الجامعات السودانية والاستقرار الأكاديمي
أسباب عديدة تجعلنا نولي جامعة الخرطوم اهتماماً خاصاً فهي أم الجامعات السودانية وأعرقها وهي حلم كل الأطفال والشباب والأسر السودانية ثم أنها الجامعة التي أسهمت بنصيب وافر في صناعة تاريخ السودان وأثرت في العديد من أحداثه الكبرى فضلاً عن أن هناك شعوراً خاصاً بالانتماء يشدنا إليها لكوننا قد أمضينا بين ظهرانيها سنوات لا تنسى من أيام شبابنا الزاهر .
جامعة الخرطوم علقت قبل أيام قليلة الدراسة بكليات مجمع شمبات إلى أجل غير مسمى مع فصل خمسة طلاب من كليات المجمع لعام واحد استناداً إلى توصيات لجان تحقيق ومجالس محاسبة وقرار مجلس العمداء وتقارير عمداء كليات مجمع شمبات ومجالس الكليات وتقرير رئيس المجمع حول الأحداث التي شهدها المجمع خلال الأسابيع الماضية والتي أدت إلى تعطيل الدراسة وإلغاء الامتحانات في بعض الكليات سيما وأن التحقيق تناول قضية الإساءة التي تعرض لها عدد من الأساتذة من بعض الطلاب (قليلو الأدب).
والله أنه لمن المحزن أن تصبح (الجميلة ومستحيلة) بؤرة للصراع الدائم والتوقف المستمر للدراسة والإغلاق تلو الإغلاق مما أضاع على الطلاب سنوات من أعمارهم في أهم مرحلة في حياتهم وآخر تخرجهم لعام أو أكثر في عدد من الكليات للدرجة التي جعلت أحد كبار الأكاديميين يدفع بابنه المتفوق إلى جامعة خاصة أكثر استقراراً جراء استبعاد السياسة من نشاطها الأكاديمي بالرغم من أن شهادته تؤهله للالتحاق بجامعة الخرطوم.
اثنتان من بناتي تخرجتا مؤخراً في جامعة الخرطوم ولكن بعد (خروج روح) وتأخير (كرهنا) في الجامعة وزهدنا فيها رغم الحب المركوز في وجداننا تجاهها.
كل ذلك يحدث بسبب عدد محدود من الطلاب لا يتجاوز في كل مرة أصابع اليد الواحدة يدفع ثمنه الآلاف من الطلاب الأبرياء.
كلامي هذا لا يعني البتة حرمان الطلاب من المشاركة السياسية في قضايا وطنهم المنكوب فقد كنا أيام الجامعة نخوض غمار السياسة بالطول والعرض وقد وقفنا بقوة وقذفنا حمماً من الزفرات الحرى مؤخراً ضد (خرمجة) وزير السياحة عندما تحدث عن نقل جامعة الخرطوم إلى سوبا وحرضنا طلابها وخريجيها للتصدي لذلك التوجه الغريب حتى قبر .
نشجع وبقوة مشاركة الطلاب بالأساليب السلمية في القضايا الوطنية العامة لكننا نرفض بشدة تعطيل الدراسة انحيازاً لمسيئي الأدب من الطلاب الذين يحرقون ممتلكات الجامعة ويعتدون على الأساتذة ويتحركون بأجندة سياسية لا علاقة لها بالنشاط الأكاديمي أو المصالح الوطنية العليا ولا أزال أتميز غضباً كلما تذكرت الاعتداء على عالمنا الكبير ومدير جامعة الخرطوم الأسبق بروف عبدالملك محمد عبدالرحمن الذي لن أحزن البتة لو سجن المعتدون عليه أو طردوا ونفوا خارج السودان إلى الأبد .
لا أزال استرجع ذلك الخطأ الفادح الذي أدخل إعفاء طلاب المعسكرات في دارفور من الرسوم الجامعية والذي تسبب في اضطراب أكاديمي وحرائق وموت عم كل الجامعات السودانية تقريباً وبات يتكرر كل عام.
تحركت في كل تلك الأحداث المؤسفة الأجندة السياسية لقطاع الشمال وللحركات الدارفورية المسلحة لكي تصطاد في الماء العكر وتُحدث اضطراباً واسعاً وحرائق مجنونة في ممتلكات الجامعات ودخل السلاح إلى الحرم الجامعي وبات كل طالب دارفوري حتى ولو لم ير دارفور في حياته خريجاً من تلك المعسكرات حتى لو كان أبوه أحد أكبر أثرياء السودان. كل ذلك كان الهدف منه إشعال فتيل انتفاضة طال انتظارها في قلب الخرطوم لتقتلع نظام الإنقاذ .. لا خلق ولا دين ولا هدف نبيل غير تحركات صبية أركان النقاش التي ينتظرها الكبار على أحر من الجمر لتحملهم إلى السلطة (وتفش غبينتهم) من (الشيطان) الجاثم على صدورهم.
مشهد مؤلم من مشاهد مسرح العبث في حياتنا السياسية يلعب فيه مراهقون سياسيون يزعمون انهم يحملون البلسم الشافي لأدواء وطننا المأزوم.
بالله عليكم هل يتعاطف رجل راشد مع خمسة طلاب أساؤوا الأدب وخربوا ودمروا أم مع مجلس عمداء جامعة الخرطوم ومجلس كليات المجمع ولجان التحقيق ومجالس المحاسبة وغيرها من المؤسسات الأكاديمية الراسخة والتي قضت بفصل أولئك الطلاب قليلي الأدب؟.
متى ينضج طلابنا حتى يفرقوا بين (الصاح والغلط) ويرجعوا إلى ما حفظوه عن ظهر قلب خلال سني دراستهم الابتدائية:
قم للمعلم وفّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا؟
أنني إذ أكتب عن حادثة مجمع شمبات بجامعة الخرطوم لا أعني تلك الجامعة تحديدا إنما أعني كل الجامعات السودانية مطالباً بوقف ذلك العبث الصبياني حتى تستقر جامعاتنا السودانية التي كانت ذات يوم تتصدر جامعات العالم من حيث المكانة والشرف الأكاديمي ولكنها غدت اليوم في حالة بائسة بسبب الصغار الذين يتصدرون المشهد السياسي في السودان.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة