«ناس» السودان.. «مرحب بيكم»!

عندما رأيت الوفد السوداني الكبير يقف صفا للتعزية في وفاة الأمير محمد الفيصل، رحمه الله، تداعت الذكريات، ففي عام 2002 سافرت كإعلامي مع الأمير وابنه الأمير عمرو إلى الخرطوم بمناسبة اجتماعات بنك فيصل الإسلامي. أذهلتني الحفاوة التي استقبلونا بها والشعبية التي يتمتع بها الملك فيصل رحمه الله، وإخوته وأبنائه.

وفي مناسبة احتفالية كبيرة ألقى الأمير الذي قاد التوجه العربي للاستثمار في السودان ومول مصرفه مشاريعه التنموية، كلمة مرتجلة، فلمست تجاوب الجماهير مع إطلالته وكلماته. وعندما أعلن في نهاية خطابه: «فأنا عربي الانتماء، سعودي الوطن، سوداني الهوى!» ضجت القاعة بالتصفيق وتلاطمت أمواج المشاعر، وردد الناس جملته طويلا بعدها. قلت له وقتها: رأيت فيك فيصل بن عبدالعزيز، ورأيت فيهم ذات القلوب التي احتفت به في زيارتيه للسودان (66-1967م)، ثم بأخيه الملك خالد عام 1976م. الذي بيننا في الجزيرة العربية والخليج العربي وبين السودان شأن كبير، وجسر عظيم، ولكننا بحاجة بين حين وحين لأن نحتفي به ونحييه.

تذكرت هذا الموقف عندما شارك الجيش السوداني مع جيوش الخليج في تحالف عاصفة الحزم لتحرير اليمن، وفي التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، ولما قطعت الخرطوم علاقاتها مع إيران بعد الاعتداء على الممثليات السعودية وأنهت التفاهمات العسكرية والأمنية معها وأغلقت المراكز «الخمينية» وطردت دعاة الفتنة المذهبية. وتذكرته في موقف قطر لدعم جهود السلام وإعادة الإعمار التي توجت بوثيقة الدوحة للسلام في دارفور في 2015، ومؤخرا بعد نجاح جهود الملك سلمان في رفع العقوبات الأميركية الاقتصادية جزئيا عن السودان.

والاهتمام الخليجي، وخاصة السعودي-القطري، ببلاد النيلين، الذي تجلى في الدعم السياسي والاقتصادي والتعاون العسكري والأمني والتعليمي، إضافة إلى الاستثمارات المختلفة واستضافتنا لملايين الإخوة للعمل والدراسة والاستثمار، يأتي استمرارا للتواصل التاريخي بين ضفتي البحر الأحمر، وتأكيدا على الارتباط الأزلي بين العرب.

ونشير هنا إلى مقررات الملتقى الاستثماري السعودي السوداني الذي انعقد عام 2014 في الرياض، بأن يوفر السودان أراضي زراعية مميزة ومصادر للمياه وأن يتولى رأس المال السعودي دعم البنى التحتية لمشاريع الاستثمار الزراعي والحيواني، علما بأن السودان يمتلك 200 مليون فدان صالحة للزراعة مع مصادر متنوعة للمياه من أنهار دائمة وموسمية، ومياه جوفية وأكثر من 100 مليون رأس من الماشية و45 مليونا من الدواجن وثروة سمكية تقدر بـ100 ألف طن للمصائد الداخلية و10 آلاف طن للمصائد البحرية.

وروج السودان في هذه المناسبة لـ356 مشروعا استثماريا بتكلفة تقدر بـ30 مليار دولار، وتشمل 117 مشروعا في القطاع الزراعي بمساحة ثمانية ملايين فدان مكتملة الخدمات، و76 في القطاع الصناعي و147 في قطاع الخدمات الاقتصادية و16 في قطاعي النفط والمعادن.

ومؤخرا قام وفد سوداني يرأسه إبراهيم محمود حامد، مساعد رئيس الجمهورية، بزيارة للدوحة لتعريف رجال الأعمال القطريين بالمناخ الاستثماري في السودان. وفي لقاء بغرفة قطر أشار الدكتور أحمد محمد الصادق وزير المعادن السوداني إلى أن إجمالي شركات التعدين في 12 ولاية سودانية وصل إلى 351 شركة، منها 52 شركة أجنبية، وأن بلاده غنية بالموارد الطبيعية الخام والمعادن كالذهب والزنك والنحاس، وأن عدد المشروعات القطرية في ولايات السودان المختلفة قد بلغ 60 مشروعا في مختلف القطاعات (الزراعية الصناعية، الخدمية والعقارية والتعدين) برأسمال قدره 1.7 مليار دولار.

مرحبا بـ «ناس» السودان في السعودية وقطر ودول الجزيرة والخليج. وأنقل لهم عبر «العرب» دعوة زيارة لخادم الحرمين الشريفين وإخوته قادة الخليج ومواطنيهم ليلمسوا كم الحب والتقدير لهم، مرددين مع الفنان الراحل-المقيم سيد خليفة (ازيكم.. اشلونكم.. أنا من زماااان ما شفتكم).;

د. خالد محمد باطرفي
العرب

Exit mobile version