بعضهم نال إشادة المدعي العام المستشارون المفصولون.. فصل الخطاب في تفصيل الاسباب
في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر من هذا العام اجتاحت المستشار القانوني الجاك يوسف عبد الحميد فرحة غير مسبوقة، وارتسمت السعادة على ملامح وجهه وغشيته حالة من الارتياح وهو يقرأ خطابا مرسلاً إليه من رئيس القطاع الجنائي ـ المدعي العام ـ يكيل فيه الثناء للقانوني الشاب لحسن أدائه، غير أن رياح ذات الشتاء أحالت الفرحة التي تسربت الى دواخل الجاك يوسف إلى دهشة ممزوجة بحسرة، ففي منتصف ديسمبر، صدر بحقه قرار ومعه خمسة وعشرون آخرون من زملائه بالفصل عن العمل بدعوى ثبوت عدم صلاحيتهم بحسب منطوق القرار رقم 271 الممهور باسم وكيل وزارة العدل أحمد عباس الرزم، وما بين إشادة وإقالة، فإن ثمة أسئلة حائرة تحتاج إلى إجابات.
إشادة وتقدير
هكذا جاء عنوان الخطاب الذي بعثه النائب العام الذي لم يتم فصله حتى الآن عن وزارة العدل إلى مساعد المستشار الجاك يوسف عبد الحميد بتاريخ الخامس من شهر نوفمبر من هذا العام، وأشار فيه إلى أنه وبعد الاطلاع على تقارير تفتيش حراسات الأقسام التابعة لنيابة المهدية والثورات في الفترة من أغسطس 2015 إلى أكتوبر 2016، فقد تبين بحسب الخطاب الذي تلقاه مساعد المستشار جودة الأداء والتفاني في إنجاز المهام الموكلة إليه، مما يدل بحسب خطاب المدعي العام على إحساسه العميق بالمسؤولية وتفانيه في أداء واجبه، وختم المدعي العام خطابه بفقرة ذات مدلولات عميقة، وقال: “لكل ذلك يطيب لنا أن نسجل إشادتنا بجهدكم المقدر”، وتمنى المدعي العام مولانا صلاح الدين عبد الله محمد في خاتمة خطابه لمساعد المستشار الجاك يوسف عبد الحميد أن تكون الإشادة دافعاً له لمزيد من البذل والعطاء، ولكن قبل أن يجف الحبر الذي كتب به المدعي العام خطابه، جاء الجاك يوسف عبد الحميد رابعاً في ترتيب قائمة المستشارين الذين تم الاستغناء عن خدماتهم.
ثناء ومجهودات
“إيماناً منا بدوركم المتعاظم وتقديراً لجهودكم الثمينة والقيمة في سبيل إرساء دعائم العدل نزجي لكل كل آيات الثناء، فأنتم أهلاً للشكر والتقدير وخاصة مجهودكم المقدر في الدعوى (غ،أ ،اعدام/2/2016)”، هذا ما خطه يراع المدعي العام في خطابه في الثالث من شهر أغسطس من هذا العام والموجه الى المستشار عبد الرحيم الخير الحسن ، ولم ينس المدعي العام مولانا صلاح الدين عبد الله محمد في خاتمة خطاب شكره أن يرسل تمنياته للمستشار عبد الرحيم بالتوفيق في مشواره، ولكن يبدو أن هذه الإشادة كانت خاتمة مطاف مشوار عبد الرحيم الخير في وظيفة المستشار، فقد جاء اسمه ثامناً في قائمة الذين تم الاستغناء عنهم .
جهد واحترام
وعلي ذات طريق الإشادة مضى الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي بولاية الجزيرة الذي بعث في نوفمبر من العام الجاري بخطاب الى المستشار إيهاب عبد الغفار، حيث امتدح دوره منذ تعيينه مستشاراً بالصندوق الذي أكد أن الجهود التي تم بذلها من قبل إيهاب أسهمت في سير القضايا في الاتجاه الصحيح، وأكد الصندوق استفادته من خدمات المستشار القانونية المتعلقة بحماية المال العام ، ورغم هذه الإشادة فإن اسم إيهاب جاء ثانياً في قائمة المستشارين الذين تم الاستغناء عنهم.
قرار مباغت
بالعودة إلى القرار الذي أصدرته وزارة العدل بتوقيع وكيلها مولانا أحمد عباس الرزم، فقد كشف عن فصل (26) قانونياً فى درجة مساعد مستشار، علماً بأن الذين تم فصلهم كانوا قد تم استيعابهم بالوزارة في آخر دفعة تم قبولها للعمل، وحددت لهم الوزارة مدة عامين وثلاثة أشهر كفترة اختبار، وأرجع القرار فصل مساعدي المستشارين إلى ثبوت عدم صلاحيتهم للعمل، والقرار الذي يعود تاريخ صدوره إلى الخامس عشر من هذا الشهر فإنه لم يخرج إلى العلن إلا في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، وهذا القرار المفاجئ والذي لم يسبق لوزارة العدل الدفع به إلى وسائل الإعلام فتح أبواب التفسيرات مشرعة، فتزامنه مع العصيان المدني الذي دعا له ناشطون في التاسع عشر من هذا الشهر جعل وسائط التواصل الاجتماعي تعج بتغريدات تؤكد أن المستشارين الذين تم فصلهم أصحاب كفاءة قانونية ومهنية معروفة إلا أن مشاركتهم في العصيان المدني الذي شهدته البلاد في السابع والعشرين من شهر نوفمبر بالإضافة إلى عصيان التاسع عشر من ديسمبر كان السبب المباشر للاستغناء عن خدماتهم، وحملت الأسافير ما يؤكد أن مستشارين تم ذكر أسمائهم شاركوا في العصيان وانحازوا الى دعوة الناشطين، وأن الحكومة وفي إطار حملتها ضد دعاة المؤيدين للعصيان أوعزت إلى وزارة العدل بضرورة الاستغناء عنهم حتى لا يفكر زملاؤهم في المشاركة مستقبلاً في أي نشاط سلمي ضد الحكومة، ومن التحليلات التي لم تنل حظًا وافراً من التداول مثل العصيان تلك التي تذهب ناحية الوزير السابق، مولانا محمد بشارة دوسة ، وأشارت إلى أن ما حدث ـ بحسب تدوينات ـ ما هو إلا إبعاد متعمد تحت دعوى ضعف الكفاءة للموالين لوزير العدل السابق الذي ما يزال موظفون وقانونيون بالوزارة العدلية يعتقدون بأنه أفضل من خلفه وزير العدل الحالي، وطوال الأيام الماضية فإن وزارة العدل التزمت الصمت ولم تقدم تبريرات بغير تلك التي أوضحتها في خطاب الاستغناء عن المستشارون الستة والعشرين.
شكوك وظنون
وطوال أسبوع فإن الذين تم الاستغناء عنهم التزموا الصمت تماماً ولم يعلقوا على القرار، غير أن المستشار إيهاب عبد الغفار ظهر أمس على صفحات الزميلة الانتباهة ، وحاولنا استنطاقه غير أن هاتفه كان مغلقاً معظم ساعات النهار.
وفي حديثه للإنتباهة أكد أن القرار ظالم وأن الفصل جاء تعسفياً، نافياً ضعف مقدراتهم وعدم صلاحيتهم للعمل كماء جاء في قرار الوزارة، مؤكدًا على أن الذين تم الاستغناء عنهم يعتبرون من خيرة المستشارين وقد وجدوا إشادة من المدعي العام بجانب مدحهم من قبل لجان التفتيش، مؤكداً أن الوزير السابق محمد بشارة دوسة اختار الدفعة الأخيرة من المستشارين بمعيار الذهب ، وأعلن عن تقديم المفصولين مذكرة لرئيس الجمهورية والاستئناف ووزير العدل تحوي تظلمهم من قرار الفصل الذي وصفه بالتعسفي.
وزارة العدل توضح
ولأن الأمر يبدو مربكاً خاصة إذا ما وضعنا في حسباننا إشادة المدعي العام ببعض من المفوصلين، كان لابد من إيضاحات أخرى من وزارة العدل تبدد من حالة الغموض، وهنا وفي حديثه لـ(الصيحة) يشير وكيل وزارة العدل مولانا أحمد عباس الرزم الى أن الفصل بعد سنتين وثلاثة أشهر طبيعي ولا يثير التعجب، وقال: خلال هذه الفترة الزمنية كان مساعدو المستشارين في فترة اختبار وهو أمر متعارف عليه بوزارة العدل لأنه لا يمكن الحكم على موظف أو مستشار دون أن تتاح له فرصة العمل، ويقول إن لجان التفتيش التي وقفت على أداء المستشارين بالعاصمة والولايات أثبتت ضعف الذين تم الاستغناء عنهم مهنياً، وحينما طالبناه بالكشف عن ملاحظات لجان التفتيش على أدائهم قال: “ليس كل المعلومات يمكننا الكشف عنها”، مبيناً أن الدفعة التي تم فصل ستة وعشرين مستشاراً منها تضم 500 تم تعيينهم قبل عامين ونصف ،مبدياً رفضه التام ربط فصلهم ودعاوى مشاركتهم في العصيان، وقال: هذا أمر مهني بحت، وليست له علاقة البتة بالعصيان المدني، ونفى أيضًا أن يكون لقرار الفصل ظلال سياسية أو جهوية، مؤكدًا أن المستشارين المفصولين تنحدر أصولهم من مختلف ولايات السودان. قلت له إن الإشارة الى عدم كفاءتهم يستشف منها التشفي والتشهير بهم من جانب الوزارة، فنفى هذا الاتهام وأشار إلى أن القانون يشير إلى أن من يتم الاستغناء عنهم من وزارة العدل فإن السبب يكتب عدم الصلاحية، وحول اتجاه المفصولين للقضاء لرد حقهم كشف وكيل وزارة العدل عن توضيحهم ساعتها كافة الأسباب التي دعت إلى عزل المستشارين الستة والعشرين من وظائفهم.
استفهامات
حديث وكيل وزارة العدل يبدو واضحاً، ولكن لم يكمل أركان الصورة وهذا ما جعلني أستفسر مسؤولاً سابقاً بالوزارة عن القرار الأخير، فقال بعد أن اشترطت ـ عدم ذكر اسمه ـ أن هذه الدفعة تعتبر الأفضل في تاريخ الوزارة الحديث، مبيناً أن الوزير السابق محمد بشارة دوسة شدد وقتها على أن يكون معيار الاختيار الأول هو الكفاءة وأن المعاينات والاختبارات وفقاً لإجراءات صارمة وشفافة، لافتاً الى أن هذه الدفعة التي تبلغ 500 مستشار تضم كفاءات تمتلك درجات عالية من التأهيل وأن منهم يحمل درجة الدكتواره والماجستير في علوم مختلفة بخلاف القانون مثل الترجمة وغيرها وأنه تم إخضاعهم لدورات تدريبية مكثفة في القانون شارك فيها علماء قانونيون من داخل وخارج السودان، وأضاف:هذه الدفعة تم إخضاعها لفترة تدريبية لمدة خسمة وأربعين يوما بمعسكر مقفول كان انضباطهم مثار إشادة الشرطة التي أشرفت على المعسكر، ويرى أن معظم الذين يتولون مهام وكلاء النيابات في السودان من مستشاري هذه الدفعة، وأبدى المسؤول السابق دهشته من إطلاق وكيل وزارة العدل القول على عواهنه، وأردف: كان عليه أن يوضح الأسباب كاملة لا أن يترك الأمر غامضاً يخصم من مكانة وسمعة المستشارين الذين تم الاستغناء عنهم ، فإذا كانت الأسباب أخلاقية أو تمس الأمانة فكان على الوزارة تدوين بلاغات جنائية ضدهم، ولكن أن تؤكد عدم صلاحيتهم للعمل فإن هذا أمر يثير الدهشة ويبدو غير مقنع، واستبعد محدثي أن تكون للامر علاقة بالوزير السابق مولانا محمد بشارة دوسة الذي قال إنه أرسى دعائم الوزارة وذهب حال سبيله ولم تعد له علاقة بالوزارة رغم وجود من يرى بأفضليته على الوزير الحالي، وقال إن هذا أمرا عاديا يحدث في كل الوزارات ،وأضاف: الغريب في الأمر فقد علمت أن عددا من المستشارين تلقوا إشادات من المدعي العام خلال الفترة الماضية ، فهل باتوا فجأة غير صالحين للعمل، وطالب وزارة العدل بتوضيح الأسباب قفلاً لباب الشائعات والتفسيرات حتى يعلم الرأي العام الحقيقة كاملة .
غرابة واعتذار
طلبت من نقيب المحامين السابق والخبير القانوني الدكتور عبد الرحمن الخليفة تفسيرا لعزل المستشارين من قبل وزارة العدل ، اعتذر عن الحديث ، مبررًا ذلك بأن القضية حساسة وأنها ربما تصل إلى المحاكم ، وكشف عن عدم إلمامه بكافة التفاصيل وأنه ليس من العدل أن يدلي بدلوه في القضية ، غير أنه ختم حديثه مؤكدًا أن الأمر في غاية الغرابة.
الصيحة