زهير السراج

ماذا تريدون منا ؟!


* لن أكف عن التساؤل: ما الذي يضير حزب (المؤتمر الوطنى) أن يعترف بحق الشعب في التعبير عن رأيه محتجاً على قرار لا يعجبه، أو حتى داعياً لسقوط الحكومة ما دام التعبير عن الرأي يحدث بالطرق المشروعة كالتظاهرالسلمي والعصيان المدني والأضراب عن العمل وغيرها من أشكال التعبير السلمي المختلفة التي يقرها ويعترف بها وينص عليها الدستور السوداني، حتى يخرج علينا أحد قادة المؤتمر الوطني كل يوم ليكيل الاتهامات الجزافية بالتآمر والخيانة للذين يختلفون معهم في الرأي والداعين للاحتجاج على سياساته وقراراته (مهما كانت صحتها)، بل أن نائب رئيس الحزب ابراهيم محمود تحدى (حسب الزميلة اليوم التالي الصادرة أمس) الداعين للعصيان المدني للخروج الى الشوارع ومواجهة اعضاء حزب المؤتمر بدلاً عن الاختباء في الفضاء، وهو تحريض صريح على العنف والاقتتال بين ابناء الشعب الواحد لم نتوقع ان يصدر من أحد فى مثل موقعه !!

* لا ندري ماذا يريد المؤتمر الوطني وحزبه الحاكم من الشعب السوداني، فلقد ظل منذ ثلاث سنوات يتحدث عن الحوار والوفاق والديمقراطية، ويستهلك الكثير من الوقت والجهد والمال في ما يطلق عليه إسم (الحوار الوطني) و(مخرجاته) التي صارت أحد الاناشيد الوطنية أو المقدسات المفروضة على الناس عبر أجهزة الاعلام الحكومية وألسنة المسؤولين التى لا تكل ولا تمل عن ترديد الأحاديث الشجية عن المكاسب الضخمة التي تنتظر الشعب من تطبيق هذه المخرجات وعلى رأسها الديمقراطية، وعند أول تمرين لممارسة هذه الديمقراطية تهوي المخرجات الى بئر سحيقة وتتحول الى تحديات بالخروج الى الشوارع والمواجهة والعنف، بدلاً عن الحوار واحترام أراء ورغبات الآخرين، إلا إذا كان فهم المؤتمر الوطنى للديمقراطية أن يكون هو الوحيد الذي يتمتع بحق الحديث، والوحيد الذى يأمر وينهى، وعلى الآخرين أن يخضعوا لمشيئته، وإلا كان مصيرهم المواجهات والهراوات والدم !!
* لا اريد أن اكرر بأن الدستور السوداني يعترف فى الباب الثاني (وثيقة الحقوق) المادة (27،3)، بجميع الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود الدولية لحقوق الانسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان، ويعتبرها جزءا لا يتجزأ منه!!

* بل يأمر الدولة فى المادتين (27 ،2 ) و (27، 4 ) بحماية هذه الحقوق وتعزيزها وتنفيذها، وعدم مصادرتها اوالانتقاص منها!!
* على رأس هذه الحقوق حق التعبير السلمي عن الرأي بأي شكل من الأشكال، سواء بالكلام أو الكتابة أو الاحتجاج أو التظاهر، أو الاعتصام أو الاضراب أو أى شكل آخر من اشكال التعبير السلمي عن الرأى مثل (العصيان المدني)، فما الذي يجعل الحزب الوطني وحكومته يثوران كل هذه الثورة لدرجة الدعوة للاقتتال والعنف لمجرد اعلان مجموعات من المواطنين (الخيالين أو الحقيقيين) عن رغبتهم في التعبير عن رأيهم في قرارات الحكومة أو حتى في الحكومة نفسها بممارسة العصيان المدني والاعتصام داخل منازلهم وهو أمر مشروع ودستوري، ولا أحد يستطيع أن يجادل في ذلك؟!
* عندما يمارس الشعب السوداني حق التعبير عن رأيه بالعصيان المدني أو أي شكل آخر من أشكال التعبير السلمي، فإنه يمارس حقا دستورياً كفله الدستور السوداني، والمواثيق الدولية المضمنة فيه، وعلى المؤتمر الوطنى أن يحترم هذا الحق وإلا كان منتهكاً للدستور ومحرضاً على العنف والفوضى، وليس الآخرين !!

* الديمقراطية لا تتجزأ ولا تُفصّل على مقاس أحد دون الآخرين، فإما أن تمارس كاملة، وتُكفَل ممارستها للجميع أو فلتذهب الى الجحيم، ويختار كل شخص ما يناسبه من أفكار وأساليب ووسائل، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون !!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة