خطاب اعتذار للشيخة موزا!

حديث المدينة الأربعاء 15 مارس 2017

ولأن ضيفتنا الشيخة موزا بنت ناصر سليلة أصول عربية نبيلة فقد راعت التقاليد فلم تقل لنا كما قال رئيس دولة “بلروسيا” الذي ودون أن يتجول في بلادنا.. وبمجرد أن قرأ أرقام الذهب المنتج في بلادنا أصابته الدهشة فقال (بعد كل هذا الذهب.. أنتم فقراء)؟ كأني به يقصد أين يذهب الذهب؟.

الشيخة موزا زارت الآثار التأريخية السودانية في مروي؛ لتصبح أول ضيفة كبيرة تزور بلادنا فتتكبد متعة البحث عن (أصولنا) وتأريخنا.. لم يسبقها في ذلك إلا رئيس وزراء إثيوبيا الراحل “ملس زيناوي” الذي اصطحب معه أحد أشهر علماء السودان الدكتور جعفر ميرغني، وزار منطقة (المصورات) في ولاية نهر النيل.. ثم عاد إلى الخرطوم ليحاضر جمعاً مستنيراً من السودانيين (في فندق هوليدي فيلا) حول المشتركات بين الحضارتين السودانية والأثيوبية.

وفي يقيني أن الشيخة موزا وهي تستكشف الآثار التأريخية السودانية كان يراود خيالها سؤال وسّواس ربما اجتهدت في طرده عن دائرة تفكيرها.. استفهام محرج يقول: (بكل هذا التأريخ.. بكل هذا العمق الحضاري القديم.. السودان بلد متلق للإغاثات والهبات والصدقات؟).. التقاليد العربية الأصيلة منعتها من النطق بما نطق به لسان الحال.

الشيخة موزا رعت توقيع خمس اتفاقيات كلها تحت عنوان (إنساني)!.. وزارت المدارس في العاصمة والولايات فذهلت من شعب حضارته سبقت الآخرين.. وعرف الكتابة قبل سبعة آلاف سنة.. وفيه أكبر أكاديمية عرفتها الإنسانية، ولا تزال شاخصة لم تتهدم (المصورات).. شعب بكل هذا العمق الحضاري تحتضنه الحروبات والأزمات والآهات السياسية والاقتصادية.. فينتظر الإحسان الانساني.

هل هذه المدارس الشائهة الفقيرة هي من أنجبت البروفيسور محمد إبراهيم الشوش رئيس تحرير مجلة (الدوحة) في السبعينيات.. والطيب صالح.. قمر الرواية العربية؟.

ربما لم يتفضل أحد المرافقين للشيخة موزا ليحكي لها كيف كان السودان في (ستينيات القرن الماضي) مثلاً.. حينما زارته ملكة بريطانيا، وتجولت في المدن ذاتها.. وذهبت إلى مدينة الأبيض- أيضاً.

كانت المدارس أفضل، ليس مدارس العاصمة بل حتى أصغر قرية في أقاصي السودان العصية.. والجامعة الوحيدة أفضل.. والشوارع والسكك الحديدية، والترام الذي تزدهي به قصائد الشعراء، والخطوط الجوية السودانية، والناس كانوا يبدون في صحة وهيئة أفضل.. بل حتى كرة القدم.. وكانت أم كلثوم تغني للهادي آدم في المسرح القومي.. والكابلي يغني لأم كلثوم “أراك عصي الدمع” أصالة عن نفسه، ونيابة عن أبي فراس الحمداني.

حتى الفن كان “أفن”!.

اعذرينا يا نبيلة العرب، (نحن مش نحن)!.

عثمان ميرغني
صحيفة التيار

Exit mobile version