زهير السراج

بلا دستور بَلا لَمَّة .. بَلا فلسطين !!


* لفت نظري في الحديث الأخير لوزير الإعلام عن الحوار والحكومة المرتقبة شيئان، الأول حديثه عن شرط الحصول على مؤهل جامعي للوزير بالمركز ووزير الدولة للمشاركة في الحكومة القادمة، والثاني إقحامه لاسرائيل عندما تحدث عن الاهتمام الدولي الذي يجده الحوار الوطني، و”حجم المداخلات الإلكترونية الكبير على موقع الحوار من أوروبا وأمريكا وإسرائيل” !

* أبدا التعليق على النقطة الثانية المتعلقة بحجم المداخلات الالكترونية، واقحام الوزير لدولة (إسرائيل) كرصيف لأوروبا وأمريكا، وهو أمر في غاية الغرابة، فلماذا خص الوزير (إسرائيل) بالحديث وهي دولة صغيرة جداً، لا يمكن مقارنتها بدولة في حجم قارة مثل أمريكا، أو قارة بأكملها مثل أوروبا؟!

* إذا أردنا فقط أن نقارن بين عدد المواطنين في إسرائيل، وفي القارة الأوروبية، وأمريكا، لوجدنا الفرق هائلاً، إذ يبلغ تعداد السكان في أوروبا حوالى 750 مليون نسمة، وفي أمريكا (الولايات المتحدة) حوالي 320 مليون، بينما يبلغ في اسرائيل 8 مليون فقط، منهم حوالي ستة مليون يهودي والبقية عرب، وقس على ذلك عدد السودانيين المقيمين في الأماكن الثلاثة، مع الوضع في الاعتبار إستحالة سفر السودانيين الى إسرائيل بطريقة قانونية، والحصول على حق الإقامة بها، مقارنة بأمريكا وأوروبا التى هاجر أو لجأ إليها عشرات الآلاف من السودانيين في السنوات الأخيرة بسبب الأوضاع المزرية في البلاد، فما الذي يجعل الوزير (يحشر إسرائيل) في هذا الموضوع، وليس مصر أو السعودية (على سبيل المثال)، أو لبنان التي يتساوى فيها عدد اللاجئين السودانيين مع عددهم في إسرائيل (حوالي أربعة آلاف تقريباً)!!
* أحد أمرين، إما أن تكون إسرائيل صارت هاجساً حقيقياُ لحكومة السودان، وموضع تفكيرها المستمر وتململها لإقامة علاقات دبلوماسية معها، خاصة مع الأحاديث المتكررة من مسؤولين سودانيين حول إمكانية إقامة علاقات مع الدولة الإسرائيلية، وما نشرته صحيفة (ها آرتس) الإسرائيلية في شهر يناير الماضي عن الضغط الاسرائيلى على الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية لتحسين العلاقة مع السودان ورفع العقوبات عنه، وهو ما يجعل المسؤولين السودانيين في حالة هضربة مستمرة عن اسرائيل ولسان حالهم يقول : ” أنتِ السماء بدت لنا ** واستعصمت بالبعد عنا” .. خوفا مما يمكن أن يحدث لو تجرأت الحكومة السودانية بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل!!

* الأمر الثاني، هو أن يكون حجم المداخلات القادمة من اسرائيل كبيراً بالفعل، ولكن من الفلسطينيين الغاضبين من ما دار في الحوار حول إقامة علاقات مع إسرائيل، وفي هذه الحالة فإننا نتساءل، لماذا لم يشر الوزير الى نوع المداخلات، أو يقل فلسطين، أو (فلسطين المحتلة) بدلاً عن إسرائيل، إذ أن الموقف الرسمي المعلن من السودان حتى هذه اللحظة أن إسرائيل دولة احتلال!!

* الموضوع الثاني، وهو شرط الحصول على مؤهل جامعي للمشاركة في الحكومة المقبلة، وهو شرط غريب جداً ومخالف للدستور الذي لم يشترط هذا الشرط على المرشح لمنصب رئيس الجمهورية (المادة 53)، والشرط الوحيد في هذه الجزئية أن يكون مُلماً بالقراءة والكتابة ( المادة 53، د)، ولم يشترطه على نوابه أو أعضاء الهيئة التشريعية أو الوزراء، فكيف تضع أحزاب أو أشخاص شروطا بمزاجهم بدون وضع اعتبار للدستور، وهو ما يؤكد عدم الاحترام للدستور وبقية القوانين الذي ظل الصفة الملازمة للحكومة والمسؤولين، وستلتصق هذه الصفة بالحكومة الجديدة حتى قبل أن تتشكل، ما ينبئ عن نوعها وطبيعتها!!

* كما أن هذا الشرط المجحف سيترك أثراً سيئاً جداً في نفوس الذين لم يحصلوا، أو لم تُمكِّنهم الظروف من الحصول على مؤهل جامعي، وهم الأغلبية في السودان، ومنهم كثيرون أفضل تعليماً وأكثر خبرة ودراية من الحاصلين على مؤهلات جامعية، إلا إذا كان مجلس الوزراء في نظر من وضعوا ذلك الشرط كلية دراسات عليا تمنح درجتي الماجستير والدكتوراة لشاغلي المناصب الوزارية (حسب الموضة السائدة في البلاد ).. ويجب في هذه الحالة أن يكونوا من الحاملين لمؤهلات جامعية .. بلا دستور بلا لمة !!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة