جماليات المرأة ….القفز من الشلوخ للبدرة والفاونديشن
بين الأمس واليوم
حواء وعالم الجمال صنوان لا يفترقان إلا في أوضاع النشاز ، وتظل الأنثى تبحث عن الجمال وتتحرى الطرق المؤدية إليه في كل العصور ، ولكل زمان ناسه ولكل فترة متطلباتها ، ومن أجل إبراز جمالها ارتضت حواء بلادي لِنفسها وبناتها الألم وصبرت عليه ورسمته علي خدود بناتها وشفاههن بالإبر والشفرات الحادة ، إلى أن جاءت حركة التطور الحضاري لتبرز أدوات جمالية سهلة في الاستخدام وقابلة للتغيير والإزالة .
وحتى خمسينات القرن الماضي كانت الشلوخ الزينة الوحيدة التي تبرز جماليات المرأة ولا زالت هناك بعض الخدود الحاملة لخطوط الشلوخ ولكنها أخذت تختفي بقوة شديدة ، إلى أن أصبحت الآن لا تمثل سوى لوحة تعكس التاريخ والماضي ودلالات المكان والانتماء .
تقول الحاجة سكينة ( للتيار) :إن عملية (التشليخ) في حد ذاتها عملية قاسية ومؤلمة للغاية خاصة وأنها تستخدم فيها أدوات تقليدية مثل (السكين) أو ( الأمواس ) في الزمن المتطور ، وتكون النتيجة في كلتا الحالتين نزفا لكثير من الدماء التي تحكي عن قصة رحلة البحث عن الجمال .. وعن الطريقة التي يتم بها التشليخ جلست إلى الحاجة التومة خير السيد التي استدعت أمامي كل تفاصيل صور الماضي وهي التي عاصرت هذه الفترة عندما ارتسمت على صفحات وجهها ثلاثة خطوط طولية استندت علي قاعدة خط عرضي ( ثلاثة مطارق وعارض ) حدثتني وقالت : إن الشلاّخة هي امرأة تكون معروفة تطوف كل القرى والحلال لتقوم بتشليخ البنات ، وفي زماننا كانت تجمع البنات في بيت العمدة وتأتي المرأة تسوق بناتها وكانت النساء الكبيرات في السن (الحبوبات ) يمسكن بالبنات الصغيرات أثناء عمليات التشليخ ، وبعدها تكون هناك كمية من ( القرض المسحون ) يستخدم في حشو الشلوخ حتى تكون بارزة وكلما زادت كميات القرض اتسع الشلخ وأصبح أكثر وضوحا وجمالا خاصة في الخدود الممتلئة ، وتضيف إن عملية الشلوخ تحدث آثارا فورية تبدأ من لحظتها وتستمر إلى ايام حسب طبيعة الجسم ، وفي كل الحالات يتورم الوجه الي درجة لا تستطيع معها البنت المشلخة الأكل او الشرب بالطريقة العادية لأكثر من ثلاثة أيام وأحيانا لأسبوع وأكثر ، وتختلف من شخص إلى آخر ، وبعدما يتراجع الورم قليلا يتم تنظيف الشلوخ من القرض ويكون (بقش الحنقوق القوي ) ، وهو الجزء القوي من سعف شجر الدوم حتي ينزف الجرح من جديد دما أحمر خفيفا ومن ثمّ يعاد حشوه ثانية ، وبعدها تغسل وجهها بماء القرض إلى أن يبرأ الجرح .
وحدثني عنها الخبير بثقافات السودان البروفيسور محمد المهدي البشرى :إنه كان لها عدة وظائف قبلية ، وعلاجية وجمالية خاصة بالمرأة حيث كان يعتقد بأنها تكسب الوجه جمالا ،ولكن بعد تغيير مفاهيم الجمال أصبح النظر إليها باعتبارها عادة متخلفة خاصة في المدن الكبيرة التي أثر عليها الإعلام والتعليم في الخرطوم وود مدني ،وأخذت تتراجع إلى أن انحسرت الآن ،وصارت قصرا على القبائل البدوية الرعوية والعرب الرحل كالهواوير والكبابيش .
إذاً فهي رحلة البحث عن الجمال وإن كان يتم رسمه بطريقة دامية على صفحات الوجه ، لكن في حديثنا عن الشلوخ لا نستطيع بأي حال تجاوز كتاب (الشلوخ ) لمؤلفه البروفيسور يوسف فضل الذي يقول فيه : إن الشلوخ شائعة بين سكان المنطقة النيلية في شمال السودان ، وإنه كان للشلوخ مفاهيم أخرى غير الجمالية ولكن بمرور الوقت اكتسبت مفاهيم جديدة فصارت النساء تتشلخ بغرض الزينة والجمال ، وأصبحت ذات دلالات قبلية ، فلكل قبيلة شلوخ تميزها ، ويعتبر الشايقية من أكثر القبائل التي تؤمن بقيمة الشلوخ الجمالية ، ولا زالت الشلوخ تزين بعض الوجوه ولكنها في الغالب لأناس تجاوزوا الخمسين، وبشكل استثنائي ونادر جدا تجدها عند بعض الشباب.
ولكن شتّان ما بين البحث عن الجمال نزفا وما وصل اليه الحال بعد خمسين عاما ، بعد ما أصبحت أدوات التجميل من أكثر الأدوات توفرا وبساطة وسهولة في الاستخدام ، بل وفي متناول اليد في الأسواق والصيدليات والبوتيكات حيث تقول هناء الطيب، طالبة جامعية :إنه من السهل جدا التحكم في الجمال بدرجة كبيرة جدا، من خلال لون البشرة ولون المكياج ، فكل بشرة لديها لون محدد، ويختلف المكياج باختلاف الوقت والمناسبة ، فهناك مكياج يتناسب مع الليل وآخر يتناسب مع النهار ، و أصبحت هناك أنواع كثيرة من الروج بعكس الماضي حيث كان (أحمر الشفاه) هو اللون الوحيد المتوفر ،وكذلك البدرة ، فمنها أنواع سائلة وأنواع جافة والفاونديشن .. توفر هذه الأدوات من الزينة منحنا فرصة للتجديد والتغيير ، وتساعدنا خبيرات التجميل في توفير المعلومات عن تناسب الألوان والأدوات المناسبة لكل لون بشرة بطريقة مختلفة .
وتقول رندا شيخ الدين :إن الكوافير ومحلات التجميل وفرت الكثير من الجهد والمشقة التي كانت تبذلها حواء وحتى وقت قريب في الجماليات وحتى إذا كانت المرأة مشغولة ولا تستطيع الاهتمام بنفسها بالقدر الكافي حتما ستتجه إلى أقرب كوافير تجميل والخبيرات في تلك المحال يستطعن أن يكسبنها ألقا وبريقا في دقائق تستطيع بعدها الذهاب الي المناسبة المعينة ، أضف لذلك ،فقد ساعدت كريمات التجميل علي اختصار الزمن الذي كانت تضطر العروس إلى قضائه داخل المنزل في فترة ما قبل الزواج وتكون ( محبوسة ) الي ما يقارب ستة أشهر ، ولكن في الوقت الراهن أصبحت العروس لا تحتاج إلى أكثر من أسبوع مع كريمات التقشير والتنعيم ووضع المرطبات والكريمات، وعلى الرغم من الأضرار المعروفة للجميع ولكن لا بد من مواكبة التطور وعالم السرعة .
ويقول السر الحسين :إن المكياج أصبح ضرورة لكل فتاة فيندر أن تخرج بنت حواء بدون مكياج ، بل حتى في بيوت الأتراح أصبح أكثر من عادي وصار مظهرا اجتماعيا مقبولا جدا ، ولعل الأدهى من ذلك انه لم يعد حصريا على الفتيات وصغار السن حيث تجد بعض الحبوبات يضعن المكياج وبكل ثقة ولا يراعين أعمارهن التي تجاوزها الزمان ، ويضيف السر : كانت الشلوخ أكثر إيلاما ولكن إفراط حواء في استخدام المكياج يقود إلى مهالك تعلمها بنات حواء ولكن يستمررن فيها بدون اكتراث ، لذا لا بد من الاتجاه إلى التوعية بالاستخدامات الطبيعية .
وما بين الأمس واليوم يقف البعض يرفضون اتجاهات حواء الجمالية ويتندرون علي حواء الماضي التي رضخت للألم ورسمت خطوطها علي وجهها في حين هناك من يرون بأن الشلوخ انتهاك لحقوق الإنسان ، كان تركها قرارا صائبا وفي كل الحالات فإن مقتضيات العصور هي التي تفرض نفسها . وبعد أن اختفت الشلوخ واستخدمت حواء أدوات مكياج قابلة للإزالة وآخذة في التطور بين الحين والآخر ، فقد تمحو الأيام آثار المكياج لتضع فرصة لبحوث جمالية أخري .
الخرطوم : تهاني عثمان
صحيفة التيار