منى ابوزيد

في العَوَز المِهَني ..!

«أقوى مبادئ التطور تكمن في الاختيار الإنساني» .. جورج إليوت..!

(1)
الخواجات يسمونها هجرة العقول، بينما المصطلح الأقرب لواقع اغتراب الأطباء السودانيين هو سرقة العقول .. أن تترك بلادك للجهل والمرض والفقر – مكرهاً لا بطل – ميمماً وجهك شطر العالم الأول لتحقيق أقل طموحاتك المهنية وأبسط أحلامك الشخصية، على وجه ما .. استرجاع العقول الطبية المسروقة – أو المهاجرة إن شئت – ليس حلماً، فالإمكانات الموضوعية موجودة، وكما وأن بدائل تشجيع الكوادر والكفاءات المغتربة على الاستقرار أيضاً ممكنة .. ليس ذلك فقط بل أن السودان يملك الإمكانات والظروف المواتية التي تؤهله ليصبح قبلة طبية لدول شرق ووسط إفريقيا ودول الساحل والصحراء .. هذا من حيث المبدأ .. أما العراقيل فابحثوا عن «أسيادها» .. ثم دعك من الكفاءات العلمية والأكاديمية، وتأمل في الطاقات الإبداعية الغضة المراقة بين ظهراني أقوام آخرين .. الكفاءات الشبابية المهدرة بالخارج خسارة كبيرة لهذا البلد .. أفكار الشباب هي التي تؤسس للآتي وتقيل عثرات الاقتصاد .. بينما ما تزال استفادة السودان من المغتربين – بحسب الحكومة – محصورة في العائد المادي المباشر.. أصاب المغتربون أم أخطئوا، هم يلتقون جميعاً عند منعطف التأهيل الجيد للأبناء .. أبناء المغتربين هم ثروتهم التي تجشموا من أجلها عناء الغربة .. الاستفادة من هذه الغراس المشتولة بالخارج رهان تنموي لا ينكر فداحته إلا مكابر..!

(2)
فقراء بلادي أيضاً تشملهم «حركات» السياسيين .. من «استسهال» الحكومة إلى «استهبال» المعارضة .. إحصاءات الحكومة تحاول دائما أن تدفع بالمؤشرات إلى منحى إيجابي لتدلل على نجاح سياساتها الحكومة التنموية والسياسات الحكومية، والمعارضة بسياسييها ومفكريها وصحافييها يدفعون بالمؤشرات إلى منحاها التصاعدي للتدليل على فشل الحكومة .. مصادر المنظمات الدولية فهي تعاني صعوبات التعامل مع الجهات الرسمية بسبب حساسية السلطات التي تعتبر قياس معدلات الفقر محاولةً آثمة للكشف عن عوراتها السياسية أمام مواطنها المحلي، ناهيك عن المجتمع الدولي .. أما الهيئات والمراكز المستقلة الخاصة بمتابعة الفقر بصورة أكثر التصاقاً وحيادية، فهي ما تزال اختراعاً لم تقتنع بفعاليته أو حتى جدواه حكومة السودان التي تعتبر مجرد القول – أي «الاعتراف» – بوجود فساد مالي أو إداري بين أروقتها فعلاً – أي «حلاً» – يستوجب الشكر ..!

(3)
ما الذي يحمل شعباً على الإجماع بشأن رفض مسئول بعينه .. بينما القانون والنظام هو الذي يصنع أبجديات العلاقة بين الوزير والمواطن، وهو الذي يحكم طبيعة المعاملة بين الفاعل والمفعول لأجله ؟! .. إنها أعراض متلازمة العوزالمهني المكتسب من جهة .. وغياب مبدأ المحاسبة في حال إخفاق أو تجاوز المسئول من جهة أخرى .. وعليه، ماذا تفعل إذا كنت وزيراً أو وكيلاً لوزارة، وكنت تعلم – علم اليقين – أن أسوأ نهاية لسيناريو تكليفك بأعباء بالمنصب، هي تشريفك بالرحيل حراً، طليقاً، وبريئاً من كل ذنب؟! .. مؤكد أنك سوف تخاصم ثم تفجر – آمناً مطمئناً – إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة