تحقيقات وتقارير

مشاجرات الأطفال.. الكبار في عين العاصفة.. صراع دائم


لم يلق عبد الرحمن على جاره عمر التحية عندما تقابلا في الشارع صباحا، وذلك على خلفية مشاجرة جرت مساء أمس بين ابنيهما أثناء لعبهما كرة القدم التي تشاركا لعبها مع أقرانهما في الشارع، تصاعد الخلاف بين الأسرتين عند تدخل الأبوين لحل المشكلة، لكن الأمر بالنسبة لابنيهما انتهى في لحظته، وعند لقائهما صباحا اتفقا على اللقاء عصراً للعب مجدداً، هذا هو حال الأطفال ومشاكلهم، وهنا يتبادر للأذهان عدد من الأسئلة لماذا وكيف ينزلق الكبار في مشاكل الصغار؟

تعود تفاصيل القصة التي دارت وعمت كافة أرجاء الحي لأن محمد وخالد ابني عبد الرحمن وعمر اختلفا أثناء لعبهما لكرة القدم في الشارع وأصر خالد على أن محمد لم يحرز هدفاً في مرماه واشتبكا، سمعت أم خالد الصراخ وخرجت تتحرى الأمر. لم ينته الأمر عندها بفك الاشتباك وإنما وبخت محمد توبيخاً شديداً وحملته المسؤولية، وانفضوا إلى منازلهم.

انتهى الموضوع هنا، بالنسبة لمحمد وخالد، لكنه لم ينته بالنسبة لوالدتيهما، هكذا تسير الأمور في أغلب الأحيان، ويكون لذلك التدخل تأثيراً على الأطفال، كيف ذلك؟ وما مدى إيجابيته وسلبيته، وكيف كان المجتمع يتعامل مع تلك المواقف؟
ترى أستاذة الخدمة الاجتماعية بجامعة الخرطوم د. سمية أزرق بوضوح ما حدث من تغيرات وتبدلات كبيرة في المجتمع السوداني ساهمت بشكل كبير في حدوث أزمة. وقالت: “تعرض المجتمع لتغيير واضح في المفاهيم والمعتقدات التي كان يعتمد عليها في التنشئة الاجتماعية، سيما تلك الأفكار الحديثة في أسلوب التربية التي لامست هوى كثير من الأسر، ما جعل الأسر تعتمد أسلوب الأسرة النووية كإحدى الطرائق الحديثة في أساليب التربية بدلاً عن الأسرة الممتدة التي كان لها حرية التدخل”. وأضافت: أيضاً كانت جماعة الرفاق واحدة، أطفال الجيران هم رفاق الشارع والمدرسة، لذلك يصبح من السهولة السيطرة عليهم وعلى تصرفاتهم، لكن لجوء العديد من الأسر للمدارس الخاصة وبعدها عن السكن جعل الأمر أكثر تعقيداً لتعدد الجماعات الذي جعل من العلاقات غير عميقة، وربما تكون ذات تأثير سلبي لتعدد المفاهيم.

وأكدت د. سمية تغير فهم الأمهات للتربية بفعل التكنولوجيا الحديثة. وقالت: “التعرف على الوسائل والنظريات الحديثة في التربية غير فكر الأمهات والآباء في الطريقة المتبعة واعتبروا التربية مسؤوليتهم الخاصة ولا يجب التدخل فيها من أي شخص آخر، وكذلك الأوامر لأن تعدد الأصوات من شأنه التأثير على الطفل بحسب قواعد وقوانين التربية الحديثة”، وتابعت: رغماً عن ذلك نجد هناك تناقضا في التصرفات، فعندما يتعرض الطفل لمشكلة تتدخل الأم مدافعة عن ابنها، متجاهلة تلك النظريات الحديثة، لذلك مشكلتنا كمجتمع أننا لازلنا غير قادرين على المواءمة بين عاداتنا وتقاليدنا وما هو حديث، ولازلنا في مسألة الحراك لا نملك أسسا وقواعد ثابتة نعتمد عليها في التنشئة الاجتماعية، لذلك نحتاج لمزيد من الوعي وتوضيح الأفكار والابتعاد عن الحساسية المفرطة. ودعت د. سمية الأسر إلى ترك الطفل يحل مشكلته بنفسه وإن دعت الضرورة لتدخلهم، فلابد من حل المشكلات بالتفاهم ومعرفة الأسباب.

خصائص الطفولة
فيما أرجعت الاختصاصية النفسية سلمى جمال تفاقم المشكلة لجهل الكثيرين بخصائص مرحلة الطفولة، وأكدت أن الطفل يتعلم من خلال احتكاكه بالشارع والمجتمع، وقالت: “الاحتكاك المباشر يقوي شخصية الطفل ويعزز التحدي الإيجابي داخل الطفل بجانب الاعتماد على الذات”، ولفتت سلمى إلى ضرورة خروج الأطفال للشارع وعدم حرمانهم منه، لكن باشتراطات الرقابة والضوابط المطلوبة للتربية.

وأضافت موضحة أن مشاكل الأطفال دائماً ما تكون في تحدي اللعبة وتفاصيلها، لذلك هي بسيطة ولا تستحق أن تحتل حيزا كبيرا في حياتنا، وقالت: “هناك أسر لا ترغب في خروج أبنائها للشارع حتى لا يتعرضوا ويعرضوا أبناءهم للمشاكل، وهذا غير صحيح، لأن الشارع هو المكان الذي يجد فيه الطفل نفسه ويقوي شخصيته، وبالنسبة للأطفال تنتهي المشكلة بعد زوال السبب لنفوسهم النقية الخالية من الشوائب والعوالق النفسية السيئة”، وتابعت: الأم بعاطفتها وحنيتها الزائدة ترى طفلها ضعيفاً ومظلوماً لذلك دائماً ما يكون تدخلها سلبيا.

وطالبت الاختصاصية النفسية الأسر بمعرفة أساس المشكلة وجمع الأطراف لحلها ودياً، وذلك أفضل من تصعيدها لتصل الكبار لأنهم سيتركون السبب الأساسي ويفسحون المجال للشتائم وتتفاقم المشكلة، منبهة إلى أن تدخل الكبار يجعل الطفل مكروها في الشارع وسينعت “بابن أمه أو أبوه”، ويوصف بالجبان، غير أنه سيفقد الرغبة في الخروج للشارع واللعب معهم، فضلاً عن أن الدفاع عن الطفل باستمرار يجعله شرسا وعنيفا ومصادما وظالما وأنانيا لاعتقاده الدائم أنه على حق، لذلك لابد من أن يواجه مشاكله بنفسه.. مؤكدة ضرورة إعلاء لغة الحوار من قبل الأمهات والآباء مع الأبناء لأنه يرسي العديد من المفاهيم الإيجابية في فن التعامل، فشخصية الكِبر تبنى من الصغر، بجانب وعي المجتمع بتفاصيل الطفولة ومراحلها وكيفية التربية الوجدانية التي يشارك فيها الشارع والمدرسة، الأهل والجيران.

الخرطوم – زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي