د. قطبي المهدي: شركة (شيفرون) الأمريكية وصلت الخرطوم قبل رفع العقوبات وأمريكا فرضت العقوبات على السودان من أجل عيون إسرائيل

تحدَّيتُ الـ(سي آي أيه) في موضوع الإرهاب حينما كنت مديراً لجهاز الأمن الخارجي
العلاقات بين الخرطوم وحماس يجب أن تستمر

أمريكا فرضت العقوبات على السودان من أجل عيون إسرائيل
تحرُّر أوباما من (الكونجرس) ساعد على إصدار القرار قبيل مغادرته

حذر القيادي البارز في الحركة الإسلامية، وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، د. قطبي المهدي، من مغبة التخلي عن دعم القضية الفلسطينية، واصفاً دعم الخرطوم لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأنه أمر مبدئي لا يجب التراجع عنه.

وفي حواره مع (الصيحة) يكشف د. قطبي البعيد عن كابينة الحكم حالياً، بالرغم من تقلده مناصب عديدة أهمها الأمن الخارجي، عن الدوافع والمسببات التي أدت لفرض العقوبات الأمريكية على السودان، والبواعث التي أدت لرفعها بعد عقدين من الزمان.

§ ذكرت في تصريحات صحفية أن واشنطون رفعت العقوبات عن السودان بسبب تخلي (الإنقاذ) عن الشريعة الإسلامية؟
– ذكرت في إطار سرد تاريخ العلاقات السودانية الأمريكية أن واشنطون كانت تطالب بأشياء محددة منها مسألة مكافحة الإرهاب، والذي كان مطلباً ملحاً وحقيقياً في ذلك الوقت .

§ بمعنى أن أمريكا كانت تعتبر الشريعة الإسلامية نوعاً من الإرهاب؟
– أمريكا تتخوف من الإرهاب أكثر من حمل السلاح، بل تعتبر الإرهاب أقوى من كل جيوش العالم، ويصعب التعامل مع الإرهاب، ويمكن أن يلحق بهم أذى كبير جداً .

§ ماذا تقصد أمريكا بالإرهاب؟
– كان هنالك خلاف بين الخرطوم وواشنطون حول تعريف الإرهاب، فأمريكا ترى كل من يحمل سلاحاً هو إرهابي بل أحياناً إذا لم تحمل سلاحاً وتعارض بالكلمة تعتبر إرهابياً، وهنالك من يناضل من أجل حقوقه ويصنف بأنه إرهابي.

§ إذاً، لم تقل إن الشريعة الإسلامية كانت الثمن لرفع العقوبات الاقتصادية؟
– ذكرت ذلك، ولكن ليس بهذا الكيفية التي يتحدث عنها الإعلام.

§ الإنقاذيون ظلوا يرددون القول إن أمريكا ترهن تحسن علاقاتها مع الخرطوم بتخلي الأخيرة عن الشريعة؟
– أمريكا في بداية الأمر لم تكون رافضة لنظام الإنقاذ، ولكن كان الخلاف الأول حول الشريعة الإسلامية .

§ لم تكن رافضة؟!
– ذكرت لك أن أمريكا لم يكن لديها اعتراض على نظام الإنقاذ ولكنها كانت معترضة على الحكومة .

§ وما الفرق بين نظام الإنقاذ والحكومة؟
– الحكومة المقصود بها مجلس الوزراء، وأمريكا كانت محتجة ومنزعجة من وجود عدد من الوجوه الإسلامية داخل مجلس الوزراء.

§ ما الذي كانت تريده واشنطون وقتذاك؟
– أمريكا كانت تريد عددا قليلاً من الإسلاميين داخل مجلس الوزراء، ولكن لم تكن ترغب في خروجهم بصورة كلية من الحكومة .

§ لِمَ؟
– خوفاً من عودة الإسلاميين، لذا كانت تريد تقليل حجمهم داخل الحكومة.

§ المتتبع للتاريخ يجد أن الاعتراضات لم تكن على وجود الإسلاميين وإنما على نهجهم باتباع الشريعة؟
– هي كانت لا تريد الشريعة الإسلامية، وتفضل إبعادها وإبعاد الأصولية الاسلامية، وهذه هي مخاوف أمريكا (الأصولية والإرهاب وتكوين الحكومة من الإسلامييين).

§ في أي مرحلة كانت هذه المطالب؟
– في بدايات الإنقاذ.

§ لكن أمريكا وضعت خمسة اشتراطات لرفع العقوبات لم يكن من بينها إلغاء العمل بالشريعة الإسلامية؟
– الشروط الخمسة التي وضعتها أمريكا في ظاهرها الخوف من الشريعة الإسلامية، والشيطان في التفاصيل .

§ بمعنى؟
– مثلاً في موضوع الإرهاب يمكن أن تشترط على السودان عدم التعاون مع الإخوان المسلمين وحماس لكونهم منظمات إرهابية .

§ أليسوا هم كذلك؟
– اللوبي الصهيوني هو من يصر على تصنيف حماس والإخوان كجماعات إرهابية، والأمريكان ليس لديهم مشكلة في التعامل مع الإخوان، وكذلك اليمين المسيحي المتطرف وأصحاب التركيبة الإمبريالية لا يريدون احترام الأديان، ولا يحبون العدالة، وستكون هنالك مشكلة في التعامل مع جهات مثل حماس والإخوان المسلمين.

§ بصورة عامة كيف تنظر لرفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان؟
– أمريكا لم تفعل معروفاً للسودان برفع العقوبات، وهو عطاء من لا يملك لمن يستحق، نحن من حقنا تنمية بلدنا، والتعامل مع العالم. لكنهم فرضوا علينا حصاراً ظالماً، ونحن قبلنا حصارهم ومقاطعتهم، ولكن أمريكا فرضت على الدول الأخرى مقاطعتنا كذلك، وبصورة متطرفة جداً. حتى مع كوبا لم تتعامل أمريكا بهذا التطرف.

§ إلى أي شيء تعزو تطرف أمريكا مع السودان؟
– هو تطرف غير مبرر، ويؤكد عدم التوزان الأمريكي في العلاقات مع السودان. وواشنطون تتطرف مع الخرطوم لمصالح بعض الجهات غير الأمريكية .

§ هل تقصد بها إسرائيل؟
– نعم، بالضبط لصالح إسرائيل، خوفاً من اللوبي الصيهوني المتطرف. وتلك جهات لا تمثل في الحقيقة المصالح القومية الأمريكية.

§ أهو حديث على عواهنه أم مسنود بأدلة؟
– كوبا كانت تشكل تهديداً شديداً على أمريكا، والكل يذكر أزمة (الصواريخ الكوبية – 1962م)، حينما رفعت عنها العقوبات، تم إخطارها بأن العقوبات سترفع بعد عام، ولكن بالنسبة للسودان تم إعلان القرار بصورة مفاجئة .

§ وما الذي يعنيه ذلك؟
– المدهش حقاً أنه حتى قبل سريان القرار وصلت شركة شيفرن الأمريكية للسودان .

§ (شيفرون) النفطية وصلت الخرطوم قبل صدور القرار؟
– نعم وصلت الخرطوم قبل يوم الثلاثاء، وهو يوم سريان تنفيذ القرار.

§ على ماذا يدل هذا التسرع من قبل شركة شيفرون؟
– يدل أن الاتهامات التي صيغت ضد السودان كانت مفبركة، إذ لا يمكن تصوير السودان بكل هذه البشاعة، ثم تأتي لترفع المقاطعة التي فرضتها عليه بهذه الصورة المفاجئة.

§ يقال إنه لولا الرئيس باراك أوباما لما رفعت العقوبات على السودان؟
– أوباما – أصلاً- منذ بداية حكمه أراد رفع العقوبات لأنه لم يجد مبررا أخلاقياً لفرض هكذا عقوبات متطرفة ضد السودان.

§ إذن لماذا انتظر ثماني سنوات وقام بذلك قبيل مغادرته البيت الأبيض بأيام؟
– أوباما كان (خايف) من الكونجرس، وذكر هذه النقطة تحديداً.

§ متى؟
– قالها للوسيط الأفريقي رفيع المستوى، ثامبيو أمبيكي، ومما قاله إن امريكا ليست لديها مشكلة مع السودان بل المشكلة في الكونجرس. وفي ذات الصدد أخبرنا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن أمريكا ليست لديها مشاكل مع السودان .

§ أيضاً متى أخبركم كيري بذلك؟
– ذكر ذلك خلال زيارته للسودان .

§ لم تجب على سؤالي، لماذا رفع أوباما العقوبات قبل ساعات من انتهاء حكمه رغم كل ما ذكرته عن الكونجرس؟
– أوباما رفع العقوبات لأنه لا يوجد شيء يخسره، وهو لا يرغب في الترشح مرة أخر للحكم، لذلك لم يخش الكونجرس واتخذ قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان .

§ كيف تنظر لحديث أوباما عن إخطاره للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بأنه بصدد رفع العقوبات المفروضة على السودان؟
– صحيح، أوباما أخطر ترامب، وترامب أيد القرار، وذكر أنه كان محتجاً على القرار منذ البداية، وترامب نفسه قال إن قرار رفع العقوبات جيد، وأنه لا ينبغي وضع أي متاريس في طريق مصالح الولايات المتحدة.

§ حينما كنت مديراً للأمن الخارجي هل أجريت مباحثات مع المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) لرفع العقوبات؟
– نعم، أجريت معهم مفاوضات مكثفة، وحينما كنت في وزارة الخارجية دخلنا معهم في مشاورات عبر سفارة واشنطون بالخرطوم .

§ لم نر طحيناً لهذه المشاورات؟
– السفير الأمريكي وقتذاك كان مصراً على وجود معسكرات للإرهابيين في السودان، وأذكر كان اللقاء يضم علي سحلول وزير الخارجية وقتها، وعبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق، وفشلت المباحثات .

§ متى انعقدت تلك المباحثات؟
– في العام 1993م .

§ وتوقف الحوار بعدها؟
– حينما كلفت بإدارة الأمن الخارجي تمت إثارة قضية الإخوان العرب والإرهابيين وبعض الاتهامات الأخرى، تحاورت حينذاك مع سوزان رايس، وشخص آخر، ورفضوا ان تدخل معنا (سي آي إيه) في أي حوار، وكنت أتحداهم وأقول بانتفاء وجود معسكرات للإرهابيين بالسودان .

§ ما الذي حدث بعد ذلك؟
– تجاوزنا (سي آي إيه) واتجهنا بالحوار مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الإمريكي (اف بي آي) فاستجابوا في بداية الأمر ولكنهم تعرضوا لضغوط من المخابرات الأمريكية فتراجعو عن الحوار معنا .

§ لماذا تحسبهم تراجعوا؟
– اتفقت معهم على تشكيل لجنة مشتركة من المخابرات السودانية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، للوقوف على حقيقة معسكرات للإرهابيين المزعوم بالسودان حينها، ولكن تم تحذيرهم من المضي قدماً في الموضوع لأن المخابرات الأمريكية تعلم عدم وجود معسكرات إرهابيين ولكنها كانت تكابر .

§ لكن جهاز الأمن دخل في حوار مباشر وناجح مع المخابرات الأمريكية بعد ذاك؟
– جهاز الأمن نحج في الحوار معهم، وكانت النتيجة تدليلاً على أن السودان ليس دولة راعية للإرهاب ومع ذلك لم يرفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب .

§ في تقديرك ما هي أكثر جهة لعبت دوراً بارزًا في رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان؟
– الدبلوماسية السودانية، لكن المصالح الأمريكية نفسها حتّمت في نهاية المطاف رفع العقوبات خاصة أن أوباما كان على قناعة بعدم صحة هذه العقوبات .

§ وقف التعاون بين الخرطوم وحماس هل لعب دوراً في رفع العقوبات؟
– لا أظن أن العلاقات مع حماس قد قطعت، وأنا أتخوف من الفرح برفع العقوبات، وأتساءل ماذا قدمنا للأمريكيين حتى يتم رفع العقوبات. وأقول إن الأمريكيين لهم اشتراطات محددة، وهم لا يعطون شيئاً دون مقابل ومطالب، وهذا سؤال مهم، وأنا أثق في القيادة السودانية وقدرتها على التعامل مع الموضوع، ولكن مصداقيتنا أيضاً مهمة .

§ ماذا الذي تريد أن تقوله؟
– أريد القول يجب عدم التراجع عن القضايا الأساسية .

§ تقصد دعم حماس؟
– قضيتنا ليستت حماس، بل قضيتنا هي فلسطين والقدس .

§ وهل ينبغي على الخرطوم الاستمرار في دعم حماس؟
– يجب ألا تنقطع العلاقة مع حماس، وليس فقط حماس بل مع كل الفلسطينيين.

§ بناء على الواقع الجديد، هل تتوقع استمرار العلاقة بين الخرطوم وحماس؟
– ما يهمنا هو القدس، وهي قضية تهم كل المسلمين في العالم، وهذه قضايا مبدئية يجب عدم التراجع عنها، وأعلم أن هنالك ضغوطاً من اللوبي الصهيوني على الحكومات الأمريكية (لحشر) قضية حماس في الحوار بين الخرطوم واشنطون، وعلى الحكومة ألا ترضخ لضغوط اللوبيات الصهيونية.

حوار: عبد الرؤوف طه
صحيفة الصيحة

Exit mobile version