خارج الملعب ..!

«الرياضة الجادة حرب من دون إطلاق نار» .. جورج أورويل ..!
لا يمكن تعريف الدائرة بقواعد المربع، ولايمكن شرح المنحنى بمعطيات المستقيم، أو إعطاء الماء شكلاً محفوظاً يتمرد على القوالب، أو اختزال المنطق .. واللغة .. والذوق .. والجمال .. والمجد والهزيمة .. إلا في عالم كرة القدم ..!
(إننا على ثقة أن وجودكم في الولايات المتحدة الأمريكية سوف يسهم إلى حد بعيد في دعم العلاقات بين بلدينا) .. كان هذا نص البرقية التي بعث بها مستشار الأمن القومي الأمريكي ـ آنذاك ـ هنري كيسنجر، إلى أسطورة كرة القدم البرازيلية بيليه، وليس إلى رئيس دولة البرازيل..! ..
تلك البرقية التي نشرت الصحف الأمريكية نصها في سبعينات القرن الماضي إبان وصول بيليه إلى الولايات المتحدة، للعمل مع أحد نواديها مقابل مبلغ مالي يضاهي ثروة ..
كان ذلك بعد أن قاد بيليه منتخب بلاده لإحراز كأس العالم والاحتفاظ به إلى الأبد، وأعلن اعتزاله اللعب، وقبوله عقد الفريق النيويوركي، والسفر إلى أمريكا .. فما الذي حدث ..؟!
ثارت الجماهير البرازيلية وهاجت وماجت، وتدخلت الحكومة، فتراجع بيليه عن إتمام الصفقة،
وكأزمة لا تقل عن أي معضلة سياسية كبرى بدأت المساعي الدبلوماسية الأمريكية وتوترت العلاقات بين البلين، فتدخل وزير الخارجية الأمريكي، وتم توقيع العقد، مقابل تسهيلات اقتصادية منحتها الحكومة الأمريكية للحكومة البرازيلية ..!
تناقلت وكالات الأنباء صور بيليه وهو يقدم عرضاً في اللعب بالكرة بمهارة ساحرة، ليس بملابسه الرياضية بل ـ بالبدلة الرسمية ـ وليس في ملعب كرة القدم، بل في حديقة البيت الأبيض، وأمام الرئيس كارتر ..!
خبراء السياسة والإعلام قالوا إن هذه الحادثة زادت شعبية الرئيس الأمريكي، باعتبار أن شعبية البطل الرياضي العالمي أقوى من شعبية الرئيس .. يحدث ذلك لأن النجاح الرياضي وجه آخر لعملة النجاح السياسي والاقتصادي، بدليل الدور الذي لعبه بيليه نفسه عندما أثيرت أزمة الديون البرازيلية، بوساطته السرية ـ واستغلال نفوذه السياسي لدى الإدارة الأمريكية ـ لتخفيض ديون بلاده، ونجاحه في إقناع الأطراف بمنحها فترات سماح جديدة، وإعادة جدولة ديونها القديمة المتراكمة ..!
الرئيس الزائيري موبوتو سيسي سيكو استدان من البنك الدولي، في أكثر حقب الفقر في بلاده، لينظم مباراة الملاكمة الشهيرة التي جمعت محمد علي كلاي وجورج فورمان، في سبعينات القرن الماضي، وقبيل المباراة سأله أحد الصحفيين «هل يحتاج الشعب الزائيري لمثل هذه المباراة، أم يحتاج إلى الطعام» ..؟!
فأجابه الرئيس قائلاً «إن العالم كله سوف يعرف بعد المباراة أن هنالك دولة مهمة اسمها زائير، وسوف يأكل الشعب بعدها حتى يشبع، بعد قدوم المستثمرين لحضور هذا الحدث العظيم» ..!
وما أن فاز محمد علي كلاي على جورج فورمان بالضربة القاضية، حتى استغل الرئيس موبوتو الفرصة وبدأ يتحدث عن وحدة زائير، مشبهاً سياساته الديكتاتورية ببطولة محمد علي كلاي ..!
هكذا تضرب الرياضة على طبول السياسة، فيسقط الإعلام الدولي بالضربة القاضية .. فهل من مُذَّكر ..؟!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة