التبرع بأعضاء المتوفين دماغياً: جدل بين أهل الفتوى ومرضى في الانتظار..!!
جدل كثيف خلال المؤتمر العالمي الأول للطب العدلي والعلوم الطبية بالسودان الذي أقيم مؤخراً بحضور ممثلي جميع الجهات، حيث دار النقاش حول مسألة نزع الأعضاء البشرية ليصبح الأمر مثار جميع الجهات لأجل إيجاد مخرج له في وقت يئن المرضى لحاجتهم الماسة لعملية زراعة عضو، ومن خلال المؤتمر وعد وزير الصحة بولاية الخرطوم بالإسراع في تنفيذ مخرجات المؤتمر التي احتوت على إيجاد نص قانوني في مسألة نقل الأعضاء البشرية ليصبح الأمر في انتظار الجهات للتصديق عليه.
الدول تجاوزت مسألة الأعضاء البشرية
استشاري الطب الباطن ونائب رئيس مجلس العناية المكثفة د. طارق الهادى يقول إنه لم تكن هناك مشكلة تعترض مسألة نقل الأعضاء البشرية، ودلل على ذلك بتبرع الشخص بكليته مثالاً لشخص أخر بكامل إرادته دون حاجته لفتوى. وتابع بالقول:” مسألة الأعضاء البشرية أنا ما شايف فيها أي شيء والمملكة العربية السعودية من أكثر الدول تشدداً في مثل هذه الأمور والكلام دا تجاوزوه زمان “.
استيعاب في القانون الجديد
أما الخبير القانوني د. عادل عبد الغني يرى حول الموقف القانوني والسند بشأن نقل الأعضاء البشرية أن قانون زراعة الأنسجة لسنة (78) لم يتطرق القانون للموتى دماغياً، أي إكلينكياً، ولكنه حدد الوصف لتحديد الوفاة، لذا بالإمكان أن نستوعب في القانون الجنائي الجديد مسألة تحديد الوفاة “.
فتوى عضو هيئة علماء السودان
إلى ذلك يرى عضو هيئة علماء السودان حسن الهواري خلال المؤتمر العالمي الأول للطب العدلي والعلوم الطبية بالسودان بأن هناك أحوال لنقل الأعضاء من بينها الغرس من الجماد، كالأطراف الصناعية والحالة الأخرى الغرس من الحيوان، وهو نوعين حيوان مزكى وحكمة الجواز ولو لغير ضرر، أو حيوان ميت، والميت إما يكون مما يؤكل ولم يزك أو أصلاً لم تعمل فيه الزكاة حتى ولو زكيناه يعتبر شرعاً ميتاً، وهذا حكمة المنع و لا يجوز إلاّ في الضرورة الفقهية والطبية، أما الحالة الأخرى الغرس من الإنسان، ويقسم لقسمين: الأول الغرس الذاتي وفيه يؤخذ منه وفيه واستقر الحكم فقهياً بالجواز وفق الضوابط الطبية، والقسم الثاني الغرس من الغير وهو أنواع، النوع الأول الغرس من الميت والمقصود من الميت الميت تماماً أي الموت الذي ليس فيه نزاع، وعلى الراجح جوازه بضوابط ما يقبل الغرس منه كالقرنية أو الجلد مثلاً ويجوز وفق الفتوى المعاصرة، ولكن بضوابط فقهية وطبية، والنوع الثاني الغرس من الحي وله صور، والحي الذي ليس هو ميت دماغياً حتى يتنازع فيه الناس، ونقل الدم استقر فيه حكم الجواز، أما الشيء الآخر نقل العضو إذا كان يؤدي لوفاة المنقول عنه لايجوز قطعاً ومحرم بالإجماع من جميع الأطراف (الأطباء والفقهاء والقانونيين).
قواعد شرعية
أما الصورة الثالثة نقل ما ضرره يسير على المنقول منه، وبالنسبة للمنقول له ليس من الضروريات، بل من الكماليات، والصواب فيه لا ينقل لأنه غير ضروري، الصورة الرابعة نقل ما ضررة كبير، لكنه لا يؤدي للوفاة في الحال، مثل: “نقل جزء من الكبد” وفيها قولان للفقهاء المعاصرين، ومنهم من أفتى بالجواز والعمل بها في أغلب مستشفيات العالم الإسلامي، ومنهم من يمنع ذلك حتى هذه اللحظة، والقائلون بالمنع يذكرون بعض الأساسيات والقواعد وأرى من الإنسان ألاّ يهملها فكما يبذل الإنسان ما بوسعه لأجل النفع بالناس والحفاظ على حياة الناس وإنقاذهم، كذلك يجب المحافظة على حياة الناس الذين حياتهم مضمونة ومستقرة، ويستشهد أصحاب هذا القول بأن الأعضاء ليست ملكاً لأحد، بل هي ملك الله، ولو كان بني آدم يمتلك نفسه لما كان الإنسان يعاقب على قتله لنفسه بعذاب النار، ولكنه يملك الانتفاع بها، كما لا يملك أهله الحق فيها، ومن قواعد الشريعة إذا تعارضت المصلحتين نضحي بالمصلحة الدنيا، وفي تعارض المفسدتين نرتكب المفسدة الدنيا لنسلم من المفسدة العليا، وأهل العلم اتفقوا من صار في مخمصة أن يأكل الميتة ويشرب الدم، ولكن في هذه الحالة لا يجوز له أن يقطع جزءاً من أعضائه ليأكله، أما النوع الثالث الآخذ من ميت الدماغ وما تقدم به الأطباء لابد أن نقنع الناس أولاً بأنه موت حقيقي لنرتب عليه نزع الجهاز، ولكن لا يمكن أن نقنعهم بأنه موت، وفي نفس الوقت أخذ الأعضاء، وهذا لا يمكن أن يتم دفعة واحدة .
نص فتوى مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
رئاسة الجمهورية
مجمع الفقه الإسلامي
التاريخ:14شوال1431هـ
الموافق له 22/9/2010م
م ف أ/ م أ/ 79/فتاوى
م ف س /ع ط ت
فتوى نقل الأعضاء
الموضوع: زراعة الكلى
إشارة للموضوع أعلاه واستفتائكم حوله نفيدكم بأن الدائرة المختصة بالمجمع قد درست الموضوع من سائر جوانبه الطبية والشرعية وخلصت إلى الآتي:
الفتوى:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان الي يوم الدين، وبعد،،
هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي والطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية المفيدة والمشوبة في كثير من الأحيان بالأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن ممارسته من دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع إعمال مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ماهو خير ومصلحة غالية للفرد والجماعة .
أولاً: من حيث التعريف:
زرع الأعضاء عبارة عن أخذ عضو يتبرع به إنسان حي، أو يؤخذ من ميت أوصى به، أو وافق عليه الولي، ويزرع لمريض إنقاذاً لحياته .
ثانياً آراء الفقهاء :
الرأي الأول :
جواز نقل الأعضاء من شخص حي كان أو ميت إلى آخر إنقاذاً لحياته ودليلهم على جواز ذلك مايلي : قال (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (2)المائدة
وليس هنالك بر أجل من إنقاذ نفس مؤمنة كادت أن تهلك لولا هذا التبرع .
قال تعالى ((مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) (32)) المائدة. فمثلاً نقل كلية إلى مريض قد تكون سبباً في الإحياء .
قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، البخاري : باب المظالم ومسلم : باب البر.
الرأي الثاني :
عدم جواز نقل عضو من شخص لآخر حتى ولو كان متبرعاً، لأن التبرع إنما يكون فيما يملكه الإنسان والمالك الحقيقي لجسد الإنسان هو الله تعالى . أما الإنسان فهو أمين على جسده، ومن العلماء الذين صرحوا بذلك فضيلة الشيخ متولي الشعراوي، فقد قال فضيلته: إن التبرع بالشيء فرع للملكية له، فأنت تتبرع بما تملك أو بجزء مما تملك ولكنك لا تستطيع أن تتبرع بشيء لا تملكه حينئذه يكون التبرع باطلاً، والإنسان لا يملك ذاته كلها، ولايملك أجزاء هذه الذات، وإنما هذا الجسد ملك لله تعالى هو الذي خلقه ولا أحد يستطيع أن يدعي غير ذلك.
وما يقوله فضيلته من حرمة نقل الأعضاء بين الأحياء يكون عنده أولى بالحرمة إن كان النقل من ميت، لأن الإنسان إذا كان لا يملك جسده وهو حي فمن باب أولى لا يملكه ورثته وهو ميت .كما اعتبره البعض اعتداء على كرامة الإنسان وامتهاناً لآدميته .
ثالثاً : السؤال :بيان الحكم الشرعي لزراعة الكلى بأخذها من الموتى وزراعتها للأحياء والضوابط الشرعية .
الإجابة: أ. يجوز نقل كلية من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك .وأمنت الفتنة في نزعها ممن أخذت منه، وأن يكون المأخوذ متكلفاً، وغلب على الظن نجاح زرعها فيمن ستزرع فيه، بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفي مجهول الهوية أو لا ولي له .كل هذا إذا تحققت الوفاة والموت هو زوال الحياة . وفي الحديث (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) رواه مسلم 2199، وأحمد في المسند 14382 .
ب: ينبغي ملاحظة الآتي :
إن الاتفاق على جواز نقل العضو، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو، أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر .
التبرع بجزء من الميت ينتفع به، إذا أخذ من الميت وأعضاؤه حية، صالحة للنقل إلى جسم حي، فيجب أن تبقى الأعضاء المتبرع بها تتلقى( التروية الدموية) عبر الدورة الدموية للشخص الذي مات .يعني :أنه مات دماغه، أي جذع مخه، ولم يمت قلبه بعد. وبهذا ينقل المصاب ويوضع على أجهزة الإنعاش، وتؤخذ منه الأعضاء المطلوبة، وهي لا تزال نابضه بالحياة .
وإذا لم ينقل ب(موت الدماغ) واشترطنا توقف القلب، وزوال كل مظاهر الحياة، فلا فائدة من التبرع بالكلية، لأنها ستكون تالفة ولا ينتفع بها، على أن يقرر موت الدماغ لجنة طبية متخصصة مأمونة .
حصر زراعة الأعضاء بمراكز متخصصة تتبع لوزارة الصحة، وتكون تحت إشراف لجنة علميّة شرعيّة متخصّصة تضم أطباء متخصصين وفقيه متمكن في الفقه الطبي، وذلك حرصاً على مصلحة المرضى، وتحسّباً من أن تتحول عمليات زراعة الأعضاء إلى تجارة غير مشروعة . من باب سد الزريعة ودفع الشبهات فقد ذهبت بعض الفتاوى والقوانين التي صدرت بهذا الشأن إلى أنه لا يجوز للأطباء والجراحين المنوط بهم زراعة الأعضاء أن يشتركوا باللجان المسؤولة عن تقرير وفاة الشخص الموصى بأعضائه، كيلا تدفعهم رغبتهم في زراعة العضو أن يشتركوا باللجان المسؤولة عن تقرير وفاة الشخص الموصى بأعضائه، كيلا تدفعهم رغبتهم في زراعة العضو المطلوب إلى التعجيل بإعلان الوفاة .
أ.د أحمد خالد بابكر
الأمين العام
مجمع الفقة يجوز نقل الأعضاء
أما رئيس دائرة العلوم الطبيعية والتطبيقية بمجمع الفقه الإسلامي البرفيسور حسن أبو عائشة يقول لـ(التيار):” نقل الأعضاء من الأحياء إلى الأحياء هذا محل اتفاق من أغلبية أعضاء العلماء يجوز أن يتبرع الحي بعضو لي آخر بشرط أن يكون هذا تبرع وليس بيعاً، وأنه لا يجوز له بيعها باعتباره لا يملكها وأنها ملك لله سبحانه وتعالى . الموضوع الآخر هو نقل الأعضاء من الموتى إلى الأحياء، هذا كذلك بأغلبية العلماء اتفقوا على أنه يجوز أن يوصي قبل وفاته أن يتبرع بأعضائه بعد وفاته، إما محددين بأن يقول تبرعت بها لفلان أو مطلقاً يقول تعطي لمن يستحقها، وكذلك أن كانت وصية واضحة هذا لا بأس به . لكنه عاد وقال: هل يجوز لولي الميت وورثته أن يجيزوا التبرع بأعضاء الميت ؟ هذا موضوع فيه خلاف، وأكثر العلماء وافقوا على أنه يجوز للورثة أن يبيحوا التبرع بها بعد موته بدون بيع أو مقابل .أما الموضوع الكبير كيف نحدد الموت هذا هو الخلاف، لأنه كثير من الأعضاء لا يمكن نقلها بعد موت الإنسان والتأكد من موته بساعات طويلة، لكن هناك أعضاء يمكن نقلها مثل القرنية في العينين، يمكن نقلها ولو بعد حين، ويمكن نقل العظام ولو بعد حين، لكن وطريقة نقل الأعضاء هي في العموم تقرير فني، لكن الفقهاء يوافقون على إعطائها وتحديد الوفاة، كذلك موضوع فني اعتقد الموضوع لا يوجد خلاف عليه من علماء العالم الإسلامي . ”
تحقيق: حمد سليمان ـ سعيد يوسف
صحيفة التيار