بناطيل ممزّقة في موريتانيا
ما زال بعض الموريتانيّين يحرصون على الحفاظ على الملابس التقليدية. مع ذلك، وصلت الموضة الجديدة إلى الشباب، إلا أن النساء حافظن على “الملحفة”
قبل سنوات قليلة، كان ارتداء البناطيل والملابس الرياضيّة في الجلسات العائلية محرّماً بحسب العادات الموريتانية الأصلية، التي تمنع الشاب من الدخول إلى الغرفة أو المكان الذي يجلس فيه والده وأعمامه بهذا اللباس. وكان ارتداء الملابس التقليدية سائداً بين جميع الفئات العمريّة، ويدلّ على احترام الكبير والتمسّك بالهويّة الوطنية. لكن تغيّرت هذه العادات اليوم، واستبدل الشباب الموريتاني ملابسهم التقليديّة بسراويل الجينز الممزقة، والقمصان ذات الأكمام القصيرة، والملابس الرياضية، وغيرها.
هذه الموضة انتشرت بشكل كبير بين الشباب في موريتانيا، رغم معارضة بعض المحافظين، وقد أثارت جدلاً واسعاً في المجتمع، وسط مطالب بضرورة سحب هذه السلع من الأسواق وتغريم مستورديها. ويرى موريتانيّون أن التخلّي عن ارتداء الدشداشة والسراويل التقليديّة الفضفاضة هو تنكّر للهوية وتقليد للغرب.
يقول المختار ولد سيدي لمين (54 عاماً)، وهو متقاعد، أن ارتداء السراويل الضيقة والممزقة يعدّ سلوكاً مخالفاً للآداب العامة والتقاليد التي تفرض الالتزام بالزي التقليدي. يضيف أنّ “النساء وكبار السن هم الأكثر التزاماً باللباس التقليدي، إلّا أنّ الشباب تخلوا عنه، وبالكاد يرتدونه في الأعياد وبعض المناسبات”. ويشير إلى أنّ ملابس الشباب في الوقت الحالي لا تصلح للجلسات العائلية، موضحاً في الوقت نفسه أن الشباب يخجلون من ارتداء الملابس العصرية داخل المجالس والتجمعات العائلية بسبب نظرة المجتمع لها، علماً أنها تعدّ في نظرهم منافية للأخلاق الحميدة ومسيئة للمكانة الاجتماعية.
تجدر الإشارة إلى أنّ ارتداء الملابس العصريّة في موريتانيا كان نادراً، ويقتصر على شريحة “البيظان” أي القبائل العربية ذات النسب. وكان ارتداؤها يقتصر على بعض الموظّفين في الدوائر التي تفرض على عمالها اللباس العصري، كالمصارف والشركات، على أن يرتدوا الملابس التقليدية خارج أوقات العمل.
جرأة
وحتّى وقت قريب، كان هناك تمييز بين الأجانب والمنتمين إلى بعض الطبقات الاجتماعية، بحسب التراتبيّة الاجتماعيّة السائدة في موريتانيا. ولا يرتدي الملابس العصرية غير الأجانب والزنوج والعبيد السابقين، في وقت يفتخر عرب موريتانيا بملابسهم التقليدية الفضفاضة التي تغنوا بها في أشعارهم، والتي اعتبروها رمزاً للوطنية والعروبة. إلا أنّ الموضة وانفتاح المجتمع الموريتاني على مجتمعات أخرى أدى إلى استبدال الدشداشة، التي يطلق عليها الموريتانيون “الدراعة”، والسروال الفضفاض بالسروايل الممزقة وسروايل الجينز وغيرها.
واللافت أن هذه الموضة لم تؤثّر على الموريتانيات اللواتي ما زلن ملتزمات باللباس التقليدي، والذي يطلق عليه اسم “الملحفة”. حتى الصغيرات منهنّ يرتدين “الملحفة” ما إن يتجاوزن العاشرة من العمر، ليودّعن الملابس العصرية بصورة نهائية.
ويرى عبد الله ولد يربى (17 عاماً)، وهو تلميذ في الثانويّة العامة، أنّ الوقت قد حان لتخترق الموضة الشبابية موريتانيا، بعدما ساد الذوق التقليدي طيلة العقود الماضية. ويرى أن سرعة انتشار هذه الموضة ترتبط بتعزيز دور الشباب في البلاد، الذين باتوا قادرين على فرض ذوقهم. يضيف: “رغم معارضة القوى التقليدية، فقد ازداد في الفترة الأخيرة تقبّل الناس للموضة الحديثة، وتفهمهم لرغبة الشباب في اختيار ملابس جريئة تشعرهم بالثقة في النفس”. ويلفت إلى أنه يحب التغيير وكسر الروتين. لذلك، يحرص على مواكبة الموضة. أحياناً، يجبر على ارتداء ملابس معيّنة بسبب عدم توفّر كل ما يحتاجه في السوق. ورغم دفاعه عن الموضة، يشير إلى أن بعض الشباب يمزقون السراويل بشكل مبالغ فيه، إلى درجة لا تراعي الذوق العام، ولا تعكس ذوق الشباب.
عباءة بسبب الحرّ
ويتميّز الزيّ التقليدي الموريتاني بأنّه مريح لسكّان الصحراء، ويناسب المناخ الحار والطبيعة في الصحراء. ويرتدي الرجال في البلاد “الدراعة”، وهي عباءة واسعة تخاط من ثوب سميك، ويبقى جانباها مفتوحان من أعلى الكتف وحتى مستوى الساق. وعادة ما يزيّن عند فتحة العنق. بالإضافة إلى العباءة، هناك السروال الفضفاض من نوع العباءة.
وكانت بعض الدوائر الحكومية والمدارس قد أصدرت قرارات بمنع الموظفين والتلاميذ من ارتداء الزي التقليدي. آخر هذه القرارات كانت قد أصدرتها وزارة التعليم التي منعت اللباس التقليدي الرجالي “الدراعة” في المؤسسات التعليمية. وعمّمت الوزارة قرارها على جميع المناطق وحتى المناطق الشرقية التي لا يرتدي سكانها إلا الملابس التقليدية.
وواجهت الوزارة صعوبات وعراقيل كثيرة لتطبيق القرار، إلا أنها ما زالت متمسكة به لتنظيم العمل في المدارس، وإضفاء الطابع العملي على المؤسسات التعليمية. هذا القرار أثار جدالاً واسعاً بسبب تمسك المدرسين باللباس التقليدي.
العربي الجديد