الدكتور صلاح البندر : الحزب الشيوعي يعاني من أنيميا فكرية وسياسية وتنظيمية حادة

بدا الخبير الإستراتيجي، والمحلل السياسي، عضو الحزب الشيوعي السابق د. صلاح البندر، ناقماً على المعارضة وعلى الحزب الشيوعي بصفة خاصة. ورسم البندر من مقر إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية، مستقبل شديد القتامة للحزب الشيوعي قائلاً إن الموت سيكون مصيره طالما ظل يعاني من الاختراق.

وفي منحى ذي صلة، وصف البندر، الأمين العام للحركة الشعبية – شمال، ياسر عرمان، بالفاسد الشرير متوقعاً زوال مشروع عرمان في وقت قريب، وفي الصدد تنبأ في حواره مع “الصيحة” بأيلولة قيادة الحركة لجقود مكوار بحكم ثقله السياسي والعسكري.

· كيف ترى مستقبل السودان سياسياً واقتصادياً في ظل الانفتاح على المجتمع الدولي؟

– يجب أن نعترف بأننا ما نزال في منعطف ضيق أو (جحر ضب)، والترويج وكأننا عبرنا إلى حضن المجتمع الدولي بسلام مخادعة للنفس وتضليل هنالك قضايا خطيرة ومعقدة على المستويين الإقليمي والدولي تشكل قنابل زمنية تهدد استقرار السودان.

· قضايا مثل ماذا؟

– هنالك حزام النار من الحدود التشادية غرباً مروراً بأبيي وجبال النوبة والنيل الأزرق شرقاً إلى الحدود الأثيوبية، وتتضاعف كل يوم مهددات الأمن الوطني ومخططات ضرب النسيج الاجتماعي، ناهيك عن بؤر الأزمات المعيشية اليومية في عموم ريف وحضر سودان وادي النيل الأوسط، وكلها تحديات واستنزاف لرصيد مستقبل البلاد.

· لماذا ترسم مستقبلاً قاتماً للسودان؟

– مستقبل السودان السياسي والاقتصادي لم يتجاوز بعد التوصيف الدقيق الذي عبر عنه مؤسس الإعلام السوداني الحديث أحمد يوسف هاشم عندما ذكر بالنص قبل (85) عاماً..

· مقاطعة: قبل (85) عاماً؟

– لا تندهش، نعم قبل (85) عاماً، وذلك حين قال على صفحات مجلة النهضة (يجول الإنسان في أنحاء العالم طراً فلا يجد أمة لها من المرافق الحيوية والاستعداد الفطري مثل ما لنا. إننا أمة قديمة كد آباؤنا وأجدادنا وها نحن على أثرهم، وللأسف ضاعت تلك الجهود وهذه بلا جدوى). الوضع ما يزال حرجاً وعلى كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.

· كيف تنظر للتحول في علاقات السودانية الخارجية؟

– على الرغم من حرص الإنقاذ على تمسكها بإستراتيجية محددة للعلاقات الخارجية منذ العام 1990، وتحقيقها لاختراقات في بعض الملفات إِلَّا أن الدبلوماسية السودانية لم تلعب بعد الدور الكامل في تحقيق استقرار إستراتيجي يتمسك بالمصالح الحيوية بعيدة المدى للسودان، وما تزال رياح التحالفات التكتيكية تتحكم في مسار العلاقات الخارجية ويؤثر عليها “بندول” التأرجحات الإقليمية وتقاطعاتها الدولية، ومن دون التمسك بأولويات استراتيجية تحافظ على مصالحنا الحيوية وسيادتنا سنستمر في التقلبات والتحالفات حسب اتجاهات الريح.

· لماذا تقاربت الإنقاذ بعد طول انتظار مع الولايات المتحدة الأمريكية؟

– لم تبتعد الإنقاذ عن أمريكا في يوم من الأيام، ولم تتردد الخرطوم في تأكيد مواقفها الراغبة في شراكة مع أمريكا، ولكن حددت واشنطن موقعها وعلاقاتها كردود أفعال لمواقف الخرطوم من مصالحها وستستمر هذه المواقف صعوداً وهبوطاً مع التزام الخرطوم بموجهات واشنطن.

· في تقديرك ماهي الدواعي التي جعلت واشنطون تلجأ لرفع جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان؟

– هي استمرار لسياسة “العصا والجزرة” التي حكمت موقف واشنطن وستكون درجتها ووتيرتها مرتبطة بشكل واضح بمدى تنفيذ الخرطوم لرغبات واشنطون في المنطقة.

· المعارضة الداخلية هل فشلت في هزيمة النظام؟

– على الرغم من تصاعد وتيرة التذمر والمعارضة لسياسات الإنقاذ، ولكن غياب البديل الواضح والقيادة الرشيدة أفشل كل حركات المعارضة الداخلية باختلاف مستوياتها ووتيرتها. وغض النظر عن وسائلها سلمية أم مسلحة، ستستمر حركة المعارضة الداخلية في هذا التطويح طالما لم تتضح معالم البديل الوطني الناجع الذي يحل مكونات معادلة السلام العادل والديمقراطية الراسخة والعدالة الاجتماعية في إطار مشروع وطني مرجعيته واضحة.

· لِمَ تقزمت أدوار الحزب الشيوعي لصالح التخندق في موقف وحيد وذلك على حساب نهجه في التعبئة الجماهيرية؟

– الحزب الشيوعي يعاني من أنيميا حادة فكرية وسياسية وتنظيمية منذ المؤتمر الرابع (1967) حيث لم تنجح كل المقويات والفاتيمينات وحقن التنشيط ما بعد مؤتمره الخامس والسادس في استنهاضه، وانحساره ما يزال مستمراً ومعاناته مستمرة، وهو يدفع ثمن ازدواجية مواقفه. زاد الطين بلة الاختراق الذي ضرب “القلعة” من الداخل، ونجاح استراتيجية “حصان طروادة” في احتواء ومحاصرة نفوذه وإضعافه تدريجياً، وعدم قدرته على خلق تحالفات واضحة تتأرجح بين “نداء السودان” و”الجبهة الثورية”.

من دون عملية جراحية معقدة للتخلص من مسببات مرضه المنهكة سيكون مصيره هو مصير شقيقه المصري، مجرد نادٍ للنقاش والتنظير.

· الملاحظ أن تغييراً كبيراً طرأ على مواقفك وبتّ شديد النقد للمعارضة؟

– تتغير الأنظمة وتزول في دورات متكررة، بهذه الطريقة أو تلك، ولكن البلد سيبقى شامخاً. تتغير المواقف السياسية، فهي ليست شلوخاً. البوصلة التي تحدد موقفي هو مرجعيتي البسيطة التي تستند على مصالح السودان وأهله بمقياس صارم. ولا يهمني من هو في القصر الجمهوري، والمعارضة الحالية للنظام لا تختلف عن النظام نفسه، بل هي في كثير من الجوانب أسوأ منه بمراحل.

· إِذاً ماذا يريد صلاح البندر من المعارضة؟

– أبحث مع الآلاف عن “مشروع وطني جامع”، ونظام متفق على قوانين اللعبة فيه. وسيستمر نزيف الدم وزعزعة الاستقرار حتى يكتشف الجميع أن الاستقرار يتوقف على مصلحة الفئات الاجتماعية التي لها مصلحة فيه، فمشروعات الحلول النظرية كثيرة ومطروحة من قوى عدة داخل وخارج السودان، وبعضها يرتبط بحبال سرية مع قوى إقليمية ودولية.

· هل يمكن أن تدفعك مواقفك الأخيرة من المعارضة للعودة إلى الخرطوم عبر صفقة مع نظام الإنقاذ؟

– أنا مهاجر ولست مغترباً، ولم أبحث ولا أبحث عن أي صفقات. أقيم في مسيد متواضع بمدينة كيمبردج، وأمارس دوري كناشط من خلال مؤسسة “مواطن” البحثية منذ 1992، ويتجسد دوري من خلالها كباحث متخصص في شؤون الأمن الوطني والتنمية. وتوظف “مواطن” أحدث تكنولوجيا الاتصالات يضاعف من تأثيرها على كل المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. وتتفاعل مع شبكة مراسلين في (17) مدينة سودانية ولديها ممثلون في أكثر من (28) مدينة بها جاليات سودانية حول العالم. وتتواصل يومياً ودورياً بشكل مستمر مع أهل السودان داخلياً وخارجياً من أستراليا إلى كليفورنيا من خلال قاعدة بيانات بها ما يقارب (9) آلاف رقم واتساب، وما يتجاوز مليوناً ومائة ألف بريد إليكتروني وشبكة الإعلام الاجتماعي. وعلى صلة مباشرة بما يزيد عن (40) مسؤولاً إقليمياً ودولياً مكلفاً بمتابعة الشأن السوداني. ويتابعني شخصياً على تويتر ما يقارب ربع مليون شخص من جميع أنحاء العالم. وأشارك في كل الفعاليات التي تتعلق بالسودان وتقاطعاته الإقليمية والدولية. هذا هو موقعي إلى أن يجعل الله حسن الختام.

· من الذي تغير: صلاح البندر أم الإنقاذ أم المعارضة؟

– كلنا تغيرنا. هكذا هي سنة الحياة. وصيرورة الأحداث واندياحاتها تغير في الجميع من خلال رياح التغيير وعواصف الأحداث. وما يحدث حولنا يفوق الخيال من دون تغيير وتطور سيكون المصير هو الموت.

على المستوى الشخصي خرجت من دائرة الالتزام الحزبي المحدود منذ أكثر من (20) عاماً إلى دائرة الوطن العريض وأحرص على توظيف إيجابيات التغيير الذي تعرضت له والتجربة والمعرفة لصالح وطني وأهلي.

· كيف تنظر للخلافات داخل تنظيم الحركة الشعبية – شمال؟

– خلافات الحركة الشعبية شمال هي امتداد مباشر لانهيار مشروع الحركة الأم وغرقها البطيء في حمامات الدم والفساد والتحشيد القبلي. وتحول “حش قش” إلى مخلب قط لحكومة فاسدة ومجرمة في جوبا، وسيسيطر في نهاية الأمر جقود مكوار على جناحيها العسكري والسياسي، وستسقط شعاراتها الوطنية وستتحول إلى حركة جهوية تمثل قطاعاً من جبال النوبة وليس كل جبال النوبة.

· هنالك من يلقي باللائمة على أبناء الحزب الشيوعي (عرمان – الحلو) في ما يخص الخلافات داخل الشعبية – شمال؟

– لا بالطبع هنالك أكثر من جهة وأكثر من تيار بما فيها المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم، فكلهم يتشاركون في المسؤولية. ولكن الواضح الآن أن حقبة الفاسد الشرير(ياسر غمران) قد أسدل عليها الستار.

v رسائل في بريد هؤلاء:

· رسالة في بريد الحكومة..

– التحديات أكبر من المؤتمر الوطني وحليفه المؤتمر الشعبي و”أحزاب الأنابيب”. تعلموا من تجاربكم، وبادروا في تأسيس مشروع وطني.

· رسالة في بريد المعارضة بصورة عامة ..

– شعب السودان وخاصة الجيل الجديد، وأغلبهم رأى النور بعد يونيو 1989، لا يثق فيكم. التحدي ليس في إسقاط النظام، التحدي الحقيقي هو المشاركة الفاعلة في تطوير بديل “مشروع وطني” متفق عليه من كل الأطراف بما فيها المؤتمر الوطني.

· رسالة في بريد الحزب الشيوعي..

– من دون التخلص من القيادة العاجزة الحالية وجنرالات الاختراق سيكون مصيركم أحمد شرفي!

· رسالة في بريد قطاع الشمال ..

– أصبحتم جزءاً من المشكلة وليس طرفاً في الحل. ما يحدث في جنوب السودان أفقدكم الرصيد الأخلاقي والمعنوي للحديث عن “السودان الجديد”.

اخر لحظة

Exit mobile version