ثلاث خطرات في حضرة المشير ..!
«إنَّه طَقس الحضَارة .. إنَّه العدلُ الذي يَكبُر في سَقف الجَرائم .. إنَّه الحَقُّ الذي لم يَخُن الحَقَّ .. وخانَته الحكومَاتُ وخَانتهُ المَحاكِم» .. الفيتوري ..!
على هامش جلسة تصوير – تخص مادة تلفزيونية قصيرة– وفي بيته العامر، سألت سعادة المشير عبد الرحمن سوار الدهب – قبل أيام – عنبعض الذكريات الخاصة بجوانب إنسانية لا تُنسى في مراحل علاقته بالرئيس الراحل «جعفر نميري»، وكيف أثر موقفه العسكري والسياسي على طبيعتها، وكيف تأثر كل منهما بمجريات الأحداثالسابقة وتداعيات وردود الأفعال اللاحقة .. فأدهشني جداً وهو يروي – في تأثر واضح، وصدق شديد، وصراحة أخاذة– ثلاثة مواقف غيرت نظرتي الشخصية إلى بعض الأشياء في هذه الحياة، وإلى الأبد..!
كان الرئيس»جعفر نميري» في أمريكا، يستعد للسفر إلى باكستان عندما وقع الحدث المفاجئفهبط بمصر، وهناكاستبقاه الرئيس المصري الأسبق «محمد حسني مبارك» واتصل بالمشير «سوار الدهب» وطلب أن يسمحوا له بالعودة .. وكل هذا معلوم وجله موثق، لكن الذي أدهشني هو رواية المشير «سوار الدهب» عن إصرار الرئيس «نميري»الشديد – وقتها – على إرجاع مبلغ من المال(أقل من عشرة آلاف دولار) كان قيمة نثرية ومصاريف رحلة سفره إلى باكستان .. فتأمل ..!
ثم يقولالمشير: أول لقاء جمع بيني والرئيس الراحل «جعفر نميري»- بعد الانقلاب – كان في المشاعر المقدسة .. كنا في دعوة مشتركة إلى الحج (وكان الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – يقيم دعوة غداء في «منى»، قبل رمي الجمرات الثانية)، وهناك احتكت كتفي بكتفه ونحن على باب الخروج .. سلمت عليه، فسلم علي بحرارة شديدة،ولم أكن أتوقع ذلك (هنا تهدج صوت المشير، وتوترت عضلات وجهه، وغامت عيناه) .. ثم صمت لبرهة ثمينة، خلتها دهراً، قبل أن يقول: عند عودتنا إلى مدينة «جدة» بعد أداء مناسك الحج، كانت استضافتنا في ذات الفندق، وكنت يومها خارجاً إلى البهو فوجدت الرئيس «نميري»واقفاً وسلمت عليه، فسلم علي بذات الحرارة والمودة .. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت العلاقة بيننا أقوى مما كانت، قبل حدوث الانقلاب ..!
يقول المشير: لبرهة من الوقت ظن الرئيس الراحل جعفر نميري أنني قد خنت عهده، لكنه تفهم الأمر فيما بعد .. وأذكر أنني قبل أن يبدأكل شيء اتصلت بقائد حامية»أم درمان»وطلبت منه أن يرسل سرية تحرس بيت الرئيس في «ود نوباوي».. وجاءت بعدها مظاهرات ضخمة وحاشدة تستهدف بيت الرئيس،ولولا تلك القوة لما بقي بيته في أمان ..!
ثم – بذات النبل والصراحة – يدلي المشير سوار الدهب بأغرب اعتراف سمعته في حياتي: (شعرت فيما بعد بندم شديد لأنني لم أعمل وقتها على تخصيص معاش شهري للرئيس جعفر نميري)..!
يالهمن رجل استطاع بإخلاصه للمبدأ أن يجعل كل الأفعال كبيرة .. ويالها من دروس، أولها وأولاها أن الإنسانية الحقة لواعج وأفعاللا تكترث لتقلبات الدهر وأمزجة السياسة،وأن البطولات السياسية الحقة تقاس بجلال الأفعال وليس مآلات الفاعلين ..!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة