منى ابوزيد

أي كَسبٍ وأية مَصْلحة ..؟!


«اتفقنا على ألا نتفق» .. جمال الدين الأفغاني ..!
تعليقاً على مقال (التجديد في زمن التقليد) الذي نشر بهذه المساحة قبل أيام، في الذكرى الأولى لرحيل الشيخ د.حسن الترابي، أرسل إلي الدكتور إبراهيم التوم – وكيل كلية أم درمان الجامعية لتكنولوجيا الصحافة والطباعة، والخبير السابق بشركتي أرامكو وبتروناس – تعقيباً مطولاً، أعتذر عن اجتهادي في تلخيصه – لضيق مساحة العمود – قبل أن أورده، كرأي آخر حول مسألة «المرأة في أطروحات الترابي» ..
الأستاذة منى ..

قرأت مقالك (التجديد في زمن التقليد) باهتمام شديد، وبتمحيص أشد .. وأود أن أشير وأؤكد أنني شديد الإعجاب بالدكتور حسن الترابي، رحمه الله وغفر له، منذ أن كنت طالباً في المرحلة الثانوية، وليس ذكر إعجابي ما يضيف للمرحوم قدراً يرفعه، بل ليس في تعجبي مما يكون منه، مما ينتقص من مقداره ..

التجديد بالمعنى اللغوي العريض، إشارة لتغيير يطرأ، أما بترك القديم بالكلية أو بإعادة ترتيبه.. والتجديد بالضرورة وسيلة للتحسين وليس غاية في ذاته.. وهو ، بعد عارض يعرض للماديات والسلوك ونظم إدارة الحياة و فيما يرتبط أحيانا بالأعراف والتقاليد.. والسؤال الذي يطرأ هو .. هل هنالك ثوابت لا يجوز أن تمتد إليها يد التغيير؟ .. وهل التغيير محمود في كل الأحوال، وهل ما أفتى فيه الشيخ بشأن المرأة، فأقام الدنيا عليه ولم يقعدها، محامد حقيقية تصب في تحسين حياتها ورد حقوق لها ظلت مسلوبة ..؟!

إن القيم العليا وما يدعمها مما أقر خالق الكون، وهو الأعلم بما يصلح له، لا تكون هدفاً للتحوير والتبديل .. و حين نقرأ «إن الله يأمر بالعدل والإحسان» ندرك أن العدل والإحسان ثوابت يكون عليها مدار التغيير .. بل تقاس نجاعة التغيير ما دام يؤدي إليها و يعمل علي تأكيدها .. «سنة الله و لن تجد لسنة الله تبديلا» .. ولقد أجمع العارفون، والإجماع حجة، ألا اجتهاد مع النص ..

ونرى كذلك، أن العبادة اتباع المنصوص وإن غابت عن الإدراك أسرار نصه وحكمتها .. «أصدع بما تؤمر» ولقد مثل هذا التوجه قول عمر بن الخطاب ودعوته «اللهم إيمانا كإيمان العجائز».. و لم يك عمر بالساذج ولا ضيق الأفق وهو العبقري الملهم .. ولكنه فقه تماماً ما يعنيه النص .. بل إنه كان يحذر قضاته بإعمال فطنتهم واجتهادهم فيما ورد فيه نص قاطع .. هذه مسائل إن شابها التغيير فهي إدعاء دعاة التغيير إن إدراكهم أشمل من خالقهم .. والعياذ بالله ..

وإني إذ أنظر في بعض ما دار حوله الجدل والمناظرة في أطروحات بشأن المرأة يتبادر إلى ذهني التساؤل الآتي:
أي كسب وأي محمدة للمرأة أن تكون إمامة أو لا تكون؟! .. وهل ما يحيق بالمرأة من غمط حقوق وإعلاء شأن ليندرج في مثل هذا؟ .. وهل وردت نصوص قاطعة في شهادتها؟ .. وهل في كل هذا ذاك ما يستدعي فرقة الرأي والتلاسن .. إن الأمر ليبدو بخلاف ذلك ..
اجتهد عمر في إعادة صياغة حق للمرأة لما رأى فيه من المصلحة المرجوة.. فاستوقفته عجوز وأبطلت اجتهاده مستندة على النص القرآني .. فقال قولته المشهورة «أصابت امرأة وأخطا عمر .. كل الناس أفقه منك يا عمر».. وكانت مصلحة النساء في ذلك الأمر تستدعي النزاع ..

لم يطل عمر الجدال ولم يستنجد بما أسبغ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الهام في الفتوى، بقوله «لو كان رسول من بعدي لكان عمر» .. فالنص الثابت كان عنده فوق كل ظن واجتهاد .. أردت أن أخلص من هذا إلى أن النص الثابت أمر يقطع كل جدال .. وأن الإجماع أولى بالاتباع .. وأن الخوض في ما لا طائل منه مهلكة .. قال صلى الله عليه وسلم «إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم» ..
وأؤكد أن الدكتور الترابي، بحسب محدودية إحاطتي ، ممن أتاهم الله سعة في العلم، ونبوغاً في الفكر، وسبقاً في الدعوة لله.. نسأل الله له القبول والغفران .. أما هذه السطور فهي رأي، أرجو أن تكون دوافعه البحث عن الحقيقة، بحسن نية وصفاء قلب ..
د.إبراهيم التوم

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة