ضياء الدين بلال

(القطار ما غلطان)!


-1-

لو أنَّ وزير النقل مكاوي محمد عوض اختار أيَّ مُبرِّر آخر، لحادثة القطار بتقاطع موقف شروني بقلب الخرطوم، غير نفي المسؤولية عن القطار، لكان أليقَ به وبوزارته وأجدرَ بالاحترام.
مكَّاوي قال في إفادات له ببرنامج تلفزيوني في قناة النيل الأزرق حمل عنوان (حوار مفتوح)، إن موقف المواصلات أُنشئ بالقرب من السكة الحديد؛ وليته اكتفى بتلك الإشارة، ولكنه أضاف جملة صاقعة حين قال: (وفي كل الأحوال القطار ما غلطان)!
بتعديل الصورة المقلوبة يتضح الآتي:
عبء المسؤولية الأخلاقي قبل الجنائي لا يقع على القطار، ولكن على الذين قصَّروا وتساهلوا في وضع التدابير العملية والتنسيقية، لمنع تكرار مثل هذه الحوادث المُفجعة.
الأرقام لا تكذب والحقائق لا تتجمَّل، ألم تكشف الأرقام الرسمية أن إحصائية العام الماضي لحوادث القطارات بلغت (25) بلاغاً، فيما وصل عدد البلاغات خلال العام الحالي فقط – وهو أكمل شهرين لا أكثر – (17) بلاغاً؟!
أ بَعْدَ كُلِّ هذا لا يجد وزير النقل مكاوي في جُعبته التعبيرية غير هذه الجملة المُستفزَّة على وزن (المرحوم غلطان) والتي وضعتها أغلب الصحف في عناوينها الرئيسية:
وزير النقل: (القطر ما غلطان)!

-2-

كُلُّ المعطيات تُحدِّدُ دون لبسٍ أو غموضٍ الجهات المسؤولة عن القصور والإهمال الذي ترتَّبت عليه هذه الحوادث المُتكرِّرة.
في شهرٍ واحدٍ فقط، سبعة عشر حادثاً بمُعدَّل حادثين كُلَّ أسبوع!
بكُلِّ تأكيد لا توجد دولة على هذه البسيطة تتحقَّقُ فيها هذه النسبة من حوادث القطار في التقاطعات داخل المُدن.
مع اعتماد براءة القطارات، فالأسباب واضحة وجلية.
قطارات بدائية، تقاطعات مُهملة داخل المدن الكبرى، الخالية من الرقابة، أفواج سيارات عابرة، ناقلات مُثقلة بالأحمال، تمشي الهوينا على الإسفلت، ولا يبقى سوى ميقات الاصطدام ومراسيم العزاء!

-3-
الوزير مكاوي يمضي على عادة المسؤولين الذين يبرِّئون أنفسهم ويُدينون الآخرين، ولا يُدفعون فواتير الأخطاء التي تعبُرُ من بين أيديهم وأسنَّة أقلامهم.
الوزير مكاوي قال في البرنامج إن لهم خطة مرحلية ستُنفِّذُها الوزارة في محاور عملها المختلفة بدأت من 2016، ويُتوقَّع أن تنتهي في العام 2029، بتكلفة كُليَّة تبلغ ستة عشر مليار دولار.
ألم يكن من الأوْلى لوزارة النقل وهي تضع تلك الخطة المليارية الطموحة، أن تستقطع بعض آلافٍ من الجنيهات لحماية أروح العابرين على التقاطعات داخل المدن؟!
كُلُّ ما يتطلَّبُه الأمر لتفادي تلك الحوادث وحماية الأرواح لا يتجاوز مئات الآلاف من الجنيهات (شواديف)، ومرتبات عمال من السكة الحديد وجنود من شرطة المرور يقفون على التقاطعات!
-أخيراً-
نعم، (القطار ما غلطان)، فهو جماد، ليس عليه مسؤولية ولا تكليف يُحاسب عليه، ولكنَّ المسؤولية والتكليف على الوزارة ووزيرها والجهات ذات الصلة، فلماذا الهروب بقطار التبريرات؟!!

ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني