زاهر بخيت الفكي

سلامتك يا الخال..!!


وقفتُ بالأمس القريب أمام بقالة صغيرة داخل حي خُرطومي (طرفي) للسؤال عن امتحان الفيزياء ومجموعة من الطُلاب أمامي قد خرجوا للتو من مدرستهم القريبة ، سألتُ أحدهم رُبما أصغرهم سناً عن الامتحان فأجابني مشكوراً بعد أن أخذ نفساً عميقاً من سيجارته ونفث ما بداخل فمه من دُخان والله يا (خال) الفيزياء جات (عوارة) امتحان صعب جداً يا خال ..
وشهِد شاهدٌ من أهلِ الحي على اللغة (الهايفة) التي ردّ بها وعلى سيجارته ودخانها المُتصاعد التي لم يُحاول أن يُخفيها إحتراماً لي أو للرجُل الذي كان معي من أهل الحي وبينه ووالد الفتى (المغترب) علاقة لكنّها لم تحول بينه والمُجاهرة بشُرب السيجارة ونفث دُخانها بلا حياء ، أجابني بعد أن منحني أجمل لقب يا (خال) ولم يُبالي وظل ينفث وينفث إلى أن غادرنا المكان ، صورة الطالب وقلة (الأدب) والحال المائل رافقتني إلى حيثُ أريد وحسرة على لقب الخال الذي منحني له ورُبما لا يعِ معنى مفردة الخال التي أطلقها وأي خال هذا الذي يتجاسر إبن أخته هكذا أمامه..
سألني البعض بعد قراءة ما كتبته بالأمس شعراً (خسارة الخال يا خسارة) عن مضمون القصيدة ولماذا كُل هذه الحسرة ، سألوني عن مَن مِن أبناء أختك هذا العاق الذي فعَل هذا ، لا علاقة تربطني به ألبتة ولكنه منحني هذا اللقب الجميل وفارِق السن بيننا يحتاج إلى لقبٍ يُخاطبني به وبلا شك هو إبن أختي وأخي ما دام يحمل هويتنا السودانية ، هذه الهُوية التي كانت تسمح لكل الكبار من أهل القرية أو الحي في أن يُقوموني بكل وسائل الردع في حال إن إعوّجَ السلوك أما الخال والعم فلهم فيني مثلما لوالديَ ورُبما أكثر..
وما أجمل الخال وما أعلى مكانته ..
لم نتجاوز بعد مُربع الخال (الحنين) والأسئلة تترى ماذا حلّ بنا وتحولات كبيرة طرأت على مُجتمع كان يحترم المقامات ويُقدِس العلائق الخاصة والحميمية سمة كان يتسم بها أهله ، نتحسر على التربية الوزارة وعلى الشارع والمجتمع وغياب دورهم ، لم نخرج بعد من الحديث عن الخال حتى جاءنا من يُحدثنا عن مُصيبة أو قل كارثة حلت أجابت عملياً على كُل الأسئلة والرجُل جاءنا يسعى من المشفى وخاله شقيق والدته قد اعتدى عليه إبن شقيقته الأخرى في رأسه مما استدعى نقله للمستشفى بالإسعاف في حالة حرجة جداً بسبب خلاف لا يستحق أن يُرفع لأجله الصوت..
أيقنتُ لحظتها أنّ يا خال تلك التي خاطبني بها الفتى لا علاقة لها بالخال بل هي مُجرد مفردة تخاطُب مُستحدثة مثلها ويا فردة ويا عمك وغيرها من مُفردات شباب اليوم..
سلامتك يا الخال من أمثال هؤلاء..
نسأل الله السلامة..

زاهر بخيت الفكي
بلا أقنعة..
صحيفة الجريدة..