الطاهر ساتي

يتكلمون عن الفساد …«كلام ساكت » ..!!

[ALIGN=JUSTIFY][ALIGN=CENTER]يتكلمون عن الفساد …«كلام ساكت » ..!![/ALIGN] ** اسمها كما ورد بالأمس فى صحيفتكم هذه : الهيئة البرلمانية لمحاربة الفساد .. وقع على ميثاق إنشائها ما يقارب الخمسين نائبا وانتخبت مكتبا قياديا مؤقتا برئاسة نائب رئيس البرلمان أتيم قرنق وعصام الدين ميرغني مقررا ويحيى الحسين مستشارا قانونيا ..والهيئة تبدأ نشاطها مطلع أبريل المقبل باختيار قيادتها وإجازة دستورها ولوائحها ، ثم تعلن عن نفسها بحفل تأسيس صغير ، أو كما قال أحدهم لمندوبة «الصحافة» بالبرلمان ..نواب الهيئة تواثقوا على محاربة الفساد في مؤسسات الدولة بالوسائل التالية : إثارة قضايا الفساد فى البرلمان بالأسئلة والمسائل المستعجلة وطلبات الإحاطة ، وتمليك وسائل الإعلام الوثائق والمعلومات التى تتحدث عن الفساد والمفسدين لتشكيل الرأي العام .. !!
** ذاك نصف الخبر ، ولكن النصف الآخر مهم ، وهو كما يلي : ..عضوية الهيئة تقتصر حاليا على البرلمانيين فقط ،على أن تفتح باب عضويتها لاحقا لمن يشاء .. والهيئة مرتبطة بالبرلمان ، أي فى حال فض البرلمان الحالي – بالانتخاب أو بالطوارئ – فان الهيئة البرلمانية لمكافحة الفساد ستتحول إلي مؤسسة أهلية تحمل اسم : الهيئة السودانية لمحاربة الفساد .. انتهى النصف الثانى للخبر .. وعليه ، انتهى الخبر الخالي تماما من أي حدث سار يبشر الناس فى الحياة بأن جهة ما فى الدولة السودانية شرعت بجدية فى محاربة الفساد .. جوهر الخبر يختلف تماما عن مظهره ، وكل ما جاء فى الخبر لايتجاوز متن الحدث فيه سطرا فحواه : بعضا من المواطنين فى مرحلة تأسيس منظمة طوعية تعمل فى مجال مكافحة الفساد ، مقرها مؤقتا بالبرلمان ولاحقا تنتقل إلي العمارات أو غيرها ..أي ، هي فقط منظمة مجتمع مدني لاغير ، ولاعلاقة لها من قريب أو بعيد بالبرلمان وهيكله الإدارى وقوانينه ولوائحه ، ومفردة البرلمانية التى وردت فى اسم المنظمة مردها أن المؤسسين نواب برلمان وفى حال إحالتهم إلي الشارع العام – بالانتخاب أو بالطوارئ – ستختفي تلك المفردة وتحل محلها مفردة ..« السودانية » ..!!
** بالتأكيد ليس هناك مايمنع أي مواطن من تأسيس منظمة ، هيئة ، جمعية أو رابطة تعمل فى أي مجال .. وبما أن بعضا اختار تأسيس هيئة تعمل فى مجال محاربة الفساد ، ما علينا إلا أن نبارك لهؤلاء وغيرهم العاملين فى مجالات مختلفة ..ولكن النائب البرلماني ، أي نائب برلمانى – وليس عضو تلك الهيئة فقط – يجب أن يتخذ سلطته البرلمانية كأقوى وأفضل آلية فى محاربة الفساد .. فالمنظمة – أو الهيئة المقترحة – مهما اجتهدت فانها لن تحاسب مفسدا ولن تعاقب فاسدا ، ودورها لن يتجاوز دور منظمة أم كلثوم الخيرية لمحاربة العادات الضارة ، تحذر وتثقف ، أو هكذا دور منظمات المجتمع المدني .. ولكن البرلمان ، أي برلمان – ما لم يكن إمعة أو صامتا عن الحق – فانه يحاسب ويعاقب الفاسد على فساده ، أيا كان موقعه فى إعراب الدولة ..وللأسف البرلمان لم يفعل ذلك ، لأن النائب فيه لايريد له فعل ذلك ، بل يريده برلمانا مباركا لكل مايحدث فى دهاليز مؤسسات الدولة بالصمت والتجاهل .. والشواهد كثيرة ، ولن يكون أخرها تلك الشركات العامة التى تتهرب من المراجعة العامة نهاية كل عام ليتوسل البرلمان إلى إدارتها بواسطة لجان الأجاويد والتحذيرات الصحفية ، لتخضع المال العام للمراجع العام ، بيد أن الوزارات التى تدير تلك الشركات قاب قوسين أو أدنى من مقر البرلمان ، ومع ذلك لم ينل البرلمان شرف مثول وزير أمامه للمساءلة فقط على تهرب شركة وزارته من المراجعة ، لم ينل شرف مساءلة وزير فقط ناهيك عن ..« سحب ثقته » …!!
** وإن كان البرلمان – رئيسا ونائبا ونوابا – عجز عن توثيق موقف إصلاحى للتاريخ والأجيال ، فهل من العقل أن ينتظر أمل الناس والبلد منظمة تأسست تحت قبته لتوثق لهم موقفا أو مواقف ..؟..أي ، إن كانت قبة البرلمان بكاملها خالية من فكي إصلاحي يحاسب التنفيذي ثم يسحب منه ثقته ، فهل ضريح بجوارها – مسمى بالهيئة أو منظمة – يرقد فى لحده هذا « الفكي المنتظر » ..؟.. لا ..انها أحلام يقظة أو انها محاولة لمسك الأذن اليمنى باليد اليسرى الممدودة وراء الرأس ، وكل هذا الرهق لتوضيح مكان « الأذن اليمنى » ..لماذا هذا اللف الطويل والدوران العقيم فى محاربة الفساد ..؟.. لماذا منظمة طوعية تحت قبة البرلمان برئاسة نائب رئيس البرلمان فى وجود « برلمان وسلطة رقابية موثقة فى دستور الدولة » ..؟.. هكذا يجب أن نسأل ، مع التأكيد للمرة الثانية بأن السؤال لا يلغي حق أي سودانى – نائبا فى البرلمان كان أو عربجيا فى سعد قشرة – فى تأسيس منظمة طوعية ..فقط يجب أن تأتي العزائم على قدر أهل العزم ، ما لم يكن قدر نواب البرلمان بحجم تلك « المنظمة » .. ثم .. الهيئة قالت ان وسائل الاعلام التى تشكل الرأي العام إحدى آلياتها لمحاربة الفساد ، وهو قول جميل ، ولكن ثم ماذا بعد تشكيل الرأي العام ..؟..ماذا حدث للذين شكلت وسائل الاعلام بفسادهم وتجاوزاتهم الرأي العام ..؟.. لا شئ ..الصحف تنبح والفساد ماشي ، أو هذا ماحدث ويحدث .. وعليه ، تفعيل قوانين برلمان البلد أفضل للناس والبلد من تفعيل لوائح منظمة خيرية ..هذا إن كنتم صادقين ..!!
إليكم – الصحافة الثلاثاء 10/03/2009 .العدد 5639 [/ALIGN]