الطيب مصطفى

هل اقترب سلام دارفور؟


سعدت كثيراً بأن مشاورات جادة تجري بين الحكومة وحركتي جبريل إبراهيم ومني مناوي الدارفوريتين حول معضلة مواقع قوات الحركتين التي ظلت تشكل عائقاً أمام إبرام اتفاق يُزيل الانسداد الذي عطَّل انضمامهما إلى الحوار الوطني.

أكثر ما ملأني تفاؤلاً أن الخبر صدر من د. أمين حسن عمر، رئيس مكتب سلام دارفور، وهو رجل يتجنب التصريحات إلا مضطراً أو حين يُحمَل عليها حملاً، فقد أدلى، أمين، بتلك الأخبار السارة عقب لقاء جمعه بالمبعوث الأمريكي دونالد بوث، بل أضاف إليها بشريات أخرى أن ثلاثاً من القضايا الأربع المعلقة قد حُلَّت ولم يبْقَ إلا الاتفاق حول وثيقة الدوحة، كما تحدث عن خطوة إطلاق سراح المعتقلين من قبل الطرفين وهي خطوة متقدمة تشي بأن الفترة التي أعقبت انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، رغم ما اعتراها من توتر واحتقان أشعل الساحة السياسية جراء القرارات الاقتصادية الأخيرة، كانت حافلة بلقاءات مثمرة عُقِدت بعيداً عن الإعلام الذي كثيراً ما يشوِّش على الحوار ويباعد بين أطرافه.

كنت خلال الأيام الماضية في حالة نقاش مستمر عبر الواتساب مع قادة الحركتين الدارفوريتين وأصدقكم القول إنني، رغم حدة النقاش في كثير من الأحيان، لم أشعر البتة أن شقة الخلاف كبيرة سيما وأن القروب ضم مؤخراً الأخ عبد الرحمن بنات، الذي انشق من حركة جبريل ضمن فصيل كبير ضم القائد دبجو والقائد محمد بشر الذي قتلته قوات جبريل إبراهيم مع عدد من القيادات بينما كان عائداً من تشاد إلى السودان بعد التوقيع على وثيقة الدوحة. ودخل بنات في النقاش بقوة وكشف ما حدث لتلك المجموعة العائدة للسلام والتي اعتقل منها كذلك عددٌ كبير وسيقوا إلى دولة جنوب السودان حيث قضوا ما يقرب من أربع سنوات في سجون حركة جبريل ذاقوا خلالها من صنوف التنكيل والتعذيب على يد رفاق السلاح والملح والملاح ما يندى له الجبين وكان كل ذنب هؤلاء المعتقلين وكذلك من قتلوا في منطقة بامينا بتشاد أنهم انخرطوا في السلام، الأمر الذي دعا عبد الرحمن بنات والطيب خميس وإبراهيم زريبة وغيرهم من الذين رجعوا مؤخراً من الاعتقال الطويل يتساءلون في حرقة والغصة تملأ حلوقهم: أكُل ذلك الحقد لأننا جنحنا للسلام؟! وهل يعتبر موقف أولئك القتلة ومن وجهوهم من القيادات السياسية مبرراً لقتلهم هم كذلك حين يعودون للسلام ويضعون السلاح؟!

بالرغم من الحدة التي كثيراً ما تخرج ببن ثنايا نقاشاتنا كنت أشعر أن كلاً من جبريل ومناوي مقتنعان بالسلام، خاصة بعد الهزائم الساحقة الماحقة التي منيت بها الحركتان في دارفور وكذلك بعد أن انفض عنهم معظم المقاتلين وعادوا إلى حضن الوطن أو خرجوا إلى ليبيا ودولة جنوب السودان ليعتاشوا ببنادقهم لدى حفتر وسلفاكير كمرتزقة، ويا لها من فاجعة أن تتحول حركات دارفور التي يتزعمها رجال ملؤوا الدنيا بشعارات التحرير ورفع الظلم عن المهمشين، أن تتحول إلى شراذم من المرتزقة الهائمين على وجوههم بحثاً عما يسد رمقهم من دولار الارتزاق في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل!

كنت أشعر بضعف منطق من يجادلوننا حين نسألهم عمَّا حققوا لدارفور من خلال حربهم المجنونة وقد مات الآلاف وشرد الملايين إلى خارج وداخل السودان ودمّرت المدن والمنشآت ومزِّق النسيج الاجتماعي وشوِّهت سمعة السودان بمنظمات الارتزاق الأجنبية التي يغذيها بعض الموتورين وليس أدل على ذلك من حملات منظمة (أنقذوا دارفور) التي يُديرها خواجات وخونة مشوِّهون من السودانيين الحقوا ببلادهم من الأذى ما قل نظيره في التاريخ.

لقد فعلت أزمة دارفور بالسودان الأفاعيل ولو حاول الناس إحصاء الخسائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والمعنوية لتلك الحرب على السودان وعلى دارفور لإعجزهم ذلك.

إني لأطمع في أن نشهد سلاماً قريباً في السودان وأن يراجع كل من مناوي وجبريل نفسيهما وأن تعينهما لجنة أمين حسن عمر على اتخاذ القرار اقتحاماً لعقبة النفس الأمّارة فإن الأمر والله العظيم يتجاوز هذه الدنيا إلى الآخرة ويا له من حساب عسير .

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة