الأمن وصراع الأفيال !!
* لا تزال معضلة التعديلات الدستورية، خاصة مقترح تقليص سلطات جهاز الأمن وتحويله الى جهاز استخباراتي ترواح مكانها، وكنت قد كتبت كثيراً حول هذا الموضوع الذي يثير جدلاً كبيراً داخل أحزاب مؤتمر الحوار الوطني واللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية والأجهزة الرسمية ومنها جهاز الأمن، وتنبأت بأحد أمرين إما إرضاء المؤتمر الشعبي واستقطابه في الحكومة المقبلة بتحويل بعض سلطات الجهاز لوزارة الداخلية بما يشبه الصيغة المصرية حيث يتبع الأمن لوازرة الدخلية ولكن بسلطات واسعة جداً، أو اسقاط المقترح بأكمله، والاستغناء عن مشاركة المؤتمر الشعبي في الحكومة، وهاهو حزب المؤتمر الشعبي يتقدم بمقترح توفيقي، وهو إحالة الأمن الداخلي لوزارة الداخلية، وإنشاء جهاز مخابرات يتبع لرئاسة الجمهورية!!
* وكشف القيادي بحزب المؤتمر الشعبي دكتور (عمار السجاد)، عن تسليمهم مذكرة لرئيس الجمهورية تحتوي على ورقة حول رؤية الحزب الكلية للحكومة المُقبلة، طالب فيها بان لا يتعدى عدد الوزراء (24) وزيراً، وأن يتبع جهاز الأمن الداخلي لوزارة الداخلية وجهاز المخابرات لرئاسة الجمهورية، واتهم السجاد حزب المؤتمر الوطني بالمماطلة في الموافقة على ما جاء في مخرجات الحوار الوطني، وقال إن ما يحدث لا يتماشى مع المخرجات،”واننا لم نتفق على المحاصصة، ولم نتفق على أن يقوم المؤتمر الوطني بتقسيم حصص الحكومة على المتحاورين”، ووصف موقف حزب المؤتمر الشعبي بالمرتبك بشأن مشاركته في الحكومة، وتابع:”مايجري الآن لا يمت بصلة لرؤية الشعبي، لذلك فالحزب مرتبك وعاجز عن التفاعل مع التطورات الأخيرة المرتبطة بتشكيل الحكومة”.
* وكنت قد شككت في مقالة سابقة، عن احتمال اجازة الهيئة التشريعية لمقترح تحويل جهاز الأمن الى جهاز لجمع المعلومات (أي جهاز استخبارى فقط)، وتكهنت بأن الوضع الراهن لجهاز الأمن سيظل قائما، وذلك باسقاط الهيئة التشريعية للتعديلات، أو إجراء تعديلات عليها لا تمس جوهر سلطات الجهاز الواسعة، وإن حدث ذلك، فستكون هذه هي المرة الأولى التي تسقط فيها الهيئة التشريعية مقترحا لرئيس الجمهورية، ولكنه (إسقاط مسرحى) متفق عليه بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فمتى كان للهيئة التشريعية رأي منفصل عن السلطة التنفيذية التي تسيطر عليها تماماً!!
* غير ان المشكلة في هذا السقوط (حتى ولو كان مجرد مسرحية) هو حزب المؤتمر الشعبي، الذي لن توافق قاعدة عريضة منه، خاصة مع انتخاب د.على الحاج أميناً عاماً له وهو المعروف بحدة مواقفه إزاء السلطة وحزب المؤتمر الوطني، على إسقاط مقترح تحويل جهاز الأمن الى جهاز استخباراتي، وبالتالي عدم المشاركة في الحكومة المقبلة، ولكن في الوقت نفسه هنالك مجموعة داخل الحزب، ومنها قياديون متنفذون، مصرون على المشاركة في السلطة، مما يعني امكانية احتمال انشقاقه، أو انشقاق البعض عنه، أو على الأقل بروز خلافات حادة داخله تربك اعماله وتضعفه!!
* لذلك كان لا بد للحزب الخروج من المعضلة بحل توفيقي يرضي كل الأطراف، ويحفظ ماء وجهه أمام جموع المواطنين السودانيين بالاصرار على مواقفه في موضوع الحريات وسلطات جهاز الأمن، وهكذا خرج علينا (السجاد) ليكشف عن المذكرة التي رفعها الحزب لرئيس الجكهورية مقترحاً فيها تحويل الأمن الداخلي لوزارة الداخلية، وانشاء جهاز استخبارات يتبع لرئاسة الجمهورية، وهو حل لا بأس به، إذ أن وضع الأمن تحت سلطات وزارة الداخليه، يجعله خاضعاً للقانون العام وسلطات النائب العام، وهي خطوة متقدمة نحو تقييد السلطات الواسعة لجهاز الأمن الذي تحول في السنوات الأخيرة الى دولة داخل الدولة، وصاحب الأمر والنهي في كل شيء!!
* تُرى كيف ستتعامل رئاسة الجمهورية مع هذا المقترح، وهل سينجح حزب المؤتمر الشعبي في تحقيق أهدافه، أم يتراجع أمام صقور المؤتمر الوطني؟!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة