه هم الآن في الرصيف، بينما وجلهم ذهب بإرادته واختياره لأن الأوضاع داخل التنظيم غير مرضية بالنسبة له وغير متماشية مع مبادئه وأفكاره الأساسية ما قادهم لترك العمل بالتنظيم والدولة معاً فيما تولى الفريق الآخر المستويات الدعوية.
ويمضي النعمان ليقول لـ(الصيحة): “بالنسبة لمجموعة أهل الرصيف والتي تم إبعادها قسْراً من المؤتمر الوطني، نجدهم في قمة الغضب خاصة وأن من ذهب بهم إلى الرصيف ليسوا من البدريين وأهل المبادئ داخل التنظيم”. وتوقع أن تتوزع هذه الفئة، في حال طرأ موقف سياسي له مترتبات، على الشارع العام بين التأييد والحياد.

الصيحة