تحقيقات وتقارير

زواج الأطفال.. (الموت) داخل (عش) الزوجية..!!


تعتبر ممارسة زواج الأطفال في السودان من الموضوعات التي أثارت جدلاً كبيراً لجهة أن هذه الممارسات تتم من منطلق العادات والتقاليد التي قد ترتبط بالدين أحياناً مما يجعل أمر التخلي عنها يحتاج لجهدٍ كبير لتغيير المفاهيم المجتمعية خصوصاً في المجتمعات (المغلقة) أو التي تعاني بعض النقص في مجالات التعليم والتوعية، وفي المنتدى القومي للشباب الذي أقيم أمس بقاعة معهد الدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم، تحت عنوان:(دور الشباب للحد من عادتي زواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية)، اتفق الجميع حول قضية التوعية ورفع الوعي بجانب الخروج للمجتمعات برؤية جديدة لتحقيق التخلي الكلي عن هذه العادات الضارة بالمجتمع..؟

تفعيل دور الشباب:
وقال مدير المنتدى الأستاذ أحمد محمود صادق إن تفعيل دور الشباب حول زواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية يبدأ بخطة عمل عبر تمثيل شاب وشابة من كل ولايات السودان يتم تدريبهم ورفع قدراتهم ونقلها لمجتمعاتهم، ونتوقع أن يحدث ذلك تغييراً في الممارسة العامة خصوصاً وأن الشباب يمثلون غالبية المجتمعات السودانية، مع التذكير بأن الاستطلاع الذي أجري في العام ٢٠١٣م وسط الشباب كانت الآراء فيه صادمة لتحيز الشباب لاختيار الفتاة المختونة عن الفتاة غير المختونة وهذا مؤشر يجب أن يتراجع وسط الشباب وهو ما نعمل عليه حالياً عبر المنتدى.

قصص من الواقع:
وليس ببعيد عن الأذهان قصة الطفلة أشجان، التي دفعها والدها للزواج برجل في الـ 40 من عمره وهي لا تكاد تبلغ الثامنة مقابل حفنة من المال ليتم طلاقها بأمر قضائي.
وبعد حصولها على الطلاق، عادت أشجان إلى مقاعد الدراسة، إلا أن قضيتها تمثل جزءاً بسيطاً من المشكلات التي تواجه مئات الفتيات السودانيات.

نموذج آخر:
نفس الأمر طبق على الطفلة اشتياق، حيث عرفت أنها متزوجة فقط بعدما اغتصبها زوجها، الذي كانت تعتقد أنه قريبها، وذلك رغم تعهده بعدم معاشرتها حتى تبلغ سن الرشد وتنهي دراستها.
وبرغم ذلك أصبحت اشتياق أصغر أم سودانية، أوضحت والدتها أنها عانت من مشاكل صحية في الحمل والولادة، وأصيبت بتشنجات كادت تودي بحياتها لتدخل في غيبوبة استمرت 17 يوماً، ناهيك عن معاناتها النفسية، التي استدعت خضوعها لجلسات علاج لدى المختصين.

القوانين ليست كافية:
في المقابل أكدت الأمينة العامة للمجلس القومي لرعاية الطفولة (السابق) آمال محمود في تصريح صحفي سابق أن القوانين ليست كافية لوقف ظاهرة زواج القاصرات في البلاد، حيث ترى أن القضية تندرج تحت الأعراف والتقاليد، مؤكدة أن اعتبار سن الـ 10 قانونياً غير منطقي وغير مقبول، وأنه لا بد من تعديل القانون و تنظيم حملات توعية.

أمراض نفسية واكتئاب:
الاختصاصية النفسية والتربوية أمل أحمد دعت الأسر السودانية إلى محاربة زواج القاصرات، وقالت إنه سبب أساسي للكثير من الأمراض النفسية مثل الهيستريا والاكتئاب والشكوى من الصداع، والكثير من الأمراض التحولية، بغرض الهروب من ضغوط الأبناء والمسؤوليات، إضافة للعمل خارج البيت بسبب الظروف الاقتصادية.

قوانين تحتاج لمراجعة:
وتقول خديجة الدويحي من المنظمة السودانية للبحوث والتنمية التي تجري أبحاثاً على زواج الأطفال- أن النشطاء يسعون لحشد التأييد لتغيير قوانين الأحوال الشخصية لأنها تنطوي على تمييز ضد المرأة وتهدف إلى حجزها داخل الأسرة، فبموجب قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعام 1991 ، لا تحصل النساء على حقوق متساوية. والمادة 40 من قانون الأحوال الشخصية لا تحدد حداً أدنى لسن الزواج وتقول: في الحقيقة إن الفتاة التي تبلغ من العمر 10 سنوات تستطيع أن تتزوج “بإذن من القاضي”.
وتضيف الدويحي: إن قوانين الأحوال الشخصية تنص أساساً على أن الفتيات يستطعن الزواج عندما يكن في عمر يسمح لهن بفهم الأمور، لكن هل يمكن القول إن الفتيات في سن 10 سنوات يستطعن فهم الأمور بسهولة؟.

تقارير الأمم المتحدة:
وتشير تقديرات صندوق الأمم المتحدة للطفولة أن ثلث النساء السودانيات اللاتي تتراوح أعمارهن الآن بين 20-24 عاماً كن متزوجات قبل بلوغهن سن 18.
وفي المناطق الريفية تبلغ نسبة زواج الفتيات الصغار حوالي 39 في المائة، مقابل 22 في المائة في المناطق الحضرية.

خبراء يتحدثون:
ويرى خبراء أن التشريعات القانونية والفتاوى الدينية أصبحتا الغطاء الذي يمرر زواج القاصرات، وقد أدى ذلك الى انتشاره بصورة أوسع من ذي قبل، وما يترتب على زواج القاصرات من خلق تشوهات اجتماعية، صحية وغيرها ليست من أولويات الحكومة، وهذا ما يضع أمام منظمات المجتمع المدني للنهوض بدور أكبر في مواجهة هذا الوضع.

فقدان فرص التعليم:
وكشفت دراسة عن ارتفاع كبير في نسبة زواج الأطفال في السودان، مما تسبب في فقدان ما بين 60% و70% من البنات فرصهن في التعليم في عدد من ولايات السودان، وأن مفهوم زواج البنت مبكراً من أجل سترها هو الطاغي لدى معظم المجتمعات التي شملتها الدراسة.

رأي الدين:
ويقول زعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي في حديث سابق حول زواج الأطفال إن الاستشهاد بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة وهي في التاسعة من عمرها غير صحيح، مشيراً إلى أن زواج القاصرات يتعارض مع مقاصد الشريعة، وزاد قائلاً: إن الأحكام في الإسلام تدور مع العقل فزواج الصبي والمجنون والطفلة حرام قطعاً مستشهداً بقوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم فيهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم)، وهذا يعني والحديث ما زال للمهدي أن صاحبة المال لا تستطيع أن تتصرف في شؤون أموالها وهي طفلة، فإن كانت لا تستطيع أن تتصرف في مالها فكيف تتصرف في نفسها.

استراتيجية وطنية لأنهاء زواج الأطفال:
في العام ٢٠١٥م أبلغ السودان الاتحاد الأوروبي بأنه أعد استراتيجية وطنية لإنهاء زواج الأطفال والقاصرات، وأعلنت حرم رئيس الجمهورية أن السودان تبني الدولة لشعار “القضاء على زواج الطفلات لتعزيز تعليم البنات”.

ارتفاع نسبة الممارسة:
وكشف المجلس القومي لرعاية الطفولة أن المسح الأسري في السودان والذي أجري في العام 2010 م أنَّ زواج القاصرات بلغ في الريف نسبة 40% أما في الحضر فكانت نسبته 28%. ثم أُجري مسح آخر في العام 2013 م بجانب دراسة حديثة حول (معرفة السلوك المتعلق بالزواج المبكر (زواج الأطفال) أكدت نتيجة المسح ارتفاع شديد جداً في نسبة زواج القاصرات لبعض الولايات مثل النيل الأزرق ودارفور. حيث بلغت النسبة في ولاية غرب دارفور 58%، وشرق دارفور 45%، والقضارف 48% ، وجنوب دارفور 53,8%، والخرطوم 27%، وقد اكتشفت الدراسة أيضاً أن 15 % من الفتيات القصر اللائي يتزوجن تتراوح أعمارهن ما بين 10 إلى 14 عاماً وأن الزواج المبكر يمارس بقطاع كبير في عدد من القبائل.

إحصائيات اليونسيف:
كشف دراسات من منظمة اليونسيف العالمية أنه تتزوج واحدة من أصل 3 فتيات في المناطق النامية من العالم قبل بلوغها سن الـ18، ويقدر أن 1 من كل 9 فتيات في البلدان النامية تتزوج قبل سن الـ15 عاماً. وتشير الإحصائيات إلى أن أحد أكثر أسباب الوفاة شيوعاً للفتيات التي تتراوح أعمارهن بين الـ15 والـ 19 هو الحمل والولادة.

دراسات وبحوث:
أما البحوث والدراسات الحديثة في السودان، فتؤكد من جهتها خطورة زواج الطفلة صحياً، وتعرضها لأمراض يؤدي بعضها إلى الوفاة. وأفادت أن 38% من النساء في السودان تزوجن في سنٍ مبكرة، حسب مسح أجري في العام 2014، في وقت لم يكتمل فيه نمو الفتاة الجسدي والنفسي والاجتماعي، لمواجهة الحياة الزوجية.
وتوضح الأرقام أيضاً أن الغالبية العظمى من المتضررات ينحدرن من عائلات تعاني من أوضاع اجتماعية واقتصادية متدنية.

أسباب ودوافع:
تقول الباحثة الاجتماعية عفاف إبراهيم إن الدافع الرئيسي لزواج الأطفال هو الفقر و(ثمن) العروس، فمهر العروس يشكل عاملاً هاماً في تزويجها، حيث يعتقد بعض السودانيين أن العروس الأصغر سناً تكلف مهراً أكثر، ما يشكل حافزاً اقتصادياً للعائلات لتزويج الفتيات في وقت مبكر، فتصبح هي الوسيلة الأمثل للخروج من الظروف الاقتصادية البائسة، أو ببساطة مصدر دخل للوالدين، وتساهم التقاليد الشعبية والقوانين التي تسمح بزواج الأطفال، والضغوط الدينية والاجتماعية والخوف من العنوسة والأمية وعدم تقبل دخول المراة معترك العمل، في تفشي الظاهرة.

تقرير: نعمان غزالي
صحيفة الجريدة