د . غازي صلاح الدين العتباني : الحركة الإسلامية لم تعد موجودة وليست لها سلطة أو ظلال مميزة في الخطاب والفكر .. و بعد ده ان شاء الله تسترجعوا كاودا!!
د . غازي صلاح الدين العتباني رئيس حزب الاصلاح الآن :
نقول ليهم بعد ده ان شاء الله تسترجعوا كاودا!!
الحركة الإسلامية لم تعد موجودة وليست لها سلطة أو ظلال مميزة في الخطاب والفكر
لست مستعبداً لا للأشكال التنظيمية، ولا للأسماء ولا للمناهج القديمة!!
ليس بالضرورة أن أقول إن المشروع الإسلامي لم يعد صالحاً، هو أدى مهمته التي حددها لنفسه!!
سوق الخطاب الإسلامي يموج بقضايا كثيرة جديدة لم تكن هي الحاكمة والمحددة لمسيرة النقاش والتفاهم داخل المجتمع!!
المشروع الإسلامي في نسخته الشعبية قبل التمكين من السلطة كان ناجحاً لأنه قدم بديلاً!!
أقدر موقف الشخص الآخر الذي يرى بأن المشروع كان خصماً على حقوقه وعلى مصالحه!!
ما حدث يشكل إدانة واضحة لهما لأن الإحتفال الذي أقيم كان على نفقة الحكومة ومن المال العام!!
مهما كنت على قدر من الثقة بمقدارتك الحوارية عندما تجلس في حوار مع الدكتور غازي صلاح الدين قد تهاب محاورته ، ليس لأنه مخيفاً بل يتكئ على سعة أفق وعمق الثقافة والاطلاع، فضلاً عما يتمتع به من لباقة ورصانة ودقّة في العبارة، تبدو نتاجاً لاهتماماته المبكرة بالسياسة والشأن العام، ومع ذلك (توكلنا على الله) وحزمنا أمرنا وحملنا كل مافي جعبتنا من أسئلة (مراجعات حول المشروع الإسلامي والحركة الإسلامية ، التحولات في حزب الاصلاح الآن، الحوار الوطني ، دور الوساطة الأفريقية ، عودة الإمام الصادق المهدي ، رفع العقوبات الاقتصادية الجزئي عن السودان من قبل إدارة أوباما) وغيرها من الموضوعات فالى مضابط الحوار.
*د .غازي هل ما زلت مقتنعاً بفكرة إحياء التدين في الشأن العام؟
ـ إذا كان التدينٌ بمعنى سيادة الأخلاق العامة وانضباط الشأن العام بهذه الأخلاق فالإجابة نعم لأنه مدعاة لاستقرار المجتمع واستتباب أمنه وحيويته. وسؤالك أيضاً يشير الى أن هذه الحالة قد لا تكون متحققة بالصورة التي يطرحها بها المتدينون (يعني ما هي القيم الأخلاقية التي يتحاكم بها الناس في الشأن العام ؟) هذه قضايا قد تسبب مشكلة أحياناً، وما تراه أنت سلوكاً متديناً يراه الآخرون غير ذلك. أنا اتفهم تماماً الاعتراض الذي يبديه ناقدوا منطق التدين المظهري، الذي لا يصمد أمام اختبارات المصداقية واعتبره ضاراً بمسألة التدين. من ناحية أخرى لا يعني التدين بالنسبة لي إلغاء العقل في النظر والتقدير والاعتماد فقط على استمداد غيبي قد يأتي أو لا يأتي. في العمل العام ينتخبك الناخبون لترعى مصالحهم بمنهج موضوعي قابل للقياس، ولا يقبلون منك أن تحيلهم إلى القوى الغيبية وحدها.
* حديثك هذا يعطي انطباعاً بأنك لا زلت متفقاً مع النموذج الحركي القديم نموذج الإخوان المسلمين ؟
ـ بالعكس تماماً أنا لست مستعبداً لا للأشكال التنظيمية، ولا للأسماء ولا للمناهج القديمة، كل الحياة عندي قائمة على فكرة التجديد، حتى نحن ككائنات عضوية خلايانا تتجدد دائماً وهذا يضمن لها البقاء، وما ينطبق على الكائنات العضوية ينطبق على الكائنات المعنوية، كالجماعات والدول والشعوب والأمم، لابد من التجديد لأن الحياة متجددة، وهذا يقتضي استجابات جديدة لهذا السبب لست مقيداً بأي فكرة تاريخية أو موانع ماضوية.
* ولا في الإطار العام ؟
ـ ما المقصود بالإطار العام ؟
* المقصود هو إطار الفكرة الكلية (فكرة الإسلام السياسي) وبمعنى أدق أن كثيراً من قيادات الحركة الإسلامية تخلت عن منظومة الإنقاذ ولكن ينطلقون من ذات المنطلقات الفكرية فجينات الإخوان تظل فيهم باقية؟
ـ أنا لدي مشكلة في الأساس مع مصطلح (الإسلام السياسي) عبرت عنها كثيراً من قبل، وأعتقد أن المشكلة فيها إنها تجتزئ التعريف وتجمع بين أضداد في سياق واحد (يعني الإسلام السياسي كما تستخدم اليوم تشمل راشد الغنوشي وتشمل أيمن الظواهري، وتشمل رجب أردوغان وتشمل بوكو حرام)، وهذا تصنيف غير دقيق وخاطئ، وكلمة الإسلام السياسي بها تبعيض للإسلام وتبعيض للسياسة أيضاً، وهذا ليس مفيداً.. أنا أفهم أن المصطلح أطلق من خلال كتابات المستشرقين والفلاسفة من أجل توصيف ظاهرة معينة فأصبحت كلمة (إسلامي) اصطلاحية رغم أن كلمة “إسلامي” لم يطلقها الإسلاميون على أنفسهم، بل أطلقت عليهم من تلقاء الآخرين ليصفوا فئة من المسلمين اتسمت بسلوك معين ومفاهيم معينة أو بطرح فكري معين يختلف عن بقية الأطروحات الموجودة عند عامة المسلمين غير الإسلاميين. ولكن أنا قلت قبل ذلك وأجدد القول في أن الاسم الصحيح هو مسلم وليس إسلامي، رغم أني أتفهم أن كلمة “إسلامي” أصبحت اصطلاحاً فرضه الواقع..
* كتصنيف أنت تقبل بها أم لا ؟
ـ كنت أتمنى لو أنها لم تكن موجودة لأنها يمكن أن تصنع حالة غيرية.. بمعنى أن هذا مسلم بميزات خاصة وبحقوق خاصة نسميه إسلامياً، وهذا مسلم عادي لا نسميه إسلامياً، وهذا يعني أنك تتعامل مع المسلم العادي بأنه “غير” أو أنه “آخر” تصنع منه حالة “آخرية” أو “غيرية” وهذا عيب جوهري في تأسيس العلاقة مع المجتمع.
*مشروع الحركة الإسلامية السودانية كيف تنظر إليه الآن؟
ـ الشخصية المؤثرة في المشروع بصورة شبه كاملة كان هو الشيخ حسن الترابي الذي ترك فيه بصماته ومفاهيمه وحتى لغته وخطابه ومصطلحاته، وبالتالي أقول للذين يتحدثون عن خلافة الترابي إن هذا حد تاريخي فاصل بمعنى أنه لا أتصور أن هنالك خلافة بمعنى أنه لابد للمشروع الذي يخلف، أن يكون منطلقاً من منطلقات جديدة له أسلوب وخطاب جديد، وله مدى نظر وأجندة جديدة لأن العالم تغير جداً من العالم في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، حينما ساد نموذج الحركة الإسلامية التقليدي التاريخي في ذلك الوقت..
*كأنك تقول إن مشروع الحركة الإسلامية لم يعد صالحاً ؟
– ليس بالضرورة أن أقول إنه لم يعد صالحاً، هو أدى مهمته التي حددها لنفسه في ذلك المشروع، وفي سبيل أن يؤدي مهمته قطعاً نجح في أشياء وأخفق في أشياء، لكني الآن أتعامل معه كحزمة، أنت إذا تحدثت عن مشروع إسلامي جديد تتحدث عن تحديات مختلفة أنا أنظر مثلاً الى تحدي الستينيات والسبعينيات والثمانينيات كان هو تحدي العلمانية، أما الآن التحدي هو الإلحاد بمعنى أن العلماني لم يكن يحوجك الى أن تجادله في وجود الله فهو مؤمن بوجود الله ولكنه اختار منهجاً مختلفاً في الحياة العامة، ولكن الملحد لا يتفق معك أصلاً في الدين والإيمان وجدلك معه يكون في الأصول. ألاحظ أن الشباب قبل عشرين عاماً أو ثلاثين عاماً كانوا في الجدل الفقهي والديني يقولون لك ما الدليل النصي.. الآن معظم الذين كانوا يطالبون بالدليل النصي يقولون ما الدليل العقلي، هنالك حالة من العقلنة جزء منها اتخذ طريقاً إلحادياً وجزء منها يطرح بضراوة وبشدة الأسئلة التي لم يستطع الإسلاميون أن يطرحوها آنذاك في القضايا الفقهية والسياسية والأخلاقية، وفي قضايا العلاقات المحلية والعالمية.. الآن سوق الخطاب الإسلامي أو الطرح الإسلامي يموج بقضايا كثيرة جديدة لم تكن هي الحاكمة والمحددة لمسيرة النقاش والتفاهم داخل المجتمع، وهذه تحتاج لمهارات جديدة، الذين كانوا يملكون الخطاب القديم ويملكون المفاهيم القديمة ويملكون حتى الإيحاءات في كلامهم القديم الآن دورهم اختلف في ميزان الحاجة والمعاصرة. أصبحت هناك حاجة الى خطاب مختلف وتصويب مختلف وأولويات مختلفة، الشعارات القديمة لم تعد مناسبة أو مجدية ..
* بصراحة من حيث التطبيق والممارسة هل نجح المشروع الإسلامي أم فشل؟
ـ المشروع في نسخته الشعبية قبل التمكين من السلطة كان ناجحاً لأنه قدم بديلاً، لأنه استطاع أن يخترق السياسة، أما التجربة العملية السلطوية ففيها إشكالات واضحة .أنا لا أحب أن ألخص وأختزل الإجابة في فشل أو نجح، لا شك بالنسبة لي ما لا يخطر في قولك هناك استفادة كبيرة من التجربة واستفادة كبيرة من أخطائها وأرجو أن يكون ذلك حادثاً ومن يريد أن يستفيد من التجربة يجب أن يستفيد منها ومن دلالاتها.. ولكنك الآن تتحدث عن الحركة الإسلامية بشكلها القديم وهي لم تعد موجودة بشكلها التنظيمي القديم.. لعلك تلاحظ إنها الآن ليست لها سلطة في المسائل الكبرى التي تطرأ في الساحة العامة، ليس لها ظلال مميزة في الخطاب. ولا في الفكر ولا حتى في سلطة تحديد مواقفها المتميزة. ولكن مهلا قد يكون هذا هو المطلوب منها تحديداً، المهم أن تكون هناك قبة أشعارا بوجود ولي، أما أن يكون الولي موجوداً حقاً أم لا فهذا أمر ثانوي.
* من هو الذي يريد الانتقاص من سلطتها؟
ـ الذين يشعرون بالخطر من تلقائها، وهم في الغالب أهل السلطة، وهذا شيء متوقع، صحيح أنه وحسب التجارب التاريخية قطعاً لم يحدث ذلك للإسلاميين فقط، ولدينا تجربة الحزب الشيوعي من قبل.
* مقاطعة ولكن الحركة الإسلامية موجودة ولها أمانات ونشاط تنظيمي فاعل ؟
– أنا لا أتحدث عن شكلها التنظيمي ولكن أتحدث عن روحها ووقعها في المجتمع وتأثيرها ونفوذها، هل هي شيء يمكن أن تشعر بوقعه كل صباح ويهزك يومياً بأخباره وحراكه الثقافي؟ هذه هي الواجبات الأولية للحركة أن تحدث تحولاً ثقافياً يشرح للناس ما المعنى بأن الاسلام موجه للحياة العامة والخاصة، وكلمة ضابط وموجه هذه من اللغة القديمة وهذا نموذج لإشكالية مستجدة حيث لا أحد من اجيل الراهن يقبل أن تكون ضابطاً أو موجهاً له، و(هذه كالطرفة التي تشير الى الشخص المتعود على تحكم السلطة عندما يحال الى المعاش يتخذ سبيلا صدقة ويتخذ من ذلك سبباً ليتأمر على الناس في شرابهم من ماء السبيل).
* هل تعني أن الحركة الإسلامية أصبحت رديفاً للسلطة؟
ـ والله يا أخي أنا شايف أنو السؤال دا فيهو مطب..
* الإنقاذ سلطة الحركة الإسلامية، ولكنها أصبحت عبئاً على الشعب وعلى الحركة الإسلامية كذلك؟
– التجربة بالنسبة لي حقيقية لأني خضتها في قلبها وحواشيها لا شك أنها أحدثت في نفسي أثراً بالغاً وقوياً وغائراً ومهماً ، بعضه إيجابي ..الآن أنا أكثر معرفة وأكثر قدرة في فهم وحدود المشروع الذي انتميت له، هذه مسألة مهمة، لأنه في مجال العمل العام، لا بد أن تعرف مدى قوتك وأن تميز بين الأخطاء والممارسة، وأن تميز بين الأخطاء الماثلة وتلك التي يمكن أن ترتكبها مستقبلاً ، جملة هذه الأشياء جعلتني أكثر إستبصاراً ووعياً بالحقائق، وأفترض إن هذا ينطبق على الكثيرين من الذين خاضوا التجربة بجدية، ولكن هذا كلام لا يعزّي ، ولذلك أقدر موقف الشخص الآخر الذي يرى بأن المشروع كان خصماً على حقوقه وعلى مصالحه وعلى استثماره المعنوي في المشروع. الذي يؤهل المرء لأن يكون ناصحاً هي أن يكون أيضاً ناقداً لتاريخه ساعياً أن يستنبط ويبين للآخرين خصوصاً الشباب مايراه من مزالق ومفاصل ومفترقات مهمة .
*وكأنك تقول أن ما حدث لكم ردة الفعل وتعاملتم بمثلها لذلك تجدها حاضرة حتى اسم حزبكم بعد خروجكم من المؤتمر الوطني (الاصلاح الآن) ؟
– لم يكن ردة فعل لكنه اختيار ، طرحنا الأمر للتصويت في (الفيس بوك) حتى أن البعض سخر منا وقال: إننا كنا ديمقراطيين أكثر من اللازم ، كلمة الاصلاح حاضرة في الخطاب الديني والخطاب السياسي، بعض الناس ينتقدون اختيارنا لكلمة الاصلاح ولماذا لم نختار التغيير، وقلنا لهم لأن التغيير يحتمل التغيير للأسوأ أو الأحسن ، ولكن الإصلاح يحتمل أتجاه واحد التغيير للاحسن .
* الآن لماذا ؟
– المقصود بها الإسراع بالاصلاح ولم نقصد الآنية وقصدنا ان الأمر مستعجل، فاذا كان الإصلاح الآن مطلوب فإن تأخير الإصلاح تضييع لا مبرر له وخيانة لفكرة الإصلاح .
*المؤتمر الوطني يسعى لاستقطاب عضوية حركة الإصلاح الآن أو إسترجاعهم، ومؤخراً شهدت ولاية جنوب كردوفان احتفال من قبل حكومة الولاية باسترجاع عدد مقدر من عضوية الحركة ؟
– الحادثة من ناحية مفيدة وتوضح الحقائق لبعض الذين اعتقدوا إن الحركة صفوية وغير موجودة بالقدر الكافي في الولايات ، وماحدث يثبت إن الحركة موجودة وأن هنالك عضوية ملتزمة في كل ولايات السودان ، وماحدث في كادوقلي مدهش للغاية .
*كيف ؟
– يوضح لك مقدار الجهل بأساسيات الحكم في فهم الحكومة وحزبها الحاكم. ما حدث يشكل إدانة واضحة لهما لأن الإحتفال الذي أقيم كان على نفقة الحكومة ومن المال العام وكان لنصرة حزب على حزب آخر. كان الوالي والمعتمد وأجهزة الأمن كلها وقوفاً لنصرة حزب على آخر بصورة واضحة ومكشوفة ومعلنة على قنوات فضائية أرسلت لتغطية الخبر، كأن ما حدث كان شبيها بعبور خط بارليف الذي أحرزته الحكومة واسترجعت من خلاله عضوية المؤتمر الوطني الهاربة إلى الإصلاح الآن. لا أستطيع أن أقول أنني شعرت بالغضب، ولكني شعرت بالحيرة كيف يفهم هؤلاء الحوار؟ بل كيف يفهمون أساسيات الحكم والإمارة التي هي في كل النظريات السياسية والأخلاقية مبنية على مبدأ إقامة العدل، وإذا كنت تتعامل بهذه الصورة مع القوى السياسية التي تحاورها ماهي مفاهيمك للحوار في النهاية؟ والصفقة النهائية على ماذا تحتوي هل على سيطرة كاملة على أدوات الحكم والسياسة؟ من الواضح أنه لا مجال لدى هؤلاء لإعطاء أي مساحة من الحرية أو العمل المستقل الموازي للقوى الأخرى رغم أن هذا مبدأ وجوهر الديمقراطية. بدلا من ذلك يجري تكريس مفهوم أن الدولة هي ملك للحزب وهو ما يبيح استخدام اليات الدولة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب طرف دستوري شرعي آخر قائم على أساس قانوني. هذه محاباة معلنة ومكشوفة لتنظيم سياسي على تنظيم أخر على الرغم من أن كل هذه التنظيمات مسجلة بقانون واحد. هذا الحدث الفاضح جرى في وضح النهار وبمشاركة وتمويل الأجهزة الرسمية المعلومة، وحتى الآن ناس الخرطوم رعاة الحوار وضامنوه لم يحركوا ساكناً ولَم يقولوا قولاً ولَم يحركوا ساكنا فهل هم مقرون بما حدث. نحن نقول ليهم بعد ده ان شاء الله تسترجعوا كاوده.
حوار: سعاد الخضر
صحيفة الجريدة