تحقيقات وتقارير

الصحافة السودانية.. الميزان المختل ..!

فتحي الضو: ولو سألني سائل وقال لي: هل ما تراه هي الصحافة السودانية التي تجاوز عمرها المئة عام؟، سأقول له- بكل طيب خاطر: (يفتح الله)؛ فقد كثرت الأكاذيب، والأباطيل، وتعددت ألوان الخداع، والفهلوة، وتضاءلت المعايير الأخلاقية، وأصبح القياس صعباً.. لكن هكذا هو السودان- الآن- الذي قال شاعره علي نور: (المال عند بخيله والسيف عند جبانه).

زهير السراج: هناك مفهوم خاطئ في التعميم أن كتاب الرأي يأخذون أجورا عالية، فالبعض يكتب دون مقابل.

نبيل غالي: يجب أن تصنع صحافتنا السودانية (نجوم شباكها) من الصحفيين- أنفسهم- مما يشكّل إضافة إلى العمل التحريري، ويقوي عودها.

يوسف الجلال: صحافتنا قائمة على خطإ منهجي.

الصحافة السودانية الميزان المختل
الحلقة الثالثة
للصحافة السودانية تأريخ عريق، بالرغم من ارتباطها بعهد المستعمر، أو انتمائها العقدي في ذلك الزمان، الآن الصحافة السودانية تمر بمنعطفات هي الأخطر في تأريخها، وأصبح مستقبلها غامضاً- كما ذكر الصحفي الشاب الزين عثمان. الصحافة كما يراها هيكل هي ورقة الأخبار، بالتالي فإن المحرر الصحفي هو العمود الفقري لأية صحيفة، الأمر- الآن- اختلف، وأصبح كاتب العمود الذي يبني رأيه على ما يأتي به الصحفي الذي سخر نفسه للبحث عن المعلومة دون اكتراث لهجير الشمس، وزمهرير الشتاء، ومطارداً لها في ظلمات الليل الحالكة معرضاً نفسه إلى أحلك المخاطر، ثم يأتي كاتب العمود الذي لا يكلفه عموده سوى دقائق لتكون له الحظوة الكبرى في العائد المادي آخذاً عشرة أضعاف ما يأخذه هذا الصحفي الكادح الذي تقوم على أكتافه أية صحيفة، مجسداً بذلك ما جاء في المثل السوداني “الخيل تجقلب، والشكر لي حماد”، فمن المسؤول عن تشويه الصحافة السودانية؟، وما هي مبررات الناشرين في هذه المفارقة الكبيرة؟.

بعض كتاب الأعمدة لهم أجندات خاصة
الصحفي الشهير نبيل غالي رقم لا يمكن تجاوزه في الصحافة السودانية، قابلته في مكتبه بصحيفة اليوم التالي حيث يدير تحريرها، فاستقبلني باحترام الإنسان المتشبع بقيم الصحافة النبيلة، انفعل بالموضوع، وتفاعل معه، وحتى لا يكلفني رهق تسجيل إفادته، ومن ثم تفريغها على الورق، ثم كتابتها على الجهاز، كتب إفادته بنفسه، وكأنما الموضوع راسخ في مفردات ذاكرته التي تشع حيوية- هذا مع قولي ما شاء الله.

يرى الأستاذ نبيل غالي أن هناك خللا في صحافتنا اليوم، خاصة في مسألة الرضا عن كتاب الأعمدة من قبل الصحف على حساب الصحفيين، وفي المساحة التالية هذه إفادته كما كتبها؛ فيقول: “إن ظاهرة كتاب الرأي- أعمدة أو مقالات- الذين يستحوذون على الرضا المادي من صحيفة مهما كان ناشرها، أو مالكها، أو رئيس تحريرها لم تجد لها أرضا خصبة إلا أواخر التسعينيات من القرن الماضي، واتسعت بعد ذلك، ولم يكن صحيحا أن الصحافة بدأت بالرأي؛ لأن تلك كانت صحافة مستعمر تبرز رأيه، لكن بعد الاستقلال فالصحافة هي صحافة مواطن وأخبار، الآن صار أولئك الكتاب لهم اللحم الثريد من المال، أما الصحافيون فلهم العظم، وعيشة النكد المهني، صحافتنا السودانية قبل ذلك لم تعرف تلك الظاهرة؛ لأنها كانت صحافة خدمات، صحافة تهتم بقضية معاش الناس، وكتابات الرأي فيها ضئيلة، بل كانت صحافة كل الوطن، والآن أصبحت صحافة المركز.

إن ما يناله كاتب الرأي- عمود أو مقالة- من أجر يعدّ خرافيا بالنسبة لأجر الصحفي، وهو رزق ساقه الله إليه ولا حسد، وبعض الكتاب يستحقون هذا الرزق عن جدارة، وبعض آخر ضعيف الرأي، ولا يستحق هذا الرزق من عالي الأجر؛ لأنه قد يكون دخل هذا المجال لقرابة أو علاقة تربطه بقيادة الجريدة، أو مفروض عليها من جهة ما- وهنا- نجد أن بعض كتاب الأعمدة لهم أجندات خاصة ينافحون بها عن مآرب حزب أو مؤسسة أو فكر أيدولوجي… إلخ.

إن العمود الفقري لأية صحيفة هم المحررون، بيد أنهم أصبحوا “العمود الفقري”، من ثم يجب على مؤسساتنا الصحفية- إن صحت التسمية- أن تعدل الصورة المقلوبة بأن يكون الصحفي هو السنام فيها، وبعد ذلك لها أن تلتفت إلى كتابها في مسار أجرهم العالي، وجنابهم العالي.
بعض الكتاب ينالون أجرا يفوق أجر رئيس التحرير فتأملوا!
يجب أن تصنع صحافتنا السودانية (نجوم شباكها) من الصحفيين- أنفسهم- مما يشكل إضافة إلى العمل التحريري، ويقوي عودها.. إن معظم كتاب الرأي عندنا غارقين في محليتهم، بجانب بؤس ما يطرحونه، أو يجتهدون- فقط- في مغازلة القارئ سياسياً”. انتهت إفادة نبيل وهي تستحق التأمل.

الصحافة السودانية قائمة على خطإ منهجي
مدير التحرير في صحيفة الصيحة الأستاذ يوسف الجلال يرى أن هناك خطأ منهجيا في صحافتنا فيقول: للأسف- الصحافة السودانية قائمة على خطإ منهجي كبير، متمثل في أن النظرة إلى كاتب العمود، أو هيئة التحرير تختلف من حيث التقييم، مع أن الثابت والراجح والمؤكد هو أن كاتب العمود يستند استنادا رئيسا على ما يأتي به كاتب التقرير، وكاتب الخبر باعتباره عمود وركيزة العمل الصحفي، وهو اللاعب الحقيقي، والجندي الخفي في العملية الصحفية، كاتب العمود لا يسعى سوى أن يقرأ هذا التقرير، أو ذاك الخبر، ثم من بعد ذلك يعلق عليه، أو يقوم بتحليله، وعليه أعتقد اعتقادا جازما في وجوب أن يكون التقييم المادي منصب أولا للمخبرين، والصحفيين، والعاملين في مطبخ صناعة الأخبار، وصالات التحرير.

ويضيف الجلال قائلا: للأسف- المشكلة ليست في التشريعات، أو القوانين التي تسنها الجهات المنظمة للعمل الصحفي، إنما المشكلة في عقلية القارئ- نفسه؛ لأنه يعتقد أن المهم هو كاتب الرأي، وهذا خطأ كبير، وإذا نظرنا إلى الصحافة خارج السودان، أو في العالم الأول- تحديدا- نجد أن المحقق الصحفي هو المهم في أي صحيفة؛ لأنه هو الذي يكشف الحقائق، ويزيح النقاب عنها.
ومن ناحية أخرى يضيف الجلال في مسألة التضييق على الحرية الصحفية يقول: أما التضييق الذي يقوم به جهاز الأمن، والحكومة السودانية، والمؤتمر الوطني على الصحافة السودانية جعل دور المحقق الصحفي يتراجع كثيرا، بالرغم من كونه رأس الرمح، وحجر الزاوية في العملية الصحفية، وهو اللاعب الأساس في وضع الحقائق، وكشفها، وكشف التزوير، والفساد- سواء أكان ماليا أو إداريا- والتضييق على الصحافة جعل دور هذا المحقق ثانويا، ولو توفرت الحرية لكان المحقق والمخبر اللاعب رقم واحد، وفي ظل التضييق أصبحت المعادلة معكوسة، وأصبح كاتب العمود هو النجم الأوحد مستحوذا على الأضواء، والشهرة، وتقدير القراء، بالتالي العائد المادي الأكبر.

فتحي الضو يتحدث
الصحفي والكاتب الشهير فتحي الضو صاحب المؤلفات الباذخة والمثيرة للجدل يشرّح أزمة الصحافة السودانية من جميع النواحي والتقاطعات المتعلقة بها، وهذه إفادته- كما كتبها عبر البريد الإلكتروني من مقر إقامته في الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة بعد حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب؛ فيقول: كلنا يعلم أن الصحافة هي مرآة المجتمع، لكن تظل هذه العبارة الواقعية ناقصة ما لم نكمل تعريف هذا المجتمع، ومكوناته الثقافية، والسياسية، والاجتماعية.

وفي سياق آخر تكون العبارة أكثر واقعية وصدقاً في ظل المجتمع الذي يعيش في كنف نظام ديمقراطي يقدر دور الصحافة، ويعدّها أحد أركانه- عندئذ- تلعب الصحافة ذلك الدور على الوجه الأكمل، وتكون بوصلة الرأي العام في التعامل مع قضاياه المختلفة- بالطبع- نجد أن عكس ذلك- تماماً- الصحافة التي تعيش في ظل الأنظمة الشمولية، والديكتاتورية؛ حيث تتهشم المرآة- تماماً- وتصبح الصحافة مجرد أداة في يد السلطة، توجهها حيثما شاءت، وتدجنها وفق هواها، وتطوعها كيفما اتفق، بالتالي ليست ثمة دور يرجى منها في مثل تلك الظروف، التي تتضاءل فيها الحريات العامة- جميعها- بما في ذلك حرية الصحافة، ولعل الأنكأ وأمر أن تتجاوز تلك الأطر، ويصبح دورها تضليليا لا يمت إلى الواقع بصلة.
أقول كل ذلك؛ لكي أؤكد أن الموضوع محور الاستطلاع أبعد من المسائل، والفوارق المادية؛ فنحن لا يمكن أن ننظر إلى هذه القضية أو أي قضية ذات صلة بالصحافة السودانية بمعزل عن المناخ السياسي الذي ينتج السلطة الحاكمة سواء أكانت ديمقراطية منتخبة، أو ديكتاتورية شمولية، وصلت إلى الحكم بوسائل غير مشروعة، وأصبحت تمارس هوايات البلطجة في سبيل الاحتفاظ بالسلطة، وإقصاء الآخر، وممارسة الفساد والاستبداد بصورة مطلقة، من هذه الزاوية كلنا يعلم أن الصحافة السودانية غرقت في ذلك الوحل الأليم- أي واقع الأنظمة الديكتاتورية التي استهلكت أكثر من ثلثي سنوات ما بعد الاستقلال؛ حيث تحكمت ثلاثة أنظمة ديكتاتورية في مصائر البلاد، والعباد، وكانت الحريات العامة هي كبش الفداء، وفي طليعة هذه الحريات جاءت حرية الصحافة المسلوبة؛ ولهذا لم يكن غريباً أن تنال النصيب الأكبر من تلك الانتهاكات، الأمر الذي قاد إلى هذا التدهور المريع على كافة الأصعدة، وحوَّل القضية السودانية من قضية سياسية إلى قضية أخلاقية من الدرجة الأولى بامتياز.

طبقاً لكل هذا- أصبحت الصحافة السودانية تعاني من اختلالات بنيوية ابتداءً من رسالتها، وانتهاءً بالغاية المرتجاة من هذه الرسالة، وأعتقد أن العبارة المأثورة القائلة: (إنها أصبحت مهنة من لا مهنة له) تتسق- تماماً- وواقع بعض الصحافيين، وملاك الصحف- تحديداً- الذين اتخذوها وسيلة للثراء مقابل ضمان ولائهم للسلطة القائمة، والحقيقة أن القارئ والمتابع السوداني من الحصافة بمكان؛ لدرجة أنه يغنيك عن الأشارة مباشرة إلى نماذج من سدنة واقع له لسان وشفتين.

فالسلطة الحاكمة يهمها في المقام الأول أن تضمن ولاء القائمين على الصحف، بصور شتى، وتحت غطاءات مختلفة، الأمر الذي أوجد ظاهرة الصحافيين الذين تطاولوا في البنيان، ووجدوا أنفسهم يعيشون في ثراء أعمى بصرهم وبصيرتهم من التعامل مع قضايا المجتمع بصورة مسؤولة، هؤلاء بدورهم يفعلون ما فعلته السلطة معهم في شراء الولاءات، فيسعون إلى بناء ما أسميه (إمبراطورية الخوف)، تلك التي تركز اهتماماتها نحو حماية الشخص- أي الشخص الذي يكون غاية همه أن يغدق من نصيبه على أصحاب أقلام بعينها؛ حتى يحيط نفسه بهالة، وهي في ظنه تشكل له حماية من أن يفقد تلك المخصصات، والتي تأتي كما ذكرنا- بأشكال مختلفة، وبوسائل وطرق مختلفة- أيضاً- وذلك إلى حد بعيد ممكن أن يفسر لنا ظاهرة مخصصات بعض ما يسمون بكُتّاب الرأي العام.

لو كانت الصحافة تعيش وضعاً طبيعياً لن يجد هؤلاء موطئ قدم في ساحاتها، كذلك ضمن تلك الاختلالات البنيوية هي أن يصبح هؤلاء الكتاب أكثر أجراً من الصحافيين المحررين رغم أن الأخيرين هؤلاء هم الأكثر عطاءً، وهم وقود الصحيفة الذي تسير به، وهم عينها التي ترى، وأذنها التي تسمع، ولسان حالها الذي ينطق.

تبعاً للأسباب- التي ذكرناها أعلاه- تجردت الصحافة السودانية من أهم أعمدتها، وهي الأخبار، فعلاوة على أن السلطة الحاكمة تغذيها بالأخبار الزائفة، نجد أن هذه الأخبار- نفسها- أصبحت لا تهم القارئ كثيراً؛ لأنه يعيشها على أرض الواقع، ويعلم أنها لا تعبِّر عن ذاك الواقع، بالتالي هو لا يحتاج إلى قراءتها، ففقدت الصحف المصداقية وهي روح الصحافة، عليه فالضحية الأولى هو المحرر صانع الخبر، الذي يتضاءل دوره، ويصبح عند ملاك الصحف أو البرجوازية الصغيرة- بتعبير الماركسيين- مجرد رقم مادي لا يغني ولا يسمن من جوع.
إن أخطر ما في ظاهرة الاختلالات المادية بين المحرر والكاتب هي انبعاث المشاعر السالبة؛ فالمعروف- بصورة عامة- أن هذه المشاعر السالبة تزداد- دائماً- في ظروف الأنظمة الديكتاتورية، مثل الحقد، والحسد، والكراهية، والشحناء، والبغضاء، والنفاق، وهلمجرا؛ ذلك نتيجة التفاوت الطبقي، وانعدام العدالة الوظيفية، والاجتماعية، ومن يصب بهذا فلا يرجى منه إصلاحاً للمجتمع، أو توجيهاً له من خلال الصحافة- كما هو مفترض؛ باعتبار أن فاقد الشيء لا يعطيه، ويصبح المناخ الصحافي- برمته- غير صحي- على أقل تقدير- كما هو الآن.
في تقديري إن الاختلالات المذكورة حتما سوف تدفع ذوي الحقوق المهضومة إلى واحد من سبيلين- إما التحلحل من القيم الصحافية، والبحث عن وسائل أخرى لكسب العيش في ظل أزمة اقتصادية لا ترحم، وإما التمسك بجمرة تلك القيم المثالية بمنطوق (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها) إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

أنا لا أتحدث بصفة عامة؛ فأرجو ألا يتبادر إلى ذهن القارئ أنني أتحدث بصورة مطلقة عن الثلاثي المذكور- المحرر والكاتب والناشر- لكنني لن أخفي تعاطفي مع المحررين من جيل الشباب الذين اكتووا بالنارين- الحريات، والحقوق المهضومة- وللأسف- فهو تعاطف لا يجعلهم ينعمون بالحرية، ولا ولن يغني أو يسمن من جوع.

الحقيقة السوء قد لازم كل شيء، ليست الصحافة- وحدها- ولو سألني سائل وقال لي: هل ما تراه هي الصحافة السودانية التي تجاوز عمرها المئة عام؟، سأقول له- بكل طيب خاطر: (يفتح الله)؛ فقد كثرت الأكاذيب، والأباطيل، وتعددت ألوان الخداع، والفهلوة، وتضاءلت المعايير الأخلاقية، وأصبح القياس صعباً.. لكن هكذا هو السودان- الآن- الذي قال شاعره علي نور (المال عند بخيله والسيف عند جبانه)، أما الآخرون فلا يملكون سوى مزيد من القلق في عصر الانحطاط”. انتهت إفادة فتحي الضو وأترك القارئ؛ ليراها بمنظوره، وربطها بالواقع.

المغريات في الحقل الصحفي تؤثر على المهنية
الكاتب الصحفي في جريدة الجريدة زهير السراج يرى أن هناك خطأ في مفهوم أن كل الكتاب يتقاضون أجورا عالية تفوق أجور الصحفيين، فيقول متناولا المشكلة إطار التحقيق: مهنة الصحافة حساسة إلى درجة بعيدة، والصحفي يجب أن يكون مستقرا- ماديا، ونفسيا؛ حتى يتجنب المغريات الكثيرة المتاحة للصحفيين، سواء أكانت من مؤسسات عامة أو خاصة، وبالرغم من كل هذه المغريات نجد أن الصحفيين السودانيين- خاصة الشباب- عفيفو النفس، ومهنيتهم عالية، ومستقلون ذاتيا مهما كانت ظروفهم المادية، لكن هذا الكلام بأي حال من الأحوال لا يمنع أن يطالبوا بحقوقهم، وأن ينالوا التقييم المادي المناسب، لكن المشكلة سببها الناشرون في التقييم، وهناك فهم خاطئ في التعميم أن كل الكتاب ينالون أجرا عاليا؛ فبعض الكتاب الذين لهم أسماء معروفة لا يأخذون مقابلا فيما يكتبون، ومسألة غلبة الرأي في الصحافة؛ نتيجة للتعتيم على الأخبار حتى الآن، بالرغم من أن هناك قانونا يلزم المؤسسات الحكومية بإتاحة الأخبار للصحافة؛ لهذا السبب نجد أن صحافة الأخبار والتحقيقات توارت إلى الوراء قليلا، ويرجع السراج مسألة غلبة الرأي إلى أن كتاب الرأي بحكم أعمالهم الأخرى غير الصحافة تتوفر عندهم مصادر تمدهم بالمعلومات، لكن عندما تعتمد الصحافة على الرأي ينشأ وضع مختل، خاصة فيما يتعلق بالأجور.
ويدافع السراج عن الرأي قائلا: الرأي موجود في الصحافة العالمية، ووضع السودان في الصحافة ليس نشازا، لكن في الصحف العالمية الفوارق المادية بين الكاتب والصحفي ليست كبيرة إلى درجة تجعلها واضحة- كما هو الحال في السودان- على الأقل- ينال الصحفي في تلك الصحف الأجر الذي يوفر له الحياة الكريمة.

وهناك خلل آخر في الصحافة، وهو يتعلق بمسألة استغلال الصحف لصغار الصحفيين، والمتدربين، فتمنحهم أجورا زهيدة جدا- وأحيانا- لا تعطيهم حتى حق المواصلات، لكن مع ذلك الصحفي المجتهد يصنع له وضعا مميزا، وإذا أخذت المؤسسة التي أعمل فيها أقول إن الوضع مريح بحكم أن الناشر- أصلا- خرج من الوسط الصحفي، وله ماجستير في الصحافة، فيعطي الصحفيين أجورا مجزية إلى حد ما، ويلتزم بهذه الأجور في مواعيدها المحددة، وأحيانا قبل موعدها، لكن مهما يكن من أمر فهناك خلل منهجي في الصحافة السودانية ينبغي معالجته من داخل المؤسسة الصحفية.

تحقيق: نصر الدين عبد القادر
صحيفة التيار