متى يصحو بريش ؟!
* ستة أعوام مرت منذ تكوين (آلية مكافحة الفساد) في مارس 2010، بدون أن نشعر بوجود هذه الآلية أو قيامها بعمل محسوس، فلا يزال الفساد يستشري كالنار في الهشيم في أجهزة الدولة، كما تقبع آلاف القضايا في الأدراج بدون أن يجرؤ أحد على فتحها أو حتى مجرد النظر إليها، بل إن وزير العدل يعترف بكل جرأة ووضوح أمام المجلس الوطني أنه تلقى أوامر عليا بإجراء تسوية وغلق ملف الشركات التي استولت على الأموال المخصصة لاستيراد الدواء بدون وجه حق، وبدون أن تستورد حقنة واحدة، مما يدل على أن الفساد أمر ممنهج يسري من أعلى الى أسفل في دولة الإنقاذ الوطني الفاسدة ولن تجدي مكافحته، ولن توجد رغبة جادة في مكافحته ولو تكونت عشرات الأجهزة، كما حدث في معظم الدول العربية التي حكمتها أنظمة شمولية قمعية، ولن يكون مصير السودان أفضل منها!!
* ففي تونس رعى الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قبل سقوطه بعشرة أشهر فقط دورة الانعقاد السابعة والعشرين لوزراء الداخلية العرب في الخامس عشر من مارس 2010 بالعاصمة التونسية، وألقى كلمة عصماء عن ضرورة مكافحة فساد القطاع العام في العالم العربي، ووجه الأجهزة التونسية بتعرية وكشف الفساد في تونس وتقديم أي مسؤول تحوم حوله شبهات الفساد للتحقيق الفوري، ثم قام بعزل الحكومة أمام الضغط الجماهيري فيما بعد ولم يكن يتخيل وهو يفعل ذلك أنه سيكون هو أكبر الساقطين والملاحقين بتهمة الفساد بعد قيام الثورة وهروبه الى السعودية!!
* نفس الشئ حدث في مصر التي أعلن نائبها العام عبدالمجيد محمود في شهر ديسمبر 2010 ، قبل شهر واحد من انفجار الشارع المصري عن إنشاء لجنة قومية لمكافحة الفساد المالي والإداري، وقبل ذلك قال المخلوع المصري في الجملة الافتتاحية للبرنامج الانتخابي لانتخابات مجلس الشعب 2010 “إننا نخوض الانتخابات القادمة وأعيننا على الشعب.. ونطرح برنامج الحزب للسنوات الخمس المقبلة من أجل المزيد من النمو وفرص العمل وتحسين الدخول.. نطرحه من أجل المزيد من التصدي للفساد” وقبل أن تنقضي بضعة أشهر غرق الفرعون في بحر الفساد الذي كان يسبح فيه!!
* وفي الجماهير الليبية العربية لاشتراكية العظمى فقد كان الشعار المرفوع على جدران المباني الحكومية طيلة 42 عاماً من الحكم الشمولي هو (نعم للنزاهة.. ونعم للتنمية)، ولم يسكت القائد الأممي لحظة واحدة في محاضراته الهزلية الطويلة أمام المؤتمرات الجماهيرية عن شتم الفساد والفاسدين ومطالبة الشعب الليبي بفضحهم، قبل أن يتبين للعالم أنه كان الفاسد الأكبر!!
* أما في اليمن السعيد، فقد أمر الرئيس علي عبدالله صالح الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد بتحريك كل الملفات المجمدة للفاسدين، وإحالتهم للقضاء وفي مقدمتهم (أولئك الذين يدعون الطهارة وهم غارقون في الفساد)، وكان ذلك في 2 سبتمبر 2010، ولم يمضِ سوى عام حتى شهد الناس فضيحة سقوطه، وتوسله للبرلمان اليمني كي يمنحه حصانة تتيح له الهروب من جحيم الدنيا الذي كان سيتقلب فيه، قبل أن يستعين بحلفائه الحوثيين ويعود الى الحكم من الباب الخلفي، ولكن أين يهرب من جحيم الآخرة!!
* لا أعتقد أن مصير آلية مكافحة الفساد في بلادنا سيكون أفضل من الآليات التي سبقتها في تلك الدول التي حكمتها الأنظمة القمعية الشمولية الفاسدة، فهي مجرد خيالات مآتة، نُصبت لخداع الجماهير، ولكن على الأقل فلقد أنعم الله على تلك الدول بسقوط الأنظمة الفاسدة التي حكمتها وعاثت فيها فساداً، فمتى يأتي دورنا وينعم الله علينا بسقوط نظام الإنقاذ الفاسد.. استيقظوا أيها الناس، أو على رأي الكابتن (أمين زكي) عندما كان مدرباً للمنتخب الوطني السوداني قبل سنوات، ووقف على الخط في إحدى مباريات المنتخب صارخاً بأعلى صوته: (أصحى يا بريش)، ليحث لاعب المنتخب والموردة (بريش) كي يترك التقاعس ويلعب بقوة ورجولة!!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة