أمهات خلف القضبان .. الجريمة «جهاز البنات»
قبل حلول يوم 21 مارس من كل عام يتأهب الأبناء لشراء أثمن الهدايا لأمهاتهم تعبيرًا عن الامتنان والشكره لهن، في لفتة طيبة تتزامن مع احتفال مصر بعيد الأم، ورغم ذلك فإن شريحة ليست بقليلة تفتقد التعبير عما يشعرون به، إما لوفاة الأم أو لوجودها خلف القضبان.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض الأسر تواجه الأم صعوبات في تسديد الديون الناتجة عن اقتراض مبلغ مالي لشراء ما يحتاجه أبنائها للزواج، دون القدرة على الوفاء ببقية الأقساط، ليكون مصيرها هو الحبس، لتدخل ضمن عداد «الغارمات».
5 أبناء وزوج عاجز عن الحركة كان كفيلًا بإجبار «أمينة.س»، 35 عامًا، على مواجهة الصعوبات، التي بدأت مع رغبتها في شراء أحدث الأجهزة الكهربائية تلبيةً لاحتياجات أولادها، ومع موجة غلاء الأسعار تمكنت من تقسيط ثمن هذه المستلزمات.
«ثلاجة وغسالة وتليفزيون» كانت محصلة ما أشترته «أمينة» مع تقسيط المبلغ، والذي يبلغ قيمته 15 ألف جنيه، ومع عجز زوجها عن الحركة، جراء تعرضه لإصابة خلال عمله، زادت الأعباء عليها وحدها بعد فشلها في العثور على وظيفة تكسب منها قوت يومها.
وبتردي الوضع المادي عجزت «أمينة» عن سداد أقساط الأجهزة الكهربائية، ما اضطر البائع إلى رفع دعوى قضائية ضدها وحصل على حكمٍ بحبسها 3 سنوات، وختمت روايتها: «دلوقتى أنا ضايعة ومش عارفه أسدد الدين، وهو ده كابوس بيهدد حياتي».
الوضع لم يكن أفضل بالنسبة لـ«مريم.أ»، 52 عامًا، والتي اشترت الأجهزة الكهربائية بالتقسيط استعدادا لزواج ابنتها الكبرى، واضطرت إلى التوقيع على إيصال أمانة بمبلغ 20 ألف جنيه لإتمام الأمر، فيما اكتفى زوجها، صنايعي، بأن يكون ضامنا لها.
وما أن زفت «مريم» ابنتها إلى عش الزوجية انقلبت الفرحة إلى حزن، بعد أن لجأ الدائن إلى تحرير محضرا لعدم سدادها المبلغ المطلوب، ورغم توسلاتها له حتى يتيح لها فرصة جديدة، أصر على الاستمرار في إجراءاته القضائية، والتي انتهت بحكم بحبسها 3 سنوات.
ومع تخوف «مريم» من شبح تنفيذ الحكم القضائي نصحتها إحدى جاراتها بالتوجه إلى جمعية «نهوض وتنمية المرأة» لحل مشكلتها، وعليه توجهنا بالحديث إلى الدكتورة إيمان بيبرس رئيسة مجلس الإدارة، والتي أوضحت بأن النشاط مستمر منذ 4 أعوام من خلال تسديد ديون الغارمات.
وكشفت «بيبرس» أن عدد الغارمات 4730 سيدة، منهن 86% تعرضن للحبس لأنهن ضامنات لأزواجهن، مشيرةً إلى أن أغلب الديون تتعلق بسداد أقساط الأجهزة الكهربائية.
وتتمثل المساعدة التي تقدمها الجمعية، حسب تصريح «إيمان» لـ«المصري اليوم»، في تسديد الديون ومنح الغارمات قروضًا لتأسيس مشروعات متناهية الصغر، وذلك بالتعاون مع «أهل الخير».
وأوضحت «إيمان» أن الجميعة سددت ديون أكثر من 500 غارمة على مدار أربع سنوات، و120 أخريات في العام الجاري بمناسبة عيد الأم واليوم العالمي للمرأة، وهو ما يتم بالتنسيق مع المؤسسات المماثلة حتى لا يتكرر فك كرب بعض الحالات لأكثر من مرة.
إحصائيًا ذكرت الدكتورة نوال مصطفى، رئيس مؤسسة «رعاية أطفال السجينات»، أن 35% من نسبة السجناء هم الغارمين والغارمات، أي قرابة 30 ألف شخص، وتشغل السيدات منهن أكثر من 50%.
وعلى المستوى العملي أوضحت «نوال» أن المؤسسة سددت ديون أكثر من 350 غارمة منذ عام 2007، من ضمنهم السيدة «أميمة» أول «سجينة فقر في مصر» حسب تعبيرها.
وأشارت «نوال» إلى أن المؤسسة تعمل على تأهيل الغارمات نفسيًا ومهنيًا بعد خروجهن من السجون، لأن أرباب العمل يرفضون تشغيل أي سجينة سابقة في وظائف، وهو ما يتم التغلب عليه من خلال تأسيس ورش للتدريب لمن شارفن على إنهاء مدة العقوبة، بجانب زيارة الأطباء النفسيين لهن مرة أسبوعيًا.
وأعادت رئيسة مؤسسة «رعاية أطفال السجينات» سبب ارتباط الظاهرة بالسيدات إلى «أن التاجر يشترط أن توقع زوجة المدين أو أمه على الإيصال لضمان السداد»، ولتفادي الأمر دعت إلى إلغاء عقوبة الحبس في قضايا العجز عن تسديد الديون واستبدالها بأخرى مدنية تحت رقابة الأجهزة الأمنية، منعًا لتشريد الأطفال.
المصري لايت