أين تذهب أموال الاتحادات؟
لطالما كانت العلاقة بين إدارات الجامعات السودانية والاتحادات الطلابية محل تساؤل، أيهما يرضخ للآخر؟.. فالعلاقة المالية تتحكم في صفو وكدر علاقتهما.
تحصلت (آخر لحظة) على معلومات تفيد باختفاء مبلغ مالي قدره (200) ألف جنيه من حساب اتحاد إحدى الجامعات الولائية من ميزانية سنوية تتجاوز الـ(800) ألف جنيه قابلة للزيادة وفقاً لبنود إنفاق أعضاء الاتحاد.
من هنا ينهض السؤال حول كيفية إدارة مال الاتحادات الطلابية ومسؤولية إدارات الجامعات في إدارة ذلك المال والحصول عليه .
بعد بحث طويل واقتفاء أثر المبلغ المختفي، اتضح أنه تم تحويله من حساب اتحاد طلاب الجامعة المعنية، إلى حساب قطاع الطلاب بالحزب الكبير. مدير الجامعة رفض في البداية تحويل المبلغ إلا أنه وافق بعد تعرضه لضغوط من المركز أجبرته على تحويل مبلغ الـ(200) ألف جنيه متبقي الميزانية في أواخر العام الدراسي، حيث تدخل قيادي بقطاع الطلاب بالحزب الكبير كان قد دخل الجامعة بغرض إدارة الحملة الانتخابية لاتحاد الجامعة، ومن موقعه وصلاحياته تلك، حوّل المبلغ لحساب قطاع الطلاب لتسيير شؤون الحزب داخل الجامعة، في وقت يفرض فيه قطاع الطلاب على أي من اتحادات الجامعات مبلغ (5000) جنيه شهرياَ.
*ميزانيات اتحادات الطلاب من أين؟
ميزانيات اتحادات الطلاب يتم تحصيلها من رسوم الطلاب بنسبة متفق عليها بين الاتحاد وإدارة الجامعة، وتختلف قيمة تلك الرسوم من جامعة لأخرى، ووفقاً لمعلومات من مصادر موثوقة تحصلت عليها (آخر لحظة)، فإن النسبة المتفق عليها قبل نحو عام ما بين إدارة جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا واتحاد طلابها كانت (40%) من الرسوم المتحصلة من كل طالب بالجامعة، وهي الدعم الأساسي الذي يضخ في الميزانية، بالإضافة إلى استقطاب الاتحاد للدعم عبر علاقاته الخارجية ومن المؤسسات الحكومية، أما بقية الجامعات فتتراوح النسبة التي يتحصل عليها اتحاد الطلاب ما بين (10%-20%) من رسوم الطلاب التي يتم تسديدها لإدارة الجامعة.
*بنود الصرف
تذهب معظم ميزانية الاتحاد إلى الصرف على البند الأول (الرواتب)، حيث يتقاضى عضو الاتحاد راتباً شهرياً قدره (600) جنيه، وبدل لبس (بدل اشتراكية)، ونثريات أسبوعية ونثريات اللجان التي تتكون للاحتفالات والمناسبات، وأما أمين الأمانة فيتقاضى أسبوعياَ مبلغاً قدره (200) جنيه، ويُعفى من الرسوم الدراسية ويتم تخصيص وسيلة حركة تنقله ذهاباً وإياباً، وغيرها من الامتيازات الأخرى، بينما يتقاضى أمين أمانة الأسر والروابط (25%) من رسوم تسجيل الأسر والروابط والمنظمات والجمعيات داخل الجامعة.
يقول عضو اتحاد طلاب سابق في إفادة لـ (آخر لحظة) إن جزءاً من ميزانية الاتحاد يتم صرفه على أركان النقاش والرحلات ونثريات تسيير شهرية لأعضاء الاتحاد، وهناك حسابات فى المطاعم والحدائق والمنتزهات يتم تسديدها من ميزانية الاتحاد عبر وجهات تنظيمية معينة متفق عليها، كما يقوم الاتحاد بتسديد الرسوم الدراسية لعضويته الحزب، بجانب تقديم دعم اجتماعي وكفالة ومشروع الزي الإسلامي للطالبات (عباءة)، وميزانية الحملة الانتخابية…
*اشتعال النيران:
يسخر الطلاب فيما بينهم من دور الاتحادات الطلابية التي تكون أول المواقع التي تشتعل فيها النيران مع كل أحداث طلابية تنشب هنا وهناك.
ويتهم طلاب أعضاء الاتحاد أنفسهم بإشعال الحرائق في دورهم لإخفاء وطمس ملفات مالية يفضلون أن تحترق على أن تكشف، ويدللون على ذلك بأن أحد رؤساء اتحاد جامعتهم شوهد يقود سيارة بموديل العام، عقب حريق بدار الاتحاد التهم كل الوثائق والمستندات، وفشلت الجهود في تعقب تسلسل المبالغ المالية المودعة في حساب الاتحاد.
ويؤكد أمين المال باتحاد جامعة (…) طلب حجب اسمه، أن الهم الأكبر في اتحادهم كان توفير مبلغ مالي لتسيير الأعضاء والمكتب التنفيذي الأسبوعي والشهري وأن الصرف على المناشط الإعلامية ينال الحظ الأكبر على اعتبار أنها تكون بمثابة إعلان لأنشطة الاتحاد، إلا أنه عاد وقال إن المناشط الحقيقية على أرض الواقع قليلة مقارنة بالصرف البذخي، والنثريات غير المقبولة التي تصرف.
ويروي أنه فى نصف دورة انعقاد اتحادهم ذهبت لجنة العلاقات الخارجية للمركز لجمع تبرعات و والحصول على دعم من قيادة الدولة، ويستدرك بقوله: (اختفى جزء من المبلغ وتم تشكيل لجنة تحقيق من التنظيم إلا أنه استعصى عليها فك الغموض حول المال المختفي وحتى نهاية الدورة لم تعلن اللجنة عن نتائج التحقيق أو محاسبة المتورطين في اختفاء مال الطلاب).
ويرى الطالب بجامعة أم درمان الإسلامية آدم إسماعيل أن اتحاد الجامعة لم يقدم شيئاً للطلاب سوى مشروعات بسيطة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، تصرف عليها مبالغ مالية ضخمة، موضحاً أن حركة الطلاب الإسلاميين الوطنيين تفوز بمقاعد الاتحاد بالقوة والتزوير وتهديد الطلاب وبعدد من الأساليب، وأن الاهتمام الأكبر يكون بعضوية الحركة الإسلامية تقدم لهم الكفالة والتأمين الصحىي وفتح حساب في المطاعم وسداد الرسوم الجامعية.
ووصف آدم تعامل أاعضاء الاتحاد مع الطلاب بالاستعلائي، منتقداً أساليب الاستقطاب التي يمارسها أعضاء الاتحاد للطالبات بالجامعة عبر توفير مشروع الزي الإسلامي (عباءة)، والدخول في علاقات لحشد العضوية وزيادة عدد الأصوات في الانتخابات.
من جانبه أوضح الأمين العام لاتحاد جامعة النيلين الأسبق لـ (آخر لحظة) أن اتحاد الطلاب يتعامل بتنسيق وانسجام تام مع إدارة الجامعة عبر خطة واضحة منذ بداية دورة انعقاده وحتى نهايتها، مشيراً إلى أن ميزانيته تتم إجازتها بالتشاور مع إدارة الحزب ووفق رؤيته للمرحلة، ماذا يريد أن يقدم للطلاب خلال الدورة، لافتاً إلى أن الأمانة العامة للاتحاد تقوم بمراجعة كل المنصرفات، وتتم محاسبة من يقصر في واجبه التنفيذي، ونفى وجود فساد مالي بالاتحادات الطلابية، على اعتبار أن الميزانية الختامية تتم مراجعتها عبر مراجع داخلي بالجامعة، ثم يدعو الاتحاد إلى خطاب دورة وميزانية يتم فيها مناقشة كل صغيرة وكبيرة وبحرية تامة، وفي النهاية تتم إجازة خطاب الدورة والميزانية برضى وتوافق بين الطلاب بمختلفة ألوان طيفهم السياسي – على حد تعبيره -.
*تبني المشروعات
يقول أمين إعلامي سابق باتحاد إحدى الجامعات الولائية، إنه خلال دورته في الاتحاد انتهج سياسة تبني المشروعات، (إذا قامت الجامعة بعمل قاعات وحمامات وهيأت البيئة الجامعية، بعد نهاية التشييد نأتي ونكتب عليها اسم الاتحاد واسم الدورة). وأشار إلى أنه وفي إحدى الدورات قامت إدارة الجامعة بنصب خيمة استعداداً للاحتفال بالطلاب الجدد، وعند انتهاء العمال من نصب الخيمة مساءً جرى اتصال هاتفي مع أحد الخطاطين ليكتب اسم الاتحاد على المشروع، وفعلاً تم ذلك وتم تعليق اللافتة على خيمة الاحتفال، وعندما احتجت إدارة الجامعة بأن لا دخل للاتحاد بذلك الاحتفال، قال المسؤول إنه احتوى غضب مدير الجامعة بتذكيره أنهم أبناء حزب واحد، وإذا نجح الاتحاد نجحت إدارة الجامعة وأنهم شركاء في الإنجاز.
ويروي ضاحكاً أنه حتى تاريخ اللحظة الطلاب يقولون إن الاتحاد قام بفعل كذا وكذا ولكن فى الحقيقة كانت مجرد دعاية فى نهاية الدورة.. هذا (الإنجاز) تم إدارجه من ضمن مشروعات خطاب الدورة التي نفذها الاتحاد وبمبلغ مالي ضخم، ويضيف:(كلها أساليب اتخذتها لإنجاح مشاريع الاتحاد، لأن الطالب البسيط لا يفهم شيئاً من هذه الأساليب).
*عنف طلابي
الطالب بجامعة الدلنج بدرالدين أحمد يقول إن الجامعة شهدت استقراراً أكاديمياً منذ عام (2009)، عقب تجميد النشاط السياسي ونشاط الاتحاد بالجامعة، ويتهم الطلاب الإسلاميين بأنهم السبب الرئيسي فى العنف الطلابي بسيطرتهم على الاتحاد باستخدام القوة من أجل الفوز بالمنبر النقابي، موضحاً أن طلاب المؤتمر الوطني عند قيام انتخاب الاتحاد يستنفرون كل عضويتهم في الجامعات الأخرى، وعند تقديم القوائم يصطفون في صفوف لمنع الأحزاب المعارضة من تقديم قوائمهم، وبالتالي يفوزوا بالتزكية.
*خطر
ويرى ناشط سياسي تحدث لـ (آخر لحظة)، أن الاتحادات الطلابية وسيلة لتدريب الطلاب على الحكم وإرساء مبادئ الشورى والديمقراطية وكيفية الحكم، من خلال انتخابات حرة ونزيهة تجرى سنوياً، يختار الطلاب من يمثلهم في المنبر النقابي ويحل قضاياهم، إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبحت الاتحادات الطلابية خطراً على الطلاب والمجتمع، وأدت إلى انتشار العنف الطلابي وإغلاق الجامعات، وأرجع ذلك إلى التنافس المحموم بين القوى السياسية للفوز بالأغلبية بمقاعد اتحاد طلاب أي جامعة، مما أدى إلى حالة احتقان سياسي بات خطراً يهدد الحياة السياسية والطلابية بالجامعة، لافتاً إلى أن الاتحادات الطلابية تنفق مليارات الجنيهات دون تقديم خدمات حقيقية للطلاب.
تحقيق: عماد النظيف
صحيفة آخر لحظة