بالله شوف!

ملاحظة مثيرة للدهشة.. المملكة العربية السعودية أعلنت موازنة العام (2017).. أعلى بند في الموازنة (التعليم) أكثر من (200) مليار ريال سعودي.. بفارق كبير للغاية من البنود الأخرى، بما فيها الدفاع والأمن رغم انشغال السعودية بدورها الرئيسي في التحالف العربي في حرب اليمن، وجهدها في العراق، وسوريا.
في السودان.. التعليم (تاني الطيش) رقم متواضع (828) مليون جنيه للتعليم بشقيه العام والخاص.. أي نحو (180) مليون ريال؛ للمقارنة.
والفارق بين ميزانية التعليم في السعودية والسودان ليس الرقم- مهما عظم- بل (الرؤية) للمستقبل، ومنهج التفكير في تعظيم أهم أصول الدولة، الإنسان.
ولمجرد المثال لا أكثر- حسب تصريحات الملحق الثقافي السعودي في أمريكا لصحيفة “الحياة” اللندنية- وصل عدد المبتعثين السعوديين للدراسة في أمريكا نحو (120) ألف طالب في مختلف المستويات والتخصصات.. لا تنفق السعودية كل هذه الأموال الضخمة إلا لأن (رؤية) المستقبل في منهج حكمها تقوم على (تعظيم الإنسان)، ودوره المحوري في التنمية.
أما الرقم الذي حددته موازنة الدولة- هنا- في السودان للتعليم ليس هزيلاً في مقداره- فحسب- بل يكشف (أولوية) التعليم في سلم اهتمامات الحكومة؛ فهو أقل من قطاعات أخرى كثيرة لا يمكن مقارنة أهميتها مع (التعليم).. لكننا نعترف أن الرقم يتسق- تماماً- مع فلسفة الحكومة التي تعدّ (التعليم) مسؤولية الأسرة.. فالطفل الذي تحرمه ظروف أسرته من التعليم هو (فاقد تربوي) خصماً على أسرته لا وطنه.. والطفل الذي ينعم الله على أسرته بما يكفي لتلقيه التعليم في أفضل المدارس هو (كنز) مدخر لمستقبل أسرته لا وطنه.. هذه بكل أسف رؤية الحكومة للتعليم.
والحقيقة أن الطفل الذي يتخرج طبيباً لا يعالج أسرته- وحدها- بل قد لا تفرض عليه الأقدار أن يمر تحت رعايته الطبية أي فرد من أسرته.. فهو طبيب لمجتمعه بل للإنسانية كلها.. ولهذا فتعليمه ليس مسؤولية أسرته.. بل وطنه.
وربما طفل حافي القدمين، رث الثياب في أفقر أحياء الخرطوم الطرفية لو توفر له تعليم مناسب لأصبح أشهر عالم في تخصص نادر، وفخرا لبلاده.. وفي المقابل إذا التقمه الشارع، وتاه في دروب التشرد والضياع- ربما- أصبح أخطر مجرم يتأذى منه المجتمع قبل أسرته.
والذي يجلب الحزن إلى الوطن أن السودان في الماضي كان أكثر رشداً في تصنيفه لـ (التعليم) في سلم الأولويات الحكومية.. فكان التلاميذ يتلقون أفضل تعليم على أيدي معلمين نالوا تدريباً احترافياً راقياً في مؤسسة (بخت الرضا)، أشهر حاضنة تدريبية في العالمين العربي والأفريقي.. ووجد أفقر الأطفال حظهم من التعليم ليتسنموا أرفع المناصب التي لولا اهتمام الدولة بالتعليم لما وصولوا إليها على رأي السيد عائشة محمد صالح نائب رئيس البرلمان التي قالت لقيادي رفيع.. إنه لولا مجانية التعليم لكنت سارحاً خلف غنمك في البوادي.
لماذا تنظر الحكومة إلى التعليم بهذه الروح التهميشية؟، الإجابة سهلة مكشوفة!.

عثمان ميرغني
صحيفة التيار

Exit mobile version