تحقيقات وتقارير

بين الطعمية و”الطعمجة”.. فوائد غذائية وسخرية لاذعة.. مشاهد وشواهد


يقف بائع الطعمية أمام الصاج الملتهب منهمكاً في قليها، وإعداد (الساندوتشات) للمارة ومرتادي المكان من زبائنه المعتادين يومياً، ويعد هذا المشهد من المشاهد الأساسية في الشارع السوداني، حيث أصبح باعتها من الشخصيات المهمة في الحياة اليومية.
في كل الأحياء سواء بالقرى أو المدن، يوجد بائع الطعمية، نسبة لإقبال الناس على طلبها بصورة يومية في المدارس، الجامعات، أماكن العمل، وحتى أطباق الفطور في المناسبات، ما دفع البعض لتسميتها بوجبة الشعب الأولى بلا منازع، رغم أنها ليست محلية، وهي من الأطباق التي دخلت إلى السودان مع دخول الحكم التركي المصري.
وجبة رئيسة
ووفقاً لدراسة رصدت الوضع الصحي للطلاب في السودان قبل عدة أعوام، توصلت إلى أن أكثر من 50 % من الطلاب الذين يسكنون في داخليات؛ يعانون من مشكلات في التغذية، عزاها الطلاب أنفسهم إلى عدم تناولهم للطعام المناسب والمتكامل. وقال آخرون إن الأمر يعود لاعتمادهم على الطعمية كوجبة أساسية؛ يتناولونها مرتين في اليوم.
مفيدة وغنية
اختصاصية التغذية في مستشفى شوامخ، نهى شمام، أنصفت الطعمية قائلة: “هذه الوجبة من الأطعمة الغنية والمفيدة جدا لجسم الإنسان، لكن إذا ما صُنعت بالطريقة الصحيحة، وذلك لاحتوائها على نسبة عالية من البروتين المتوفر في الحمص أو كما نسميه عندنا بالكبكبي، وكلما أضيفت مقبلات من الخضار والطحينة، على سبيل المثال، زادت قيمة الوجبة وأصبحت أكثر فائدة، كما يفعل المصريون والشوام أثناء تقديمهم لطب الفلافل”. وتضيف نهى: “رغم تكامل هذه الوجبة إلا أن مرافقي المرضى في المستشفيات الخاصة لا يحبذون تقديمها لمرضاهم، ويفضلون تقديم اللحوم الحمراء والبيضاء عوضاً عنها وعن الفول، مع أنها تُكمل الوجبة الغذائية بالبروتين الموجود في البقوليات التي تصنع منها، لكن للأسف الطعمية صُنفت على أنها وجبة من وجبات الفقر”.
فقر المطبخ السوداني
على الرغم من فقر المطبخ السوداني من ناحية تنوعه الغذائي، إلا أن السودانيين لا يستطيعون تناول الأطعمة الدخيلة من الطواجن والنواشف كثيرا، وسرعان ما يعودون إلى وجباتهم المحلية من (قراصة، كسرة، عصيدة) مع مختلف (ملاحاتها)، وعن ذلك تقول نهى: “يُقال أنها وجبة تركية إلا أن المصريين والشوام أكثر مستهلكيها والمروجين لها، وباعة الفلافل أو الطعمية جزء أساسي من المشهد العام في الشارع المصري”.
سندوتشات مفضلة
أطلق البعض على الفول لقب (حبيب الشعب)، وانتشرت مطاعم خاصة به في جميع الأحياء الشعبية وفي مختلف أنحاء البلاد، من مدارس، جامعات، جوار مكاتب العمل، إلى أن أصبح الوجبة الرئيسة لإفطار السودانيين. لكن مع مرور الوقت وتسارع إيقاع الحياة، فضل الناس الساندوتشات بدلاً من الأطباق التي يحتاج إعدادها لبعض الوقت، ما سهل على الطعمية سحب البساط من الفول، وتحوُّلها إلى وجبة الشعب الأولى والعملية بلا منافس، بحسب الشيف خالد دروب، الذي أضاف قائلاً: “يمكن أن تكون من الوجبات الغنية والمفيدة لجسم الإنسان إذا ما تجنب بائعوها تحميرها في ذات الزيت أكثر من مرة، تجنباً لتحويلها إلى مواد مسرطنة، وكذلك لا ينبغي إضافة قدر كبير من (الباكنج باودر) كي لا تقل قيمتها الغذائية، والاستعاضة بالفلفل الأبيض عن الأسود يُكسبها مذاقاً أفضل”.
مصطلحات شبابية
الطعمية أصبحت جزءاً من الروتين اليومي للطلاب في المدارس والجامعات، وتوغلت إلى أن دخلت للمصطلحات الشبابية، فيستخدم الشباب مفردة (طعمجة) حين يسخر شخص من آخر أمام الناس، بحسب الجنيد محمد ـــ طالب نظم معلومات في كلية الإمارات ـــ الذي استرسل قائلاً: “وعلى الرغم من ميلي لتناول (الفتة) التي يبلغ ثمن الطلب الواحد منها ما بين الـ(5- 6) جنيهات، ولكي نعمل طبقاً يكفي مجموعة من الشباب نحتاج إلى عدة طلبات من الفول، إلى جانب الإضافات الخاصة به من (دكوة، كاتشب، زبادي، وبهارات)، لكن حين أكون بمفردي أفضل تناول ساندوتش الطعمية، الذي لا يتجاوز ثمنه الـ 3 جنيهات، المضاف إليه المخلل والكاتشب، وهناك من يفضلون تناوله بالفطيرة وآخرون بالرغيف”.

اليوم التالي