منى ابوزيد

الشرطة تريد تغيير النظام ..!

«من يزرع كوزين من الذرة حيث كان ينبت واحد فقط، يستحق من الإنسانية أكثر مما يستحقه كل رجال السياسة مجتمعين، ويقدم للإنسانية أكثر مما يقدمونه هم جميعا» .. جوناثان سويفت ..!
إذا كانت الموسيقى التصويرية هي المعادل المسموع للمشهد المرئي، فقد أفلح صناع ذلك الفيلم الوثائقي القصير، الذي عُرض علينا في مجمع الشرطة الجديد – بالخرطوم بحري – في توظيف الصوت الموسيقي الحزين لصالح الصورة الكئيبة التي اشتملت على مشاهد مؤسفة لمكاتب رثة، وإدارات قديمة، وبيئة عمل غير مهيئة لاستقبال المواطنين، الذين اشتمل العرض على بعض شكواهم من ضيق أماكن الإجلاس، وشح النوافذ، وقلة عدد الموظفين، واختناق الصفوف، والبيئة غير الصالحة.. إلخ .. إلخ .. قبل أن ينقلنا ذات الفيلم – عبر ذات الشاشة – إلى الجديد «الشديد» ..!
ثلاث مجمعات خدمية – في الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري – هي الأضخم إقليمياً،تبلغ مساحةالواحدمنهاعشرين ألف متر، تشتمل على كافة خدمات المرور والهجرة والخدمات الجنائية وخدمات الفحص الآلي .. وهي بذلك تختزل المشاوير وتطوي المسافات التي كان المواطن يقطعها جيئة وذهاباً لاستخراج شهادة.. أو تجديد جواز سفر .. أو حتى تأشيرة خروج ..!

بعد جولة استغرقت قرابةالساعتين،في أرجاء ذلك المبني الضخم – من البدروم الذي خصصت مساحته للفحص الآلي،ومجمعي الأرشفة والمكاتب الإدارية .. إلى عشرات النوافذ المخصصة للجواز الالكتروني،ودورات المياه التي خصصت بعضها لذوي الاحتياجات الخاصة، ونوافذ استيفاء الخروج، وعشرات النوافذ المخصصةلجميع معاملات المغتربين،ونوافذ التسليم والمعالجات ..إلى مصنعي الجوازوالبطاقة القومية،والإذاعةالداخلية،وغرفة السيطرة والتحكم الإلكترونية .. إلى كافتريا الجمهور، وكافتريا العاملين وسكن الضباط .. إلخ .. إلخ .. وقفتُ باحترام أمام طبيعة ذلك الفعل الذي أتبع القول ..!
السيد مدير عام الشرطة قال ذات يوم إن العام 2015م هو عام تطويرالخدمات الجنائية والتدريب والعمل التقني والأمني ومشروعات بسط الأمن الشامل .. والذي شاهدناه وشهدنا عليه هو أن العام 2016م كان عام الثورة الحضارية الكبرى للشرطة السودانية .. وهذا يعني بعبارة أخرى أنه عام ثورة التسهيلات المكانية والزمانية لجميع المعاملات والإجراءات التي تخص المواطن السوداني .. مغترباً كان أم مقيماً .. نظامياً كان أم مدنياً .. شخصيةً هامة كان أم»زول الله ساكت»..!

هذا هو مربط الفرس .. فصعوبة المعاملات وضنك الإجراءات كانت ولا تزال هي كعب أخيل السلطة في مواجهة سخط ونفور المواطن، لأن مقياس النجاح لأي سلطة هو رضا المواطنين المتعاملين معها، أو عبرها.!
بهذا الإنجاز – الذي يستوجب التقدير – فتحت الشرطة السودانية ذراعيها للمواطن، وأظهرت أمامه احتراماً يليق بكرامته، وأعادت إحياء روح الثقة– التي طال سُباتها – بين المجتمع على اختلاف فئاته ومؤسسات الدولةعلى تدُّرج عِلَّاتِها ..!

حينما تُظهر السلطة احترامها لإنسانية المواطن وحرصها على حقه الكامل في الوقوف أمام من يمثلونها بكرامة يتحول المواطن، المتذمر من سوء الخدمات أوبطء الإجراءات، من مفعول لأجله إلى فاعل أصيل – وشريك رئيس – في سيادة حكم القانون ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة