اقتصاد وأعمال

صادر الفاكهة يدر ملايين الدولارات زراعة المانجو في السودان.. النظرة التقليدية تهزم الإنتاجية العالية


السودان بلد زراعي يمتلك ميزات هائلة في هذا القطاع، وليس أقلها الميزات الموجودة في الزراعة البستانية ومنها المانجو، الذي تقول الوقائع أنه بدأت زراعته بالبلاد منذ سنوات باكرة بعد استيراد شتوله من الهند ومصر، وتداعى أمس الأول الخميس جمع من المختصين في زراعة وصناعة المانجو بالسودان، في ورشة عقدت لهذا الخصوص.

ابتدارًا للقول يشير منسق برنامج الفاكهة بالسودان البروفيسر داؤود حسين إن تاريخ دخول زراعة المانجو للسودان مرتبط بدخول الإنجليز، وقال إن بداية زراعته كانت في مناطق جنوب النيل الأزرق في العام 1927م، وكشف داؤود الذي كان يتحدث في ورشة “آفاق زراعة وصناعة المانجو في السودان” بقاعة الشارقة أمس الأول إن أول أصناف المانجو التي تمت زراعتها كانت مستوردة من الهند ومصر، لافتًا الى حدوث توسع في زراعته بعد ذلك حيث تمت زراعته في مناطق بربر وشندي ونوري في العام 1935م، مشيراً إلى أن الإمام عبد الرحمن المهدي قام بتأسيس جنائن طيبة بالجزيرة أبا في العام 1943م وزرع بها المانجو الذي ما يزال موجوداً حتى اليوم، لكنه عاد ليقول إن زراعة المانجو بالبلاد ما تزال تقليدية، وقال إن المزرعة الواحدة يوجد بها أكثر من صنف فيما يرى أن مساحات المزارع تكون متقاربة ووصفها بالصغيرة، معتبراً أن ذلك لا يساعد على زيادة الإنتاج بشكل جيد، علاوة على عدم انتظام الري وقال إن التسميد نادر أو غير موجود بالمرة، كما يغيب مفهوم تقليم التربة بالإضافة إلى تقليدية الحصاد، واعتبر البروفيسر داؤود أن كل تلك المؤشرات كانت جوانب سلبية في تجربة زراعة المانجو بالبلاد، داعياً إلى تغييرها والاعتماد على أحدث الأسس والأساليب العلمية التي توصلت إليها الأبحاث والدراسات، منوهًا إلى أن استصحاب تلك السلبيات ومعالجتها من شأنه تعزيز المنتج بشكل أفضل بكثير من السائد حالياً، مشيراً إلى أن فصل الشتاء معلوم هو الفصل الأنسب لإزهار شتول المانجو، لكنه عاد ليؤكد أن الفترة تمتد من شهر نوفمبر حتى مارس في بعض الأقاليم خاصة سنار والشمالية، وقال إن ثمة تنوعاً في مناخ البلاد في عدد من الأقاليم صالح لزراعة وإزهار شتول المانجو مما يستدعي الاستفادة من تلك الميزة لرفع الإنتاج والإنتاجية.

فيما يرى المحاضر بمركز البحوث الاقتصادية بجامعة الخرطوم، بروفيسر علي عبد العزيز، أن الصناعات البستانية بالبلاد ما تزال تنحصر في صناعات وصفها بالقليلة، مشيرًا إلى ضعف الاستفادة من هذا الجانب، وقال إن الصناعات المعتمدة على الزراعة البستانية تنحصر في صناعة المربات والصلصة والعصائر بشكل قال إنه قليل ولا يتناسب مع الإمكانات الكبيرة الموجودة بالسودان، مشيراً إلى أن السودان يصدر للأسواق العربية ما مجموعه “14.5” مليون طن من الفاكهة سنوياً، وقال إن عائدها لا يتجاوز “6” ملايين دولار، فيما يستورد فاكهة بأكثر من “44” مليون طن، مشيرًا إلى أن الصادر كان أغلبه يتجه نحو السوق السعودي لكنه تراجع بشكل كبير في السنوات الثلاث الأخيرة بالإضافة إلى السوق المصري، لافتاً إلى التغلب على إشكالية تناقص الصادرات مع تزايد الوراد من الفواكه يتمثل في تعزيز التحالفات مع الأسواق الخارجية، ورهن حدوث ذلك الأمر بمزيد من الاهتمام بالزراعة محلياً وزيادة الإنتاج حتى يتمكن السودان من استرداد موقعه السابق كأحد الدول المصدرة للمانجو وبقية الفواكه، داعياً لإبرام تفاهمات واتفاقيات مع الشركات العالمية العاملة في مجال الصناعات البستانية والاستفادة من خبراتها ومواردها في الارتقاء بالقطاع.

الثابت أن المانجو يعد من الفواكه المفيدة في الصناعات البستانية، ويمكن الاستفادة منه تصنيع العديد من الأغذية والمشروبات وتسويقها تجارياً وتحقيق عائد اقتصادي مقدر من خلالها، ولكن الناظر لحجم الاستفادة من هذا الأمر يراها قليلة شحيحة لحد كبير، وهو ما قالت به الخبيرة بمركز بحوث الأغذية إسلام كمال التي أشارت إلى أن ثمة معاملات عديدة لمرحلة ما بعد حصاد المانجو، وقالت إن تهيئته لمرحلة الصناعة ضعيفة بشكل واضح، مشيرة إلى أن ضعف الاستفادة من المانجو في الصناعات الغذائية بالبلاد بشكل عام، وعزت الأمر لعدم دخول صناعات متطورة وكذلك تدني جانب الصناعات التحويلية المعتمدة على الزراعة، ونوهت إلى أن الفائدة التي يمكن جنيها من المانجو متعددة فمنها التصدير المباشر كثمار ومنها إدخالها في صناعات غذائية وتصنيع المشروبات للاستهلاك المحلي، داعية إلى تعزيز الاهتمام بها وقالت إنها ثروة يمكن أن تسهم بشكل فعال في دعم اقتصاد البلاد سواء من العملات الحرة أو من تحريك السوق المحلي وتشغيل الأيدي العاملة وتلبية حاجة الأسواق طول العام وليس فقط عند المواسم القصيرة.

يعود منسق برنامج الفاكهة بالسودان البروفيسر داؤود حسين ليعدد أنواع وأصناف ثمار المانجو الموجودة بالبلاد، ويقول إنها تفوق الـ “38” نوعا وصنفاً يختلف كل منها عن الآخر في بعض الخصائص، وعدد منها صنف الفونس الذي قال إنه ذو ثمرة بيضاوية الشكل صغيرة الحجم وزنها “300” جرام ولونها الخارجي أصفر ولبها أصفر إلى برتقالي وهو زبدي الطعم حلو المذاق وخال من الألياف لافتاً إلى أنه صنف وحيد الجنين ومتوسط محصول الشجرة “300” ثمرة غير منتظم الحمل ، أما الصنف تيمور فالثمرة وزنها “400” جرام ولون الثمرة أخضر قاتم ولون اللب برتقالي خال من الألياف، وقال إنه صنف متعدد الأجنة، ومتوسط محصوله “550” ثمرة للشجرة، وصنف بيري مصري وهو ذو ثمرة بيضية عريضة لونها أصفر بخد أحمر ولون اللب برتقالي متماسك نسبته 80% من وزن الثمرة مشيرًا إلى أنه حلو الطعم له رائحة عطرية جميلة بالإضافة لكونه خالياً من الألياف، أما صنف عويس فثمرته صغيرة الحجم بيضاوية تزن “250” جراما ولونها أصفر به خدود حمراء وقال إنه صنف عديد الأجنة محصوله “450-500” ثمرة للشجرة، وصنف الهندي وهو له ثمرة صغيرة الحجم ذات شكل أسطواني مطاول لونها أخضر فاتح، واللب برتقالي اللون له نكهة ورائحة عطرية، وهو صنف عديد الأجنة المحصول غزير الإنتاج حوالي 700 ثمرة الشجرة، وتوجد العديد من الأصناف الأخري منتشرة زراعتها بالبلاد منها، مبروكة والمحمودي وأبو سمكة خضراء وأبو سمكة بيضاء.

في شأن زراعة المانجو بالسودان يمكن الإشارة إلى أن أصحاب المشاتل درجوا على استخدام طريقة التطعيم باللصق لفترات طويلة وهو ما تغير في السنوات الأخيرة حيث تم تحويل الإكثار الى طريقة التطعيم بالقلم والتي يشير المختصون إلى أنها تحتاج إلى بحوث كثيرة حتى نصل إلى نتائج مرضية من حيث نسب النجاح والتطعيم بالقلم مع التوصية بالتغطية بأكياس البلاستيك هي جيدة ولكن بها سلبيات منها عدة مشاكل تتمثل في رفع الرطوبة حول الطعم تبلغ 90% مما يؤدي إلى تكاثر الكائنات الممرضة حول أطعم خاصة الفطريات والبكتيريا التي تؤدي إلى تحلل وتعفن الطعم وربما أدت الى موت الأصل في كثير من الأحيان.

كما يرى بعض المختصين أن الأصول المستخدمة للتطعيم عبارة عن مجموعة مختلفة من الأصناف وحيدة الأجنة وعديدة الأجنة مما ينتج تباينا واضحاً داخل الحقل الواحد من حيث النمو والإنتاجية وتحمل الأمراض وغيرها كما درج العامة في استخدام ما يطلق عليه الصنف البلدي وهو الكتشنر في التطعيم لذلك نحن بأشد الحاجة لانتخاب أصول للتطعيم مقاومة للأمراض ومقاومة لملوحة التربة، مقاومة للأراضي الثقيلة حتى نستطيع أن نؤسس صناعة بستانية واعدة لننافس في الأسواق العالمية.

يعود البروفيسر علي عبد العزيز مجدداً ليقول إن صناعة وإدارة المشاتل بالسودان اتسمت بالتقليدية والبعد كل البعد عن المواصفات القياسية لإنتاج الشتول بل الخلط في الأصناف أثناء عمليات الإكثار وغيرها، مشيرًا إلى أن ذلك يؤدي الى عدم المصداقية التي يتضرر منها أولاً وأخيراً المزارع وقال إن عملية الإكثار لا تتم بصورة وقائية كاملة حيث تعتبر الطعوم (صحة الأمهات) أدوات التطعيم عملية لنقل وانتشار أمراض فيروسية وبكتيرية وفطرية.

ولفت إلى أن ظاهرة تبادل الحمل في المانجو تعطي بعض الأفرع نمواً خضريًا بينما الأخرى تثمر بالتبادل مع الأخرىن وقال إن تلك الظاهرة يمكن تلافيها بتقليل الإثمار (الخف) او التسميد المنتظم او التقليم والتربية والتقليم تقليل تكاليف المعاملات الفلاحية وزيادة الإنتاجية لقلة الإصابة بالأمراض وزيادة الإنتاجية مع تقليل تكاليف الرش والمكافحة وتقليل تكاليف الحصاد وتحسين كفاءة إدارة اللبستان والإشراف وتقليل العمالة وزيادة الإنتاجية المزرعة وزيادة حجم الإنتاج كما أن دخول الأشجار الصغيرة في الانتاج المبكر يسهم في إعادة تنشيط الأشجار الكبيرة وإطالة عمرها وتطوير الجودة في الإنتاج إطالة مواسم الحصاد والتسويق في الزمن المناسب وإمداد السوق بالكمية اللازمة أسبوعياً.