تحقيقات وتقارير

قراءة عن قرب لكتاب الصراع.. آذان داخل (الاتحادي المسجل) .. لمن الـ(إشراقة) في حزب الشريف؟


الشريف حسين إبراهيم يقدم أوراق اعتماده خليفة لطرفي الصراع
المشهد ليس آنياً وجذوره ممتدة منذ لحظة تنصيب الدقير أميناً عاماً

الشريف الهندي تخوَّف من مصير مبارك الفاضل
الشريف حاول في آخر أيامه التخلص من جلال بمحمد أزهري

ظل قطبا الأزمة في الحزب الاتحادي الديمقراطي (المسجل) يراوحان في منطقة العجز عن تقديم مقترحات وحلول للخروج من مأزق الأزمة المتصاعدة بوتيرة متصاعدة بينهما، أدت إلى ارتفاع سقف المطالب للمناداة بإقصاء الأمين العام المكلف د. أحمد بلال الذي اعتلى صهوة الشرعية بصك التكليف قبالة دعوات لإبطال الخطوة تقودها زعيمة خط الإصلاح والتغيير إشراقة سيد محمود.

وصعدت إشراقة من نبرة التحدي وهي تعلن سقوط بلال قبل معركة المؤتمر العام، مستندة في ذلك على خسران بلال معركة اللجنة المركزية التي انتهت بفصلها، على يد مجلس الأحزاب السياسية، الذي أعاد زعيمة الإصلاح لحلبة الصراع مجدداً، وذلك في وقتٍ يستند فيه بلال على أنصاره، ويتكئ على السلطة التي ينشط هو تحديداً في دهاليزها وسط رضى حكومي كبير لأدائه.

وبين القيادتين، تقف جماهير المسجل حابسة أنفاسها تترقب ما ستتمخض عنه الأزمة المستفحلة، حيث تقول آخر الأنباء الواصلة من مقر الأمانة العامة إن المبنى تحول إلى محل للحشد والحشد المضاد، ووصلت إلى حد استخدام السلاح الناري، الأمر الذي أشاع حالة من الخوف عند كثير من القيادات التي ظلت تقف على رصيف الأزمة من انزلاق الحزب لمستنقع الفوضى التي أصبح غارقاً فيها، ولا يبارحها منذ زمن.

جذور الصراع
لا ينبغي اعتبار المشهد الراهن على أنه اشتباك آني بين تيارين، أحدهما داعٍ للإصلاح، وآخر ممسك بكل شيء في الحزب تحت دعاوى الشرعية، وإنما هو امتداد لصراع طويل في الحزب يعود لبدايات تأسيسه ظل يخبو حينا ويظهر حيناً آخر، ويستمد قوته من رفض فكرة تنصيب جلال أميناً عامًا للحزب منذ تأسيس الحزب التي أصر عليها رئيسه الشريف زين العابدين الهندي الذي كان يرى في تنصيب جلال أميناً عاماً يضمن له علاقة هادئة مع المؤتمر الوطني بحكم العلاقة السابقة لجلال مع الوطني، إذ سبق أن فاوضه قبل عودة الشريف بمبادرته الشهيرة حيث عينه الشريف على نحو مفاجئ أميناً عاماً رغم اعتراض عدد من القيادات الكبيرة والمؤثرة في الحزب من العاصمة والولايات، من أبرزهم أحمد بلال، والسماني الوسيلة، ومضوي الترابي، وصديق الهندي، وبشير أبو لاكوعة، وحجتهم في ذلك أن هناك أشخاصاً أكثر كفاءة وعطاء ومن البدريين في الانتماء للحزب مقارنة بجلال المتأخر.

صمت الشريف
بعد اعتماده من المؤتمر العام أمينًا أحس بأنه وصل لمجده أن يكون أميناً عاماً، وبناء على هذا الفهم أصبح زاهداً في وحدة الاتحاديين وبناء حزب مؤسسي مرتب بهياكل ديمقراطية ما جعل أصحاب التطلعات الشخصية يلتفون حوله، ما أدخل جلال في دوامة صراع مع قيادات الحزب في الولايات ولجانه في خارج السودان من المتطلعين لبناء حزب قوي ليبرالي ديمقراطي مؤسسي، وظل جلال متنافراً معهم منذ حياة الشريف خاصة وأن التيار المناوئ لجلال أخذ في رسم صورة مشوهة له داخل الحزب بأنه يسعى لمجد شخصي وإمبراطورية مالية، وأخذ الصراع بينه وبين القيادات يتصاعد في الحزب في ظل الصمت المحير لرئيس الحزب الشريف زين العابدين دون أن يتدخل لحسمه.

مصير مبارك
يقول العالمون ببواطن الأمور وجوهر الصراع لـ (الصيحة) إن صمت الشريف على الصراع كان خوفاً من أن يكون مصيره ذات مصير مبارك الفاضل، لذلك فضل الانحناء للعاصفة بمسايرة جلال، وفي ذات الوقت كان يرتب للحسم على نار هادئة، فيما عرف بالوحدة الاندماجية التي جاءت بالراحل محمد إسماعيل الأزهري الذي انضم للحزب مع مجموعته وأخذ الشريف في الترتيب لتقديم محمد أزهري أميناً عاماً بديلاً لجلال، لكن جلال فطن للحبكة وبدأ يركز ضرباته لإفشال مشروع الوحدة الاندماجية بوضع العراقيل أمام استيعاب مجموعة أزهري في هياكل الحزب، وانتهى الأمر بخروج هذه المجموعة بالرحيل المفاجئ والفاجع لنجل الأزهري إثر حادث سير.

خيوط اللعبة
بعد رحيل الشريف تجمعت خيوط إدارة الحزب في يد جلال يلعب بها كيف شاء، بعد أن نجح في تحييد صديق الهندي كمنافس قوي له من أسرة الشريف زين العابدين حتى تمكن من عزله من الحزب بتقديم استقالته.

تحييد الخصوم
بدأ جلال مرحلة جديدة من أزمة الصراع التي تشكلت بدايتها خلال عملية توزيع كعكة السلطة على الفرقاء المتصارعين عقب وفاة رئيس الحزب، رغم أن البعض يرون عملية القسمة بعد رحيل الشريف هي التي عجلت ببروز الصراعات للعلن بعد أن كانت غير مرئية .

يقول القيادي الشبابي الاتحادي علي يوسف لـ (الصيحة) إن جلال لجأ لحسم صراعه مع خصومه حيث بدأ بتحييد كل القيادات التي يمكن أن تنافسه بقوة، إذ عمد لتقريبها منه ليكون حسمها مرحلة ثانية بعد أن يفرغ من حسم القيادات المناوئة له بشدة ما أفقد الحزب أصلب القيادات التي كان يمكن أن تشكل مساراً جديداً للحزب كحليف منافس للمؤتمر الوطني مثل صديق الهندي، مضوي الترابي، علي بشير أبولاكوعة، وبدر الدين الخليفة بركات، بينما أجل صراعه مع أحمد بلال رغم أنه لم يكن مطمئناً له بسبب المناوشات التي يقوم بها من حين لآخر، لكن جلال كان يؤمن له وضعه في المناصب التنفيذية وهياكل الحزب، لذلك ضمن سيادة حالة من الهدنة.

جمع الصلاحيات
ويرجع آخرون تحدثوا إلى (الصيحة) وطالبوا بعدم الإشارة اليهم، أنهم لا زالوا في كابينة قيادة الحزب التي تدير الصراع لجانب أحمد بلال، وأن بروز الصراعات للعلن بعد وفاة الشريف مردها إلى الطريقة التي تم بموجبها أدار جلال الحزب بعد أن جمع صلاحية منصبي الأمين العام ورئيس الحزب، وعمد فيهما التغول على الصلاحيات مما أثار مخاوف كثيرين بعد أن انفرد بالقرار، زد على ذلك الأداء المتعثر له كأمين عام وضع الحزب في خانة المقطورة للمؤتمر الوطني الحاكم خاصة القرارات التي اتخذها من بينها قبوله بإسناد منصب وزير الإعلام ضمن الحقائب الوزارية المخصصة للحزب ما جعله ينطق باسم الحكومة ويتصدى لمعارضيها، وهذا ما كان يرفضه الشريف، وقبل ذلك جلال وأسند لأحمد بلال حقيبة وزير الإعلام لإضعافه أمام الجماهير، فأثارت التصريحات الرسمية للمنصب التي يطلقها بلال جملة من التساؤلات وسط الجماهير حول مدى تمثيله للحزب وقياداته ومدى تعبيره عن تطلعاتهم، ليكون حزبهم نداً للمؤتمر الوطني وقوة ضاغطة عليه لمصلحة الجماهير داخل الحكومة.

كل ذلك خلف حالة من الامتعاض وعدم الرضا، تبعته موجة من الاستياء ليس لدى المعارضين لإدارة الأمين العام للحزب جلال فحسب، وإنما امتد الأمر ليصل إلى حلفائه أيضاً فبرز ما يعرف بتيار الإصلاح والتغيير الذي قادته مساعد الأمين العام لشؤون التنظيم إشراقة سيد محمود يساندها في ذلك سوكارنو جمال الدين وبروفسور علي عثمان، وعدد من الشباب الذين دفعوا بمذكرة لمجلس الأحزاب طالبوا فيها بعقد المؤتمر العام وإجراء مراجعة مالية للحزب، فكوّن جلال مجلس محاسبة قضى بفصل هذه المجموعة، لكن مجلس الأحزاب رفض هذا القرار وأعادهم للحزب، ليستمر الصراع سجالاً بين التيارين حتى تعقدت خيوط الوصول لعقد اللجنة المركزية لحسم هذا الصراع .

الاستقالة
وعلى نحو مفاجئ أقدم جلال على خطوة الاستقالة التي تباينت التفسيرات حولها، لكن الراجح أن جلال أراد باستقالته استدرار عطف الاتحاديين لأنه كان يعتقد أن إقدامه على الاستقالة سيجعل إشراقة تهدئ من ثورتها، ويمكن أن يصل معها لاتفاق يمكّنه من العودة باتفاق معها لإدارة الحزب، لكن الأمور لم تمض في اتجاه ما رسمه جلال.

أحمد بلال
أما أحمد بلال الذي جاء لمنصب الأمين الأمين خلفاً لجلال بالتكليف سار على ذات خط جلال في وقت كان الجميع ينتظر منه أن يأتي برؤية جديدة تجب الصراع الدائر بطرح رؤية وبرنامج، لكن أحمد لم يطرح برنامجاً منذ تقلده منصب الأمين لما يقارب العام، ولم يأت برؤية لحل الإشكالات، بل زاد من تعقيدها السبب الذي جعل الناس تعارضه، وهناك من يرى أن أسباب تحول الصراع الذي كان دائراً بين جلال وإشراقة إلى أحمد بلال إشراقة كما يقول العالمون بمسارات الصراع أن ذات اللوبي الذي كان يصارع إشراقة تحت ستار جلال جاء والتف حول أحمد بلال وفرض عليه مواجهة إشراقة.

حلم العودة
يؤكد المتابعون لتطورات الصراع أن هناك أذرعاً لا تزال تعمل في الخفاء لصالح جلال الذي ما يزال يراوده حلم العودة بالضغط في الخفاء عبر المجموعة التي تعمل لصالحه وتركز نشاطها في إدارة الحزب بولاية الخرطوم عبر قيادات مثل أسامة هلال ويوسف الطيب وأسامة سيد أحمد شقيق الكاردينال، وهي ذات المجموعة التي جاءت مع أحمد علي أبوبكر. استقطبهم جلال وأبعدهم من أبوبكر.

ذلك في وقتٍ برز فيه تيار آخر في مواجهة مجموعة جلال في الخرطوم ويعمل على تحييدها وتحجيمها ويرون أن سيطرتهم على الخرطوم تعني إمساكهم ببعض مفاصل العمل التنظيمي في الحزب، ويرون أن انزواء محمد الدقير بتصعيده لأمانة التنظيم لإخفاء معالم هذا التيار.

تصلب المواقف
في ظل هذا التصلب في المواقف وانسداد الأفق استمرت الأطراف المتصارعة في عملية استعراض القوة للدفاع عن مواقعها باستدعاء المزيد من المناصرين للتمترس خلف الشرعية الدستورية للأمين العام التي نالها بالتكليف من الأمين العام السابق لحمايته من محاولات مجموعة الإصلاح والتغيير إجباره على التنحي، الشيء الذي دفع أنصار طرفي الصراع للجوء لأسلوب التحريض والاستفزاز واستخدام العنف وبث الفوضى بشكل يهدد بانهيار الحزب وبقائه في الساحة.

وأثناء هذا الشد المتصاعد برز تيار من القيادات كخط وسط وأصدر بياناً أعلن فيه انحيازه إلى خط الجماهير مطالباً أطراف الصراع بالتنحي طارحاً خارطة طريق للوصول لتسوية للأزمة لإنقاذ الحزب من الانهيار، ويبدو أن هذه القيادات التي أطلقت المناشدة قد وجدت في الشريف الحسين إبراهيم بأنه يمثل طرف الحياد في الصراع الذي استطال لمرحلة المواجهة، وجدت فيه الوسطية كقيادي شبابي وضعت عليه آمالها بخيارين لا ثالث لهما، الخيار الأول يبشر بإيجاد حلول لجميع مشاكل الحزب بتحييد الأطراف المتصارعة، أما الخيار الثاني فيعد بإعمال شعار الحزب (حرية الفرد ديمقراطية التنظيم) وصولاً لحزب يتمتع فيه كل عضو بالحقوق والمساواة بديلاً لهذا الواقع المأزوم، وما أفرزه من قطبي صراع يتساويان إلى حد ما في القدرة على الحشد الجماهيري، ويتعارضان في البرامج.

رسائل
وتقرأ الرسائل التي أطلقتها القيادات وما تعج به من مضامين رافضة للواقع المتردي في الحزب وهي تتأهب لفرض خارطة الطريق ليس على الأطراف المتصارعة فقط، وهذا ما يؤكده القيادي حسين القريش الذي تحدث لـ (الصيحة) نيابة عن هذه القيادات التي طرحت هذا المسار الذي وصفه بأنه ضرورة لكل من يهمه حماية ما تبقى من الحزب من انزلاق في غياهب المجهول والتلاشي من الساحة.

وطالب القريش الأطراف المتصارعة بالاحتكام إلى العقل والحكمة في التعاطي مع القضايا الخلافية التي يمر بها الحزب وضرورة الرجوع إلى مبدأ وهدف وحدة الحزب، بعيداً عن الصراعات الهامشية التي تؤثر على الحزب، أهدافٌ بتجاوز حالة الانقسام التي لا مبرر لها منطقياً وواقعياً.

مكاتب مزدوجة
وفي ذات المنحى تؤكد قيادات شبابية بالحزب استنطقتها (الصيحة) أن من مضار الصراع على الحزب تكوين مكاتب سياسة مزدوجة في الولايات خلال عملية البناء التي قام بها طرفا الصراع للتحضير للمؤتمر العام، وقالوا إن هذا يشكل تكريساً لانشقاق جديد في الحزب وتجذير ونقل الصراع للولايات، ويشيرون إلى أن كل الوفود التي بعث بها أحمد بلال للولايات خلقت مشكلات في سنار والقضارف والبحر الأحمر ونيالا، بسبب الاستقطاب الذي حاولت هذه الوفود القيام به وسط قياداتها التي أصبحت في حيرة من أمرها أي المكاتب تتبع، كون كل من إشراقة وأحمد بلال مكاتب في الولايات.

تجدر بنا الإشارة إلى الأحاديث المتداولة بكون إشراقة استطاعت أن تكسب لجانبها عناصر قوية في الولايات، وهذا ما جعل الوزن التنظيمي لمكاتبها أقوى من المكاتب التي كونتها وفود أحمد بلال، لأن مكاتب إشراقة ضمت شخصيات مؤثرة على سبيل المثال في الخرطوم يساندها علي بشير أبولاكوعة وبدر الدين الخليفة بركات، وكمال الزين ود. أسامة النور، وهم من القيادات القوية في الحزب لكنها ابتعدت نتيجة ممارسات جلال ثم ها هي تعود ضمن جيش إشراقة.

رجل مهذب
تذهب كثير من الآراء للقول باستحالة قيام مؤتمر عام في ظل الأوضاع الراهنة وإن كان التأمين على أن بروز الشريف الحسين في هذا التوقيت يمكن أن يحفظ توازن الحزب رغم أن الأخير رجل مسالم وغير مصادم فيما تتطلب المرحلة أن يكون القائد الذي يتصدى لها مصادماً وقادراً على اتخاذ القرار ويتحمل تبعاته، فيما الحسين رجل زاهد ومهذب أكثر مما ينبغي، وإن كان يجد القبول من أسرة الهندي والجماهير، ويمكن أن يكون رهانها في المستقبل القريب.

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة