زهير السراج

ارحموا غازي .. يرحمكم الله !!


* حسب الزميل (مقداد خالد) بجريدة (الصيحة)، فإن الدكتور (غازي صلاح الدين عتباني) رئيس (حركة الإصلاح الآن) كشف عن مواقف جديدة فيما يتعلق بترشيح الرئيس عمر البشير لمنصب رئيس الجمهورية لولاية جديدة، مؤكداً أنه لن يعترض على ترشيح البشير لدورة جديدة في حال توافقت القوى الوطنية على ذلك، باعتباره خطوة نحو الكمال، وليس الكمال بعينه، لافتاً إلى أنه تخلى عن نظرته المثالية للواقع الانتخابي.

* وكان العتباني ناهض إبان ترؤسه للكتلة البرلمانية لنواب المؤتمر الوطني، ترشيح البشير في انتخابات 2015م، بحجة أن نصوص الدستور الانتقالي لسنة 2005م حددت فترة الرئاسة بدورتين فقط.
* ويضيف (المقداد) أن (العتباني) قال إنه إذا حدث اتفاق، وتوافقت القوى الوطنية على الرئيس الحالي، فإنهم لن يفسدون الحفل، وسيتقبلون ذلك باعتباره خطوة نحو الكمال، وليس الكمال بعينه، منبِّهاً إلى أهمية التوصل لنظام حكم مستقر تكون فيه فترة الحكم محددة، سواء حدث ذلك في الدورة الحالية أو التي تليها، فالمهم أن يحدث.

* وشكا العتباني ـ حسب مقداد ـ من أخذ أقواله في مسألة التجديد للبشير بمنحى شخصي، وقال، إنه ليس ضد شخص بعينه، ولا ضد الرئيس، وليس حكماً على أدائه، وإن هذا شأن الشعب السوداني، وإنه ضد أن تجر هذه القضية إلى خلاف مستفحل، وإلى انشقاقات وانشطارات. انتهى الحديث.

* لم أستغرب هذا الحديث من الدكتور غازي، فقد عرف بالتناقضات الكثيرة في مواقفه وآرائه، كما أنه شخص متعصب لرأيه، ويجنح في كثير من الأحيان الى الخصومة الشديدة عندما يختلف معه أحد في الرأي، وكان أحد أبرز الذين عارضوا نهج الترابي في كثير من القضايا، ومنها حل المجلس العسكري، وتقليص سلطات رئيس الجمهورية، وشارك بفعالية كبيرة في عزل الترابي لصالح البشير، وأسهم بشكل كبير في ترسيخ الحكم المطلق للبشير، ثم اتخذ مواقف مناقضة لهذا الترشيح، وعارض ترشيح البشير لدورة ثانية، وهاه و الآن يؤيد تأييد ترشح البشير لدورة أخرى!!

* لقد عاصرت (غازي) عندما كان في موقع السلطة ووزيراً للإعلام، ورأيت كيف كان يتعامل بتعالٍ شديد مع الصحفيين، ثم يستعين بهم عندما يريد أن يحسم بعض القضايا الخلافية داخل حزب المؤتمر الوطني لصالح رأيه، خاصة عندما كان رئيساً لوفد المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وعندما خرج من الحكومة التي كان صاحب النصيب الأكبر في تحديد سياساتها، صار معارضاً لتلك السياسات، ثم صار أحد المنافحين عن الديمقراطية عندما خرج أو (أُخرج) من الحزب، ثم ها هو يدعو الآن لترسيخ سلطة الفرد وترشيح البشير لدورة رابعة أو خامسة، وهو لن يتورع عن تأييده ليكون رئيساً مدى الحياة، إذا توافق هذا التأييد مع مصالحه وآرائه، وليس من المستبعد أن يغير موقفه هذا فيما بعد إذا رأى أن الأمور لا تسير كما يشتهي.. هذا هو غازي الذي أعرفه!!

* أقول، لم أستغرب هذا الحديث من غازي، ولكنني أستغرب من توقيت الحديث، ففي الوقت الذي تتجه فيه معظم الآراء لترشيح شخص آخر لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة بدلاً عن البشير، بل إن البشير نفسه أعلن عن عدم رغبته في الترشح مرة أخرى، وقال إنه قد تعب، ويريد أن يرتاح، يخرج علينا غازي بهذا الحديث الغريب، ويبرر حديثه بأنه إذا توافق الجميع على هذا الترشيح فإنه لن يكون الشخص الذي يفسد الحفل، باعتبار أن التوافق خطوة نحو الكمال، ولم يشرح لنا ما هو هذا الكمال، بل إنه يعلن بكل صراحة ووضوح تخليه عن النظرة المثالية للواقع الانتخابي، أي أنه يسقط المبادئ من حساباته إذا إستحال تطبيق هذه المبادئ .. وهو ما يكشف بوضوح عن انتهازية غازي وميكافليته التي كانت على الدوام جزءاً لا يتجزأ من شخصيته التي أعرفها، والتي لا تختلف عن شخصية الكثيرين من أعضاء وأنصار الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني بكل مسمياته القديمة والجديدة والمستقبلية!!

* بينما تعب البشير، كما يقول، من السلطة، فإن غازي لا يزال طامعاً في السلطة، وساعياً لها، لدرجة أنه يتنازل عن الأخلاق والمبادئ من أجل الوصول إليها، رغم السنوات الطويلة التي تسلط فيها على الشعب، وكان أحد الذين شاركوا بدور كبير في إفساد الحياة السياسية في السودان، وتدمير مكتسبات ومقدرات الشعب!!
* غازي تعب من الراحة، ومكابدة آلام البعد عن السلطة، وهو يبحث عن منصب رفيع يريحه ويختم به حياته السياسية.. فلا تحرموه من هذا الشرف الرفيع الذي لا يسلم إلا إذا أريقت على جوانبه الأخلاق والمبادئ.. ارحموا غازي، يرحمكم الله!!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة