سؤال الدين والدولة.. ما المناسبة؟!
عقدت مجموعة صغيرة من السودانيين تحت تصنيف (إسلاميين) و(علمانيين)، ملتقى في العاصمة الكينية ” نيروبي ” في الفترة من (25 – 23) فبراير المنصرم، لمناقشة قضية الدين والدولة في السودان، وليس في كينيا!.
وقد اختتم الملتقى الذي شارك فيه ناشطون سياسيون وإعلاميون بعدة توصيات، أهمها مطالبة الدولة السودانية بأن تكون (على مسافة واحدة من جميع الأديان والطوائف)!!.
حسناً.. ما الذي استدعى سؤال الدين في هذا الوقت بالذات، ليكون قضية أساسية يشد الرحال لمناقشتها في العواصم الأفريقية مع سودانيين آخرين (معارضين) في منافيَ اختيارية؟!.
هل موضوع الدين وعلاقته بالدولة كان أحد الأسباب الموضوعية لإشعال الحرب في دارفور في العام 2003م، بعد أن وقعت الحكومة والحركة الشعبية المتمردة في جنوب السودان في 20 يوليو من العام 2002م، برتوكول ” مشاكوس ” الذي حسم الجدل حول مسألة الدين والدولة نهائياً، وأجاب عليها، فيما أصبح نصاً مهماً في اتفاقية السلام الشامل وباباً في دستور السودان الانتقالي للعام 2005 م؟.
لا الحرب في دارفور حيث لا دين غير الإسلام، و لا الحرب التي أشعلتها الحركة الشعبية في جنوب كردفان وأطراف النيل الأزرق عام 2011م، كان (الدين) أحد أسباب إشعالها، على الإطلاق.
وحتى الحرب في الجنوب التي اندلعت قبيل الاستقلال في العام 1955م، لم يكن سؤال الدين مركز أزمتها، بل كانت تعبيراً عن ظلامات سياسية ومطالبات بالحكم الذاتي، بدليل أن مجلس الكنائس العالمي كان أحد رعاة اتفاقية ” أديس أبابا ” عام 1972م، ولو كانت الكنائس تقر بوجود اضطهاد ديني لرعاياها في جنوب السودان، لما سعت لإعادة (الضحية) إلى حضن (الجلاد)!!.
وتكرر المشهد في (نيفاشا)، لعلم البابوبية في ” الفاتيكان ” و أساقفتها في ” الخرطوم ” و ” الجنوب ” أن الدين تم استغلاله بصورة قبيحة لتحقيق مكاسب سياسية وقسمة بنسب مضاعفة في الحكومات.
بعد انفصال الجنوب قبل (6) سنوات، لم يعد السؤال عن علاقة الدين بالدولة مطروحاً بأهمية، لأن الإجابة عليه قد ضمنت في الدستور الحالي، وطبقت عملياً في فترة الانتقال لاتفاقية السلام من العام 2005 إلى العام 2011م، حيث تولى الأخوة (المسيحيون) الكاثوليك والأرثوذكس، أرفع المناصب الدستورية ابتداءً من منصب النائب الأول للرئيس الذي يقاسم الرئيس في بعض سلطاته الدستورية، بما في ذلك سلطة إعلان الحرب، مروراً بالكثير من المواقع العليا في الدولة والسلك الدبلوماسي والأجهزة الأمنية.
لم يعد سؤال الدين مطروحاً – الآن – إلا في ما يتعلق باختراق جماعات السلفية الجهادية مثل (القاعدة) و(داعش) لأعداد قليلة من طلاب بعض الجامعات، مستغلة غياب حركات التربية الروحية المتوازنة والإسلام السياسي المعتدل عن سوح تلك الجماعات لتختطفهم خلايا الغلو والتنطع ومجموعات التكفير.
ولهذا وغير هذا، فإن إعادة إثارة قضية الدين والدولة مجدداً، سواء في ملتقيات خارجية مصادر رعايتها وتمويلها مجهولة، أو على صفحات الصحف بتسطيح بليد يسيء لأصحابها وكتابها قبل أن يمس الدين، يبدو أمراً مثيراً للريبة.. والقلق.. والتساؤل أكثر من سؤال الدين والدولة نفسه!!.
الهندي عزالدين – شهادتي لله
صحيفة المجهر السياسي