صلاح حبيب

الصحافة السودانية في محنة !!


أهداني الدكتور “محمود قلندر” الباحث والأكاديمي ورئيس تحرير صحيفة (القوات المسلحة) خلال الفترة من 1985 وحتى 1989 قبل أن يتولى المناصب الأكاديمية كأستاذ للإعلام بجامعة الفاتح بليبيا وجامعة الخرطوم والآن يشغل منصب رئيس قسم الإعلام بجامعة قطر، أهداني كتابه (مهنة في محنة) عبر الأستاذ الإعلامي الكبير “عوض الله سليمان”. الكتاب يوثق للصحافة السودانية عبر الحقب المختلفة والظروف التي مرت بها عبر الأنظمة الديمقراطية والشمولية ومدى تأثير كل فترة عليها.

الدكتور “قلندر” بذل مجهوداً كبيراً في الكتاب وهو بمثابة رسالة علمية أكثر منه كتاب توثيقي، لأن الصحافة السودانية وللظروف التي تمر بها كل فترة لم تتح لأي واحد من الذين عملوا في بلاطها، أن يقدم عملاً مهنياً بهذا المستوى، إما لابتعاد الصحفيين أو ظروف العمل الضاغط لم يمكنهم من عملية التوثيق، إلا الأستاذ “محجوب محمد صالح” الذي أصدر كتابين تقريباً عنها (الصحافة السودانية في نصف قرن) والجزء الثاني منه، عدا ذلك لم يوجد توثيق لهذه المهنة ولذلك فإن الكتاب الذي أصدره الدكتور “قلندر” جدير بالاطلاع وسيكون من المراجع المهمة لهذه المهنة.

الكتاب يقع في (189) صفحة وقدم له أبو الصحافة الآن أستاذ الأجيال “محجوب محمد صالح” وتعرض الكاتب إلى الصحافة السودانية إبان حقبة الاستعمار مروراً بالأنظمة المختلفة العسكرية كنظام الفريق “عبود”، وكيف كانت تمارس السلطة وقتها على الصحافة، ثم حقبة الديمقراطية الثانية إبان حكم “الصادق المهدي” ثم النظام المايوي والديمقراطية الثالثة والآن فترة الإنقاذ. وشرح الكاتب كل حقبة على حدة وكيف كانت الصحافة فيها والممارسات عليها وعلى الصحفيين والرقابة المفروضة عليها من تلك الأنظمة، وعلاقتها بالأمن والتشريد الذي حدث للصحفيين والمصادرات وإغلاق الصحف. وتحدث عن الانتماء السياسي خلال صحافة الديمقراطية الثالثة وسماه بالانتماء السياسي الموارب بدلاً من الانتماء المباشر أي أنه قصد من ذلك تبعية الصحف للأحزاب، وقد لاحظنا خلال الديمقراطية الثالثة كيف نشطت الأحزاب في جعل لكل واحدة منها صحافتها الخاصة وربما الصحف الحزبية كان لها تأثير سالب على الديمقراطية وقتها. والدكتور “قلندر” قدم تفصيلاً كاملاً لكل فترة من الفترات التي عملت فيها الصحافة وعلاقة العاملين فيها ورؤساء مجالس الإدارات، إن كانوا من الصحفيين أو من العسكريين مثل اللواء “عوض أحمد خليفة” الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة (الأيام) والأستاذ الراحل “جعفر محمد علي بخيت” كرئيس لمجلس إدارة جريدة (الصحافة)، والراحل “جمال محمد أحمد” كمدير عام لها حتى الأستاذ “فضل الله محمد” الذي شغل منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لجريدة (الصحافة)، والأستاذ الراحل “حسن ساتي” الذي شغل أيضاً منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير (الأيام) بعد الراحل الأستاذ “محجوب علي” الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة (الأيام)، بجانب عدد كبير من الأدباء والمثقفين والعسكر الذين شغلوا المناصب بالصحافة السودانية. ولكن الصحافة السودانية لم تشم العافية خلال تلك الحقب فكانت دائماً ملاحقة من قبل السلطة، إما بالمصادرة أو التأميم كما حدث لها إبان الحكم المايوي.
الدكتور “قلندر” وما كتبه من خلال سِفره هذا يكون قد ألقى حجراً في البركة الساكنة لينشط باقي الصحفيين في الكتابة التوثيقية لهذه المهنة.

صلاح حبيب – لنا راي
صحيفة المجهر السياسي