انفلات مهني ..!
« أنا من أشد المؤمنين بالحظ، وقد لاحظت أن حظي يزداد كلما زاد عملي» .. توماس جيفرسون ..!
(1)
التمييز المهني على أساس العمر، داء يستوطن عصب الممارسة السياسية في السودان، لكن اقتصار الحكمة السياسية على الشيوخ فلسفة قديمة تهافتت في برلمانات ومجالس وزراء العالم الأول، ثم تلقفت ذلك التغيير حركات البعث والتجديد السياسي في معظم دول العالم الثالث .. لا خلاص لأهل هذا البلد من صبيانية السياسة ومراهقة الاقتصاد، ولا نجاة لهم – بعد لطف الله – إلا بتجديد شباب الأحزاب .. كل آفاتنا السياسية تبدأ من «خطل» المؤسسة الحزبية .. وكلها تنتهي باستقامة عوجها ..!
(2)
معظم المفكرين ودعاة الإصلاح أرجعوا الكثير من المشكلات القومية في بلادهم والتي كان لها تأثير ظاهر على إنتاج شعوبهم ومكانتها العالمية وفرادتها الإقليمية -إلى طبائع الفرد! .. ديرنمات – مثلاً – ذهب إلى أن مشكلة الشعب السويسري تكمن في رمادية مواقفه التي أودت به إلى الجمود والعزلة! .. بينما لخَّص فيه فانس باكار مشكلة الشعب الأمريكي في الاستهلاك.. فالسواد الأعظم من شعبه تحولوا إلى مستهلكين وبالتالي ضحايا لوسائل الإعلام .. حيث تقوم الشركات الكبرى باستخدام الإذاعة والتلفاز للترويج للسلع وأهمها السيارات.. ربما لذلك رمز لتلك الفكرة بالسيارة .. وعليه إذا حاولنا أن نؤيقن مشكلات الشعوب بحسب فلسفات بعض المفكرين.. فيمكننا أن نقول بالآتي: مشكلة الشعب الأمريكي رمزها سيارة.. ومشكلة الشعب السويسري رمزها بقعة لون رمادي.. بينما مشكلة الشعب السوداني ـ في تقديري ـ رمزها سرير! .. لا أتحدث عن نهمة الكسل ـ أسوة باتهامات بعض إخوننا العرب ـ بل أتحدث عن غياب حيوية الحضور المهني عن الموظف، وشيوع ثقافة الخمول والاسترخاء على ملامح العامل وإن كان منهمكاً في أكثر الأعمال تركيزاً ومشقة .. أما الوقت في بلادا فهو مارد نائم ..!
(3)
قد يقول قائل إن التمثيل المهني بيِّن، وإن التمثيل الشخصي بيِّن، ولكن، عندنا في السودان، بينهما أمور مشتبهات، وأعراض متعددة لمرض مستوطن اسمه (نقص المناعة المهنية المكتسب) .. فالوزير – الذي اشتق اسمه من الإزر، أي الظهر – رجل الدولة الذي يختاره رئيس الحكومة لإدارة شئون الدولة، مستمداً صلاحياته من أحكام الدستور التي تخول له المشاركة في رسم وتنفيذ السياسات العامة وتحديد الإجراءات اللازمة لتيسير وتسيير العمل، وإصدار اللوائح والقرارات اللازمة .. والذي .. والذي .. قد يقف – عندنا – ببساطة موقف المشكوك في حياده المهني، والتزامه الصارم بالتفريق بين ماهو شخصي وما هو موضوعي في إدارة شئون البلاد والعباد .. والسبب دعاوى النفس الأمارة بالسوء وشخصنة المواقف والصراعات، على حساب مقدسات التمثيل الاعتباري ..!
(4)
ماذا تفعل إذا كنت وزيراً، وكنت تعلم – علم اليقين – أن أسوأ نهاية لسيناريو تكليفك بأعباء بالمنصب، هي تشريفك بالرحيل حراً، طليقاً، خالياً من ذنوبك الوزارية، كما ولدتك أمك ؟! .. مؤكد أنك ح تسوق فيها، آمناً مطمئناً، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً ..!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة