الطيب مصطفى

التعديلات الدستورية واعتراضات بعض الجماعات والهيئات

حزنت أن تنفجر الخلافات حول مخرجات الحوار الوطني الآن وبعد أن انعقد المؤتمر العام وأجازها مع الوثيقة الوطنية وجعل منها (مقدسات) وطنية لا تقبل التعديل والتبديل وحزنت كذلك أن يخرج علينا مجمع الفقه الإسلامي وهيئة علماء السودان وبعض الجماعات الإسلامية الآن وبعد فوات الأوان برفض عنيف للتعديلات الدستورية التي انبثقت عن تلك المخرجات.

أود أن أتساءل : لماذا لم تشرك هذه الهيئات والجماعات الإسلامية في وقت سابق ويستأنس برأيها قبل أن (يقع الفأس في الرأس) وتتوافق جميع القوى والأحزاب السياسية المتحاورة عليها ويتعهد رئيس الجمهورية في مؤتمر عام محضور من جميع القوى والأحزاب السياسية وبحضور إقليمي ودولي معتبر ويقدم موثقاً غليظاً بإنفاذ تلك المخرجات بدون أي تعديل؟.

ما زاد من حزني أنني جزء من هذا الحوار وقد وقعت على وثائقه ممثلاً لحزبي (منبر السلام العادل) بل للتحالف الذي أتشرف برئاسته (تحالف قوى المستقبل للتغيير).

دعوني بهذه المناسبة أخاطب د.عصام البشير رئيس مجمع الفقه الإسلامي والذي تولى كبر رفض تلك التعديلات الدستورية وأعلم إذ أخاطبه بل أوقن أنه من رواد المدرسة الوسطية في العالم كونه يحتل موقعاً متقدماً في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه كبير فقهاء مدرسة التيسير وأعلم علماء الأمة في الوقت الحاضر د.يوسف القرضاوي.. دعوني أخاطبه من مدخل الفقه الوسطي التيسيري الذي ظل يدعو إليه حول بعض القضايا المثارة.

أود أن أسال أولاً : لماذا لا نأخذ برأي الإمام أبي حنيفة حول مباشرة المرأة عقد الزواج بنفسها ونشترط بعد ذلك وبالقانون موافقة والدها أو وليها درءاً للشرور المجتمعية التي يمكن أن تنشأ جراء إهمال ذلك الشرط الإضافي؟.

نص التعديل الدستوري لم يقصر الأمر على مباشرة المرأة العقد بنفسها إنما أضاف إبرام العقد بالوكالة بما يعني أن الأمرين متاحان ولو قيدت مباشرة المرأة لعقد القران بنفسها بموافقة الولي فإن ذلك يحل المشكلة في رأيي تماماً.

ثانيا لطالما سمعنا عصام يردد كلمات الإمام ابن القيم التي تقول (إن أهل الإيمان لا يخرجهم تنازعهم عن مسمى الإيمان إذا ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله) فلماذا يتجاهل الفقهاء الرافضون للتعديل فقهاً قضى به أكبر وأقدم الأئمة الأربعة .. الإمام الأكبر أبوحنيفة النعمان وهو من هو، سيما وأن كثيراً من آراء الفقيه الكبير مأخوذ بها في الأحوال الشخصية وغيرها؟ أرى تشدداً لا أفهم خلفياته من عصام وهو الفقيه الميسر، فلماذا يتناقض الرجل مع منهج مدرسته الفقهية في وقت تشتد فيه الحاجة إلى التيسير ؟.

نتفق مع مجمع الفقه الإسلامي أن هذه القضية محلها القانون لا الدستور ولذلك نؤيد أن تحذف من الدستور ويصار إليها في القانون.

أما بالنسبة إلى قضية الردة فأنّي أحيل د.عصام إلى عبارة يفتأ يرددها إعجابا بقائلها – الإمام الثوري – (إنما الفقه الرخصة من ثقة أما التشدد فيحسنه كل أحد).

أحيل د.عصام ومجمع الفقه إلى قول الإمام الأكبر محمد أبو زهرة وهو من أعظم فقهاء الأزهر الشريف وكان شيخه المعتبر لفترة طويلة فقد كان للرجل فقه يخالف الجمهور حول الردة أخذ به كثير من المحدثين بعد ذلك، فلماذا لا يؤخذ برأيه والرجل ، كما يعلم عصام ، من الثقات والعلماء النحارير ولم يقدح أخذه بهذا الرأي في فقهه وفي مكانته بين كبار العلماء وفي شياخته للأزهر ؟

أقول هذا بين يدي فتاوى كثيرة حديثة أخذ بها الاتحاد الإسلامي لعلماء المسلمين برئاسة القرضاوي الذي رجع إلى قول د.الترابي بعد ربع قرن من الرفض والتردد حول بقاء المسلمة تحت زوجها النصراني أو الكتابي في أمريكا وأوروبا.

السؤال لعصام وبقية فقهاء المجمع : هل يشكل الأخذ برأي أبي زهرة خطراً على الدين أو يطعن في إسلام من يأخذ بذلك الرأي أم أنه يحقق مصلحة كبرى سيما وأن الإسلام الآن هو الأوسع انتشاراً بين جميع الأديان في الغرب والعالم أجمع؟.

لا أظن أن أحداً سيعترض على تحفظ مجمع الفقه الإسلامي حول تعديل نص المادة (28) ليتوافق مع المادة (1/36) من دستور 2005 خاصة ما يتعلق بإضافة عبارة 🙁 أو جزاء على الجرائم بالغة الخطورة بموجب القانون) وذلك حتى لا يستبعد القتل في بعض الجرائم بالغة الخطورة مثل الخيانة العظمى والاغتصاب سيما وأننا نشهد تزايداً كبيراً في حالات جرائم اغتصاب الأطفال التي لا يشملها التعديل الدستوري المقترح.

أرى أن ينأى الطرفان المختلفان عن المخاشنة والتصريحات المستفزة خاصة من جانب بعض شباب المؤتمر الشعبي، كما أرجو أن تجلس الأطراف المختلفة لتصل إلى حلول تجنب الساحة صراعاً لا تحتمله أجواؤنا السياسية المكفهرة والمحتقنة.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة