علماء السودان خلوها مستورة!!
هيئة علماء السودان، مؤسسة شبة رسمية مُقربة من الحكومة حد أنها منخرطة فيها، وغارقة في لجتها وتعمل وفق موجهاتها، فتسكت عن أمور بالغة الأهمية والتعقيد، مثل (تفشي الفساد) مثلاً، وأحياناً يمضي بها التماهي مع (قرارات) السلطتين التنفيذية والتشريعية خاصة في موضوع القروض الربوية المثير الجدل، وأكثر من ذلك، إذ أن الهيئة التي يفترض أنها تضطلع بأدوار دينية بعيداً عن السياسة، وإلاّ لأعلنت نفسها حزباً سياسياً خاضعاً لقوانين اللعبة، حتى نستطيع أن نتفهم ما يصدر عنها من فتاوى أشبه بالبيانات السياسية، مثل هذا المجتزأ من بيان سابق: (إن ما تتعرض له دولة مصر الشقيقة برمزيتها الإسلامية الحضارية من مؤامرة كبرى ومخططات فاجرة تسوق الأمة نحو فتنة ماحقة، سفكت فيها الدماء وانتهكت فيها الأعراض، وأهينت فيها الكرامة، إن الإسلام مُحارب، ولا يراد له أن يسود أو يقود).
الهيئة، أضحت مثار جدل كبير، إذ أنها لا تستطيع أن تثبت استقلاليتها عن السلطة، وأن تنفي عن أعضائها صفة (علماء السطان)، والمثالان الأسبق والسابق قطرتان من محيط لبيانات وفتاوى أصدرتها علماء السودان لتعضيد ودعم توجهات وقرارات سياسية حكومية أو حزبية، وبالتالي فإنها تبدو وكأنها آلية لتبرير تلك التوجهات السياسية من وجهة نظر دينية، وهذا ما جعل كثيرين لا يعيرون فتاويها اهتماماً ولا يثقون في مقاصدها منها.
وأمس وعلى ذات المنوال المعهود، قال عضوها محمد هاشم الحكيم في معرض حديثه إلى ورشة عمل عن تفعيل قانون التبغ أن يجوز للزوجة طلب الطلاق بسبب تدخين زوجها، وقال كلاماً آخر كثيراً، لسنا بصدده الآن.
حسناً، ينبغي لي أن أؤكد هنا، أنني مبدئياً مع أي قانون لمكافحة التبع بكافة أنواعه، ولكن ضد وضع رأي علماء السودان كرأي محوري في موضوعات علمية تتعلق بالصحة أو البيئة أو المواصفات والمقاييس أو التجارة والجمارك وخلافها، لأن لهذه الأمور (رجالها) من العلماء المتخصصين، هم أصحاب الرأي المركزي فيها لا سواهم، وهذا لا يمنع بالضرورة طلب رأي علماء السودان يغرض الاسترشاد الاجتماعي والديني به، أما أكثر من ذلك فلا.
أقول ذلك وفي ذهني تلك المعارك التي خاضها أحد أعضاء الهيئة في أمور لا يعرف (ألفها من بائها) مثل مرض الأيدز وسُبل مكافحته، الأمر الذي جعله يطرح مرافعاته بشكل هستيري جلب عليه السخط والسخرية.
على كلٍّ، فإن مكافحة التبغ، موضوع خارج اختصاص علماء السودان، إلاّ من وجهته الشرعية (فقط)، وهذه وجهة قلّما يتفق عليها اثنان منهم، بعضهم يقول بحرمته، وبعضهم يبيحه، وبعضهم يؤكد أنه (مكروه)، وهكذا، لكن لا ضير أن يأتوا بفتواهم، ثم يمسكوا عن الحديث في الورش الأكاديمية المتخصصة لأنهم يقولوا إلاّ شططا، وهذا ما فعله الحكيم أول أمس فقال للنساء (طلقوا رجالكم المدخنين)، هو (النسوان مقصرات) يا شيخنا، خليها مستوره بس.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي