أمراض القلب.. الوصايا العشر للوقاية من مرض العصر
قصور الشرايين التاجية للقلب من أخطر أسباب الوفاة في عالمنا الحديث وأكثرها شيوعاً.
ويكاد ينعقد الإجماع بين معظم الباحثين والمهتمين بهذا الشأن على أن سبب تفاقم المشكلة هو نمط الحياة غير الصحي الشائع في أيامنا، حيث الوتيرة السريعة الضاغطة للحياة، وما تلحقه بنا من ضغوطات نفسية وجسدية، وانتشار الأعمال المكتبية قليلة الحركة. وشيوع تناول الوجبات السريعة كثيفة السعرات قليلة الفائدة.
سنحاول معاً أن نقدم خلاصة ما توصلت إليه دراسات كثيرة عن الوقاية من أمراض القلب، التي بالطبع أفضل كثيراً من علاجها، والتعامل مع مضاعفات إهمالها. وسنُبرز ما يمكن تطبيقه بسهولة شديدة كجزء من حياتنا اليومية دون اصطناع وبذل جهد، فقط ببعض قوة الإرادة والكثير من المواظبة.
1- خير الوقاية أدومها وإن قلَّ:
القاعدة الأولى هي أن تواظب يومياً على النصائح والتعليمات حتى تتحول إلى عادة يومية تفعلها دون مجهود كبير، فتكون بمثابة ردة فعل تلقائية. كما أن معظم ما سنذكره من تعليمات لا يُحْدِث التأثير الذي نريد إلا بالمداومة لأسابيع وأشهر تقوم خلالها آليات الجسم الفسيولوجية بتعديل أوضاعها، وعكس -أو على الأقل إيقاف أو إبطاء- مسار التغيرات المرضية التي تحفزها عوامل الخطر، التي تؤدي آخر الأمر لحدوث أمراض القلب.
2- الحركة بركة:
من المعروف أن إهمال ممارسة الرياضة ونمط الحياة الكسول من أهم عوامل الخطر التي تؤدي إلى تراكم الدهون المخزنة بالجسم، فتتركز في جدران الأوعية الدموية ومنها الشرايين التاجية، فتسبب الإصابة بتصلب الشرايين atherosclerosis.
ليس مطلوباً من الجميع أن يكونوا أبطالاً رياضيين أولمبيين. فقط المداومة على مجهود رياضي معتدل بشكل يومي أو شبه يومي، ومحاولة زيادة حصة الأنشطة التي تدرب القلب برفع معدل نبضه، كالجري أو ممارسة كرة القدم أو السباحة لحوالي 45 دقيقة، لثلاثة أيام أسبوعياً على الأقل. فإذا تعذر هذا لازدحام جدول العمل أو المذاكرة أو التزامات أخرى، فأضعف الإيمان الإكثار من المشي بخطوات سريعة أثناء قضاء المهام اليومية المعتادة كالذهاب إلى العمل مثلاً.
3- قطع دابر التدخين:
لا يكاد يمر يوم، إلا ويظهر دليل جديد على كارثية التدخين على الصحة، وخصوصاً علاقته بأمراض القلب.
وأسهم الانتشار الواسع لتدخين السجائر في انتشار أمراض القلب بين مختلف الفئات العمرية والبيئية. وأصبح من غير المستغرب أن يصاب شباب في الثلاثين أو حتى العشرين من أعمارهم بجلطات كاملة بشرايين القلب التاجية واحتشاء بعضلة القلب، وما يسببه هذا من عجز ومرض، وربما وفاة.
نعلم جميعاً أن الامتناع عن التدخين ليس بالأمر السهل، لكنه ليس مستحيلاً. وهناك الكثير من الطرق التي يمكن أن تصطف إلى جوار إرادتك الذاتية في معركتها الشرسة مع التدخين. ويمكن أن نجد طرفاً منها في هذا الرابط.
وخير من هذا، ألا تقع في حبائل التدخين ابتداء.
4- دقيقتان لكشف القاتليْن مبكراً:
لا أجدر بلقب القاتل الخفي من مرضيْ السكر والضغط، وهما مع التدخين تمثل ثالوث الرعب بين عوامل الخطر لأمراض القلب. وتتفاقم خطورتهما بتطاول المدة، وبالإهمال في الضبط الجيد لكل منهما. ولذا فالكشف المبكر عنهما قد يساوي عمراً وحياة.
المطلوب منك قياس ضغط الدم والسكر العشوائي بالدم، ولو مرة في العام. لن يستغرق هذا الأمر الحيوي دقيقتين. وفي حالة وجود ارتفاع غير طبيعي لأيٍّ منهما، يتم الانتقال إلى التحاليل والأبحاث الأكثر تقدماً لتأكيد أو نفي التشخيص.
والجدير بالذكر، أن كلا المرضيْن في مراحلهما الأولى يعالجان بتعديل نمط الحياة (الطعام الصحي، التمارين…) ولا يُلجَأ للعلاج الدوائي إلا بعد فشل التعديل الحياتي في السيطرة على الأمور بعد أشهر من المواظبة عليه، أو إذا كانت الحالة متقدمة أو أحدثت مضاعفاتٍ مبكراً.
5- التنفيس المستمر للضغوط النفسية:
من المعلوم من طب القلب بالضرورة، أن الانفعال العصبي الشديد قد يعجّل بحدوث النوبات القلبية. حيث يرفع ضغط وسكر الدم، والاستهلاك الأكسجيني للقلب، وقد يؤدي إلى انقباض فجائي شديد في الشرايين التاجية Coronary Spasm.
كما أن نمط الحياة العصبي المتوتر، خاصة لأصحاب الوظائف كثيرة الضغوط مثل أطباء الطوارئ والشُّرطيين، يسرع الآليات المرضية المسببة لقصور شرايين القلب، ويفاقم الأعباء عليه من خلال الإثارة المستمرة للجهاز العصبي السمبثاوي Sympathetic Overflow المسؤول عن تهيئة الجسم للمواقف الصعبة عن طريق زيادة ضربات القلب ورفع الضغط.
يمكن تفريغ الضغوط أولاً بأول بممارسة الرياضة، وتخصيص حصة مقدسة من الوقت رغم أنف العمل وضغوطه للاسترواح وللعبادة، ولقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء. كما ينصح الأطباء بممارسة تمارين الاسترخاء، والإيروبكس، واليوجا.
6- غذاء القلوب:
ليس الحديث هنا عن الروحانيات. إنما عن نمط غذائي صحي ومفيد للقلب سمَّاه العلماء Heart Based Diet، ويسميه البعض بحِمية البحر الأبيض المتوسط Mediterranean Diet، وذلك لذيوعها في مناطقه الساحلية. حيث الإكثار من الأسماك والخضراوات والفواكه بقوة، التي تمتاز بقيمة غذائية وافرة، وتحتوي مضادات الأكسدة التي تحمي خلايا القلب من التلف.
وبالنسبة للتفاصيل فهذا بيانها:
الخضروات: وأهمها الجزر الغني بالكاروتين، والبروكلي، والسبانخ، والكرنب. ولا سقف للكميات.
– الفواكه: خاصة التفاح، والموز، والكمثرى، وكذلك العنب. لكن بكميات أقل من الخضراوات لمرضى السكر، ومن يريدون إنقاص الوزن.
– الحبوب الكاملة: وأفضلها الشوفان، والدقيق الكامل “الخبز السن الأسمر”، والأرز البني.
– الألبان والأجبان خالية الدسم، أو قليلة الدسم. وهي تمتاز بوفرة البروتينات المفيدة، وتجنب الدهون الضارة.
– البروتينات النباتية كالفول والعدس والحمص. ومن الحيوانية، الدجاج بعد نزع جلده كثيف الدهون، والديك الرومي. والأولوية للأسماك لدهونها المفيدة وقيمتها الغذائية العالية.
– الزيوت النباتية الغنية بالدهون غير المشبعة المفيدة، مثل زيت الزيتون، والذرة، والسمسم. وكذلك الزيوت الموجودة في البندق والأفوكادو وفول الصويا.
7- الممنوعات الغذائية:
أعرف أنه عنوان غير محبب، لكن لا بد منه. المطلوب التقليل (وليس المنع التام، فالمطلوب ألا تمثل حصة أكثر من ١٠% من السعرات اليومية المسموح بها) من الدهون المشبعة كتلك الموجودة في المحمرات، والسمن الريفي الطبيعي، والقشدة، والألبان كاملة الدسم، لأنها ترفع الكوليسترول الضار LDL وتسبب تصلب الشرايين. وكذلك يمنع الإسراف في ملح الطعام، حيث للصوديوم علاقة برفع ضغط الدم، ولذا فمعدل الأمان هو ٢٣٠٠ مجم من الصوديوم يومياً.
8- محاولة الوصول للوزن المثالي:
يندر أن تشتري طعاماً الآن ولا تجد على عبوته بياناً تفصيلياً بكمية السعرات الحرارية والمكونات التفصيلية لمحتوى الطعام. احرص على معرفة هذا جيداً خاصة للوجبات التي تكثر منها، وذلك لتحسب تقريباً كمية السعرات التي حصلت عليها، وهذا أول طريق الوصول للوزن المثالي.
الوزن المثالي للوقاية من أمراض القلب هو ما يجعل معامل كتلة الجسم Body Mass index بين 20 و25، وهو الوزن بالكغم على مربع الطول بالمتر. وكمية السعرات اليومية المطلوبة للحفاظ على الوزن، بالنسبة للذكور حوالي ٢٧-٣٠ كيلو سُعر لكل كغم من وزن الشخص، والإناث ٢٢-٢٥ كيلو سعر لكل كغم.
والسمنة الآن تعد مرضاً حقيقياً، فهي تسبب وتفاقِم أمراض القلب والسكر والضغط. ولذا فحمية متوازنة لإنقاص الوزن مستندة إلى المبادئ الغذائية التي ذكرناها آنفا تضيف عمراً حقيقياً إلى المرء. كجودة حياة، وكمدة زمنية. فإذا لم تستطع الوصول للوزن الأمثل، فلا أقل من محاولة الاقتراب منه.
9- الرفيق مع الطريق:
لا يفضل أن تحارب نفسك وحيداً. حاول أن تقنع أهلك والمقربين بجدوى ما تفعل، ليقوموا به أيضاً، فهذا يقلل كثيراً فرص فشلك ويعمم الفائدة. الكثيرون يشتكون من أنهم يلتزمون جيداً بالتعليمات الغذائية ومنع التدخين… فإذا قابلوا أول صديق، لم يلبثوا أن يطلبوا عشاء ثقيلاً من مطعم للوجبات السريعة، ويدخنون بعدها السجائر!
ويمكن التواصل مع من مثلك ولو في مراحل مختلفة، فيشجع السابق اللاحق.
صحيفة المواطن