حوارات ولقاءات

الإمام الصادق المهدي في حوار ما قبل العودة: المنافي لم تكن خياراتي.. و”تهتدون” كانت عملية عسكرية وليست هروباً

أكد رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي، أن المنفى لم يكن من ضمن خياراته عقب تخرّجه في جامعة أكسفورد، غير أنه كشف عن ظروف سياسية مختلفة دفعته لقضاء أكثر من اثني عشر عاماً من حياته في المنفى خارج البلاد لثلاث فترات متباعدة، واحدة منها في العهد المايوي، واثنتان في ظل نظام الإنقاذ.

وشدَّد إمام الأنصار في حواره مع “الصيحة” على أن اختياره العودة إلى السودان عقب اتفاقات يبرمها مع الأنظمة التي تسبّبت في هجرته يعود إلى حرصه على الحلول السلمية التي تُسهم في استقرار البلاد.

*لنعُد بك إلى الوراء، وتحديدًا إلى العام 1957 الذي اتخذت خلاله قرارًا بعدم مغادرة السودان، نرجو التوضيح أكثر؟

نعم، هذه حقيقة.. فقد بدأت الدراسة الجامعية بالسودان في جامعة الخرطوم في العام 1953، وشاءت الظروف أن أنضم إلى الكلية في خواتيم السمستر الأول، حيث أكد عميد كلية العلوم نقلي إلى السمستر الثاني حال نجاحي في الامتحانات، وقد نجحت، فكان أن اجتمع مجلس “السنت” وقرر أنه إذا تم نقلي للسمستر الثاني فإن هذه سابقة في تاريخ الجامعة، فتم إصدار قرار برفض نقلي، غير أن عميد كلية العلوم أخبرني بأنه خريج كلية أكسفورد وباستطاعته أن يقدم أوراقي للجامعة العريقة إذا رغبت، فكان أن وافقت، والتحقت بأكسفورد، وأكملت تعليمي، وبعد عودتي اتخذت قراراً بعدم الخروج من السودان، وكان ذلك في العام 1957، ولكن وكما قال الإمام علي “عرفتُ ربي بنقض العزائم”، بمعنى أن الإنسان يريد شيئاً ورب العباد يفعل ما يُريد، حيث وجدتُ نفسي بعد ذلك أمام مواجهة حياة المنافي في ثلاث مرات متنقّلاً في مختلف دول العالم.

*إذن دعنا نتعرّف على تفاصيل ما قبل أول تجربة لك في المنفى؟

قبل الدخول في تجربتي مع المنفى الأول، أشير هنا إلى أن نظام مايو وللمفارقة، أودعني المعتقل ولم يفعل ذات الشيء تجاه رئيس الوزراء الذي انقلب النظام على حكومته، وكان النظام المايوي يخشى ما يمكن أن أمارسه ضده، لذلك دبَّروا لي مكيدة في العام 1971 تحت مسمى “المؤامرة العنصرية”، وعقدوا مؤتمرًا صحفياً أعلنوا من خلاله محاكمتي، وكشفوا عن أدلة اتهامي المزعومة التي كانت مضحكة تؤكد بأن الأمر تم بتدبير متعمَّد للنيل من شخصي وإضعاف حزبي، حيث أحضروا مسدساً في شكل قلم وأشاروا إلى أنني كنتُ أود قتل بابكر عوض الله به، ولكن فشلت تلك المكيدة التي حيكت ضدي.

* لم يتم إطلاق سراحك عقب تلك الحادثة؟

نعم، ظللتُ في السجن إلى أن تم إبرام اتفاقية الجنوب عام 1972، وقد حوى الاتفاق عدداً من النصوص، ومنها بند حقوق الإنسان الذي ينص على إطلاق سراح المعتقلين أو أن يتم تقديمهم للمحاكمة، وبما أنه لم توجد أدلة اتهام ضدي تم إطلاق سراحي، وكان ذلك في العام 1973.

* الأحزاب استفادت من حرية الحركة التي أتاحها لها النظام المايوي؟

نعم.. ففي فترة حرية الحركة أرسلت الفقيد عمر نور الدائم إلى ليبيا لإنشاء علاقة مع نظام القذافي، وبالفعل ذهب، وكان الجانب الليبي يريد إنشاء علاقة مع حزب الأمة فقط، ولكن كان رأينا أن يشمل الاتفاق كل القوى السياسية المعارضة بالسودان، وبالفعل هذا ما حدث، ولكن عند توقيع الاتفاق في ليبيا تم اعتقالي مجدداً في ديسمبر عام 1973، وكان تفكير النظام المايوي أن أظل في المعتقل رهينة حتى يشلوا حركة الجبهة في ليبيا، وأثناء وجودي في المعتقل فكّر عدد من الأطباء في إيجاد مخرج لي من السجن وكان على رأسهم الدكتور أحمد عبد العزيز، ووقتها كنتُ أشكو “حموضة”، وأوصى الأطباء بضرورة خروجي من المعتقل، وموقفهم كان وطنياً في المقام الأول وليس لأنني مريض.

*ماذا فعلت بعد خروجك من المعتقل؟

بعد خروجي من المعتقل كان الرئيس الراحل جعفر محمد نميري أصدر قرارًا يقضي بإلغاء كل القرارات الليبرالية المتعلقة باتفاقية الجنوب، فقررتُ الخروج من السودان بادعاء السفر من أجل العلاج، وفي ذلك الوقت كوّن الإخوة الشريف الهندي وعثمان خالد وعمر نور الدائم الجبهة الوطنية، وكان ذلك في العام 1974، وأول وجهة بعد خروجي من السودان واختيار المنفى كانت بريطانيا.

*ثم جاءت أحداث يوليو عقب ضرب الجزيرة أبا؟

نعم، فقد أسهمت ضربة الجزيرة أبا في زيادة حنق وغضب الأنصار على نظام نميري فخرجوا في هجرة إلى إثيوبيا، وتم تدريبهم، وبعد اتفاقنا مع الليبيين تم نقلهم إلى مدينة الكفرة الليبية، ثم كان التخطيط لانتفاضة يوليو في عام 1976، وأهم ما شهدته فترة المنفى الأولى توحيد المعارضة تحت مظلة الجبهة الوطنية، وتدعيم العلاقة مع ليبيا وتكوين قوات أتاحت لنا جميعاً فرصة التدريب العسكري، وكانت الفكرة أن نحرر الخرطوم عن طريق هذه القوة وفي الأثناء تم توحيد العمل السياسي والاتفاق على ميثاق للمستقبل.

*وماذا فعلت بعد ذلك؟

بعد أحداث يوليو اقتنع الرئيس الراحل نميري بأن القوى التي كان يعتقد أنه قد قضى عليها لا تزال موجودة ومؤثرة وبإمكانها أن تكرر ما حدث، وبدا مستعداً للمصالحة والتي جرت قبلها الكثير من المياه تحت الجسر، وقد كان صاحب مبادرتها رجل الأعمال فتح الرحمن البشير.

*ثم ذهبت إلى مدينة بورتسودان؟

التقيتُ فتح الرحمن البشير بعد ذلك، وأكد استعداد نميري للاتفاق، وذكرتُ له إذا كان نظام مايو على استعداد للقبول باسترداد الديمقراطية فأنا على استعداد لمقابلته، فكان أن تم تحديد مدينة بورتسودان التي كانت غير متفق عليها مع زملائي في الجبهة لتكون وجهة للقاء، لأنني لم التقهم بعد موافقتهم على المصالحة، وقد قررتُ وقتها المغامرة، وكنتُ أعتقد أن نميري إذا غدر بنا في بورتسودان فإنه سيواجه الكثير من المتاعب، وعلى هذا الأساس وفي عام 1977 توجهت من ليبيا إلى بورتسودان، ونميري بصفته مقاتلاً أُعجب بحضوري وعدم مطالبتي بضمانات، فكال لي الثناء بل كان يصفّق لحديثي، حيث أشدت باتفاقية الجنوب التي اعتبرتها قد جاءت استناداً على تحضير فترة الديمقراطية، وأن الغرب عمل على مكافأة نميري لأنه بطش بالشيوعيين، وشدَّدتُ على ضرورة إعادة الديمقراطية.

*لقاء بورتسودان أنهى فترة المنفى الأول؟

عدتُ إلى السودان، وتم إطلاق سراح جميع المعتقلين، لكن نميري لم يعمل على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في بورتسودان، ورغم ذلك كان يوجد هامش حرية أتاح لنا استمالة نقابات واتحادات إلى صفوفنا، وهذا أفرز معارضة حقيقية، كما أن العودة مهدّت إلى انتفاضة رجب أبريل عام 1985، وهذه هي بعض ملامح الفترة الأولى للمنفى في عهد نميري.

*كانت تلك التجربة الأولى مع المنفى، ماذا عن الثانية؟

بعد تلك التجربة قررتُ ألا أكرّرها مجددًا وأن أتخذ المعارضة من الداخل منهجاً، ولكن وكما أشرتُ من قبل، فإن الإنسان لا يعرف ما يخبئه له المستقبل، وهنا أشير إلى أن المؤامرة الأولى ضد حكومتي في الستينات ليس لأنها فشلت حيث اعتبرها الكثيرون من أنجح الحكومات التي مرت على السودان، ولكن هذا النجاح أخاف الحرس القديم في حزبنا والاتحادي، وحتى لا تحدث المؤامرة توجهتُ نحو البرلمان وطلبتُ منهم تأييداً حتى أتصدَّى لها ورغم حصولي على 50% من الأصوات، إلا أن التأييد لم يكن كاملاً.

*ذات السيناريو تكرّر في فترة الديمقراطية التي أعقبت انتفاضة رجب أبريل؟

في التجربة الثانية للحكم التي بدأت في العام 1986، فقد تمكنا من تحقيق نجاحات باهرة وحصلنا على تأييد كل البرلمان باستثناء الجبهة الإسلامية التي اختارت الانقلاب على الشرعية، وبعد أن حدث الانقلاب كنتُ أعتقد أنه إذا كان سودانياً سوف أدخل معهم في حوار لأنني كنتُ أخشى من أن يكون انقلاباً مدعوماً من جهات أجنبية، كنا نرصد تحركاتها، ولكن تم إلقاء القبض علي وإيداعي المعتقل لمدة عامين، لتظهر الإنقاذ بوجهها الحقيقي. وفي هذه الأثناء وحسب تجربتنا مع مايو كنتُ أريد العمل من الداخل، ولكن جماعتنا في الخارج بقيادة عمر نور الدائم رأت ضرورة خروجنا عقب اتفاق القوى السياسية في الخارج، ومعها الحركة الشعبية، وهو اتفاق مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا، وتكرّر ذات الأمر الذي حدث لي في عهد مايو عقب اتفاق الجبهة الوطنية في ليبيا حيث تم اعتقالي مجدَّداً.

*ولكن اعتقالك كان قبل مقررات مؤتمر القضايا المصيرية؟

نعم، هذا صحيح، وسبب الاعتقال تمثل في خطبة هاجمتُ خلالها النظام، وأثناء تواجدي في السجن تم توقيع اتفاق أسمرا، واجتمعت معي قيادات من جهاز الأمن وعلى لسان صلاح قوش ذكروا لي إنه سيتم اعتقالي إلى حين انجلاء الموقف، وهذا يعني أنني كنت رهينة، ولكن عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك حدث تغيير وجاء الفريق الهادي عبد الله الذي طالب بمحاكمة المعتقلين أو أن يُطلق سراحهم، فكان أن شملني قرار إطلاق السراح.

*بعد خروجك هل كنت مصرًا على البقاء في السودان والعمل من الداخل؟

لا.. فقد قررتُ ومنذ خروجي من المعتقل أن أخرج من السودان لأن الأجواء لم تكن مواتية للعمل السياسي، وقدَّرتُ أن وجودي يعني اعتقالي مجدَّداً كرهينة يستفيد منها النظام، وما زاد من قناعتي بضرورة اختيار المنفى المراقبة اللصيقة والمشدَّدة التي كنتُ أخضع لها حتى في المناسبات الاجتماعية العادية.

*لتبرز فكرة عملية “تهتدون” الشهيرة؟

كل تلك المعطيات كانت سبباً مباشرًا ودافعاً للتفكير في الخروج، فكانت عملية “تهتدون” التي تمّت إدارتها في إطار ضيق، حيث تم تعيين العقيد عبد الرحمن ليقودها بوصفها عملية عسكرية وليس هروباً.

* فترة التجمع الوطني كانت حاشدة بالخلافات؟

في تلك الأثناء ظهر الاختلاف حول العلاقة بين الدين والدولة والميثاق والمستقبل وغيرها، وأيضاً رفضت الحركة الشعبية استصحاب ممثلين للتجمع في المفاوضات مع الحكومة. وهذا الموقف جعلنا نتخذ قراراً بمفاوضة الحكومة أيضاً.

*ولكنكم بدأتم التفاوض مع الحكومة في جنيف في العام 1997م؟

نعم.. قبل التفاوض المباشر مع الحكومة خواتيم عقد التسعينيات حدث تواصل بيني والدكتور غازي صلاح الدين في مدينة لوزان السويسرية، وكان اللقاء بمبادرة منه، غير أنه لم يسفر عن نتائج ومخرجات، وفي العام 1999 وضح أن المؤتمر الوطني كان يشهد صراعات داخلية كبيرة بين تياري البشير والترابي، وفي هذه الأثناء أطلق كامل الطيب إدريس مبادرة وساطة كانت نتيجتها أن التقيت الترابي في جنيف.

*لقاؤكم بالترابي فتح الباب أمام الحكومة لإبرام اتفاق جيبوتي؟

جاء اللقاء في وقت كان الصراع داخل المؤتمر الوطني على أشده، وقد حفّز تفاوضي مع الترابي التيار الثاني للجلوس معنا، وبالفعل دخلت معنا الحكومة في تفاوض مطوّل ليتمخّض عنه اتفاق نداء الوطن أو اتفاق جيبوتي، لنعود عقبه مباشرة إلى السودان عبر عملية “تفلحون” لتنتهي بذلك فترة المنفى الثانية التي اقتربت من الستة أعوام.

* كثيرون يرون أن عودتكم لم تكن ذات فائدة؟

الميزة الحقيقية التي أسفرت عنها عودتنا، هي أننا تمكَّنا من الترسيخ للعمل المعارض للحكومة من الداخل، حيث لم توجد وقتها جهة سياسية محددة تستطيع توجيه سهام النقد إلى النظام من زاوية إسلامية، فكل الأحزاب الموجودة كانت تنتقد النظام من زاوية سياسية، وقد ركّزنا على نقد النظام من كل الزاويا، بل إن كل القوى السياسية بعد اتفاقية 2005 انخرطت في الحكم مع المؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية، وظل حزب الأمة متمسكاً بموقفه المعارِض.

*وجَّهتم وقتها انتقادات حادة لاتفاقية نيفاشا؟

نعم، فقد كنا نرى الاتفاقية في هيكلها العام لن تأتي بسلام، لأنها تركت الكثير من القضايا العالقة خاصة المنطقتين وأبيي، وكنا نؤكد أنها لن تقود إلى الوحدة المرجوة، ولن تسفر عن ديمقراطية، لذلك ظللنا خارج المنظومة الحاكمة، ولم نتزحزح عن موقفنا الذي كان واضحًا تجاه التسوية التي حدثت بين الحزب الحاكم والحركة الشعبية.

*هل كان موقفكم ضد الاتفاقية نتاجاً لعدم تنفيذ المؤتمر الوطني اتفاق جيبوتي؟

موقفنا كان سليماً، وليس وليداً لنكوص الحزب الحاكم عن اتفاق جيبوتي، وقد أكدت الحقائق أن رؤانا حول اتفاقية نيفاشا كانت صائبة لأنها لم تأتِ بالسلام والوحدة .

*وفِيمَ تمثَّل طرحُكم عقب انفصال الجنوب؟

طرحُنا كان يذهب عقب انفصال الجنوب في اتجاهين، أحدهما يتمثّل في اندلاع انتفاضة شعبية تُنهي سنوات حكومة المؤتمر الوطني، أو أن يكون الحل السلمي هو البديل الذي ينقذ البلاد، وتحدثنا كثيراً حول هذا الأمر، وكان النظام في ذلك الوقت يؤكد أنه لن يتفاوض إلا مع حاملي السلاح لوقف إطلاق النار، وكُنا نشدّد على أن يكون الحوار قومياً ليحدث خلاف بيننا.

*ولكنك جئت وشاركت في الحوار الوطني في بواكيره؟

حزب الأمة وافق على حضور خطاب الوثبة، لأننا كنا نعتقد أنه تحوّل إيجابي يمضي في ذات توجهاتنا الداعية إلى الحوار والحل السلمي، وقد رحّبنا كثيراً باجتماع المائدة المستديرة، بل كُنا أكثر حماساً تجاه الوثبة التي أطلقها رئيس الجمهورية.

*ولماذا تراجع دعمكم لمبادرة الوثبة بعد ذلك؟

حدثت مشكلة بيننا والنظام تمثّلت في أننا كُنا نرفض وجود حوار برئاسة المؤتمر الوطني، وطالبنا أن تكون رئاسته من طرف محايد، وللأسف هناك من مارَس مزايدة على موقفنا هذا وأصر على أن يرأس المؤتمر الوطني الحوار وأن يُعيّن الأطراف الأخرى، وطرحهم هذا يعتبر نوعاً من الاستسلام .

*ورغم ذلك ظللتم داعمين للحوار؟

لم نرفض الحوار من حيث المبدأ، ولكن كُنا ضد الطريقة التي يُدار بها، ولذلك لم نتّخذ موقفاً حاداً، وتمسّكنا برفضنا، وظل الأمر معلقاً إلى أن اجتمعت الهيئة المركزية للحزب في شهر مايو من 2014، حيث تم تقييم الأوضاع بالمركز والولايات، وقد اشتكى القادمون من مناطق تشهد عمليات عسكرية من قوات الدعم السريع، وبعد انتهاء الاجتماع عقدتُ مؤتمراً صحفياً تحدّثتُ خلاله عن المخرجات، ومن ضمن القضايا التي أشرت إليها ممارسات قوات الدعم السريع وانتقدتها، وطالبت بضرورة إجراء تحقيق.

*بعدها تم اعتقالك ومحاكمتك؟

النظام لسبب يعلمه قرّر في تصّرف غير ناضج وخاطئ أن يعتقلني، وأراد أن يكون الاعتقال بصفة قانونية، ولذلك عوضاً عن فتح بلاغ ضدي تشمل مواده ما ذكرته في المؤتمر الصحفي، تم فتح بلاغ بتهمة تقويض نظام الحكم، وهو أمر كان عارياً من الصحة، وقد اتضح لي في تلك الأثناء وجود عبث وعدم جدية بالحوار.

*هل غيّر الاعتقال موقفكم من الحوار؟

عقب إطلاق سراحي ذكرتُ بوضوح في لقاء بدار الأمة، أـننا مع الحوار، ولكن بالطريقة التي كان يجري بها رفضناه لعدم وجود حرية للمحاورين، بالإضافة إلى أنه كان برئاسة المؤتمر الوطني، وتمسّكنا برفضنا له بتلك الطريقة.

*في ذلك الوقت كنتم على اتصال بالجبهة الثورية؟

نعم، كان لنا حوار واتصال مع الجبهة الثورية، لأننا كُنا نؤكد ونعتقد بأن الحل سيكون ناقصاً إن لم يتم إشراكها في الحوار، وقد برزت مشكلة عقب توقيع “اتفاق الفجر الجديد”، تمثّلت في رفضنا اثنين من بنود الاتفاق، الأولى تتمثّل في العمل على الإطاحة بالنظام عبر القوة، والثانية تلخَّصت في المطالبة بتقرير المصير، وقد اعترضنا على ميثاق “الفجر الجديد”، ولكن لم نقطع علاقتنا مع الجبهة الثورية.

*وماذا حدث بعد ذلك؟

ظلَّ التفاهم بيننا والجبهة الثورية مستمراً إلى أن تلمّسنا استعدادًا من قبل قادتها للنقاش حول تغيير النظام بالقوة وتقرير المصير، وهذا قاد إلى خروج عن السودان، وقد التقيتهم بفرنسا وبعد تَحاوُرٍ جاد خرج إعلان باريس .

*لماذا قابلت الحكومة إعلان باريس بالرفض الغاضب؟

كُنا نعتقد أن النظام سيعتبر إعلان باريس والاتفاق مع الجبهة الثورية في فرنسا فتحاً جديداً، وتحوُّلاً كبيراً في المواقف، لأنه يصبُّ في مصلحة البلاد بقبول حاملي السلاح التخلي عن تغيير النظام بالقوة وتقرير المصير، ولكن للأسف لأنهم اعتقدوا أن ما قُمنا به جرّدهم من زمام المبادرة، وفيه مكاسب سياسية كبيرة لنا، أطلقوا ادعاءات غير صحيحة تشير إلى أن إسرائيل تقف وراء إعلان باريس، وأن الغرض الأساسي احتلال الفاشر وغيرها من تصريحات أقل ما توصف أنها تفتقر إلى الحكمة السياسية .

ــ وماذا فعلتم لتوضيح الصورة كاملة؟

اتصلنا بكل القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني، وشرحنا لهم كافة تفاصيل إعلان باريس، والفائدة التي ستجنيها البلاد من ورائه، ولكن للأسف الحزب الحاكم لم يستجب، وقررت وقتها ألا أعود إلى السودان إلا في حالة اكتمال بعض الملفات التي أديرها من المنفى.

* ماذا استفدت من منفاك الأخير؟

الفترة الأخيرة من المنفى شهدتْ نشاطاً كبيراً، وقد تجوَّلتُ في عشرين من دول العالم، وهنا أشير إلى أن فترات المنفى الثلاث ساعدتني في كتابة الكثير من المؤلفات التي تبلغ فقط في الفترة الأخيرة عشرة كتيِّبات، وقد صدر أخيراً كتاب باسم “حالنا ومالنا” وتوجد عدد من الكتب في طور المراجعة، وقد جاءت الفترة الأخيرة من المنفى خصبة للغاية.

*من الذين رافقوك في فترات المنفى الثلاث؟

الفترة الأولى من رحلتي مع المنافي كان يرافقني خلالها مبارك الفاضل، وعمر نور الدائم، وأخيراً ظلّ يرافقني الابن محمد زكي، ولكن في المنفى الأخير كل القيادات المسؤولة في مؤسسات الحزب ألتقيها بصورة راتبة في عدد من الدول مثل مصر، أثيوبيا، ألمانيا وباريس.

صديق رمضان
صحيفة الصيحة