زهير السراج

مسرحية جهاز الأمن .. كلاكيت !!


* لم أكن أعلم الغيب أو أُخمِّن، عندما توقعت أن يُسقِط المجلس الوطني التعديلات الدستورية الخاصة بجهاز الأمن، لتبقى سلطاته واختصاصاته كما هي عليها، وها هو المجلس الوطني يسقط التعديلات، ويبقي على سلطات جهاز الأمن، بل يدعمها ويقويها بالمادة (17) التي تسمح له باتهاك خصوصية الأشخاص ومراقبتهم بقرار من (السلطة الأمنية)، بعد أن كان القرار بيد السلطة القضائية من قبل، وتنص المادة على: (لا يجوز انتهاك خصوصية أي شخص في مسالك حياته سكناً أو نجوى مع آخرين، أو تراسلاً معهم بما يوصل الصوت أو المكتوب الخاص، إلا إذا كان وفقاً لقرار قضائي، أو قرار من النيابة العامة، أو من سلطة أمنية فيما يمس الأمن القومي).. وبما أن تعريف الأمن القومي فضفاض جداً، خاصة لدى أجهزة النظام التي تضع التعريفات بمزاجها، فيمكنكم أن تتعرفوا على حجم الانتهاكات التي سيتعرض لها أهل السودان في الفترة القادمة!!
* قلت في مقالي بتاريخ 16 فبراير الماضي تحت عنوان (مسرحية تعديلات قانون الأمن) ما يلي:

* “أشك في أن المجلس الوطني سيجيز التعديلات الدستورية الخاصة بقانون جهاز الأمن، وذلك حتى يمنع تحول الجهاز الى جهاز لجمع المعلومات، ويبقى الوضع الراهن قائماً على ما هو عليه، مع كل السلطات الواسعة التي يتمتع بها الجهاز: استخباراتية وعسكرية وتنفيذية.. إلخ، وستكون هذه هي المرة الأولى منذ ظهور المجلس الى الوجود، التي يُسقط فيها مشروعاً للحكومة، ولكن طبعاً بالاتفاق معها، وليس ممارسةً لسلطاته، فهو أضعف من أن (يدوس لها على طرف)، دعك من أن يرفض أوامرها ويسقط مشروعاتها!!
* المسرحية مكشوفة، فالحكومة أودعت التعديلات تحت ضغط أحزاب الحوار الوطني، خاصة حزب المؤتمر الشعبي، الذي أصر على إيداع التعديلات في المجلس الوطني، وإلا انسحب من الحوار وامتنع عن المشاركة في الحكومة المرتقبة، فاضطرت الحكومة الى إيداع التعديلات مع مخطط بإسقاطها أو تعديلها بواسطة البرلمان، فتكون بذلك قد ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد:
* العصفور الأول، هو الإيفاء بالتزامها بالاتفاق مع أحزاب الحوار بإيداع التعديلات، وتكون بهذا قد خرجت من اللوم، ونجحت في استدراج المؤتمر الشعبي للمشاركة في الحكومة!!
* العصفور الثاني، هو الإبقاء على وضع جهاز الأمن على ما هو عليه، قابضاً على كل السلطات بيده، وعلى رأسها سلطة الاعتقال، ومصادرة الصحف، وكبت الحريات…إلخ!!

* العصفور الثالث، هو إعطاء مصداقية كاذبة لها ولبرلمانها الوهمي، عبر إسقاط البرلمان للتعديلات التي أودعتها، والترويج لذلك، من أجل ممارسة الخداع بوجود ديمقراطية في البلاد، وهي مسرحية يمكن أن (تخيل) على البلهاء والسذج فقط!!
* السيناريو المتوقع والذي بدأت ملامحه في الظهور، هو أن يطلق بعض أعضاء المجلس الوطني، خاصة رؤساء اللجان تصريحات إعلامية يعارضون فيها تحويل جهاز الأمن الى جهاز استخبارات، باعتبار أن الظروف التي تمر بها البلاد (من حروبات أهليه، إلخ)، تحتم بقاء الوضع الحالي لجهاز الأمن على ما هو عليه حتى لا ينفرط الأمن، ولقد قرأنا وسمعنا مثل هذه التصريحات من (عبدالله مسار) و(محمد الحسن الأمين) ونفر آخر من أعضاء المجلس، ومن المتوقع أن يكون هذا هو رأي معظم أعضاء المجلس إن لم يكن جميعهم، ثم تتطاول المناقشات الى أن تنتهي أخيراً إما بتأجيل إجازة التعديلات لمزيد من الدراسة والتنقيح والتعديل، أو إجراء تعديلات من داخل البرلمان عليها بحيث يبقى وضع الجهاز كما هو عليه، أو إسقاطها، وبالتالي يكون حزب المؤتمر الوطنى وحكومته قد حققا رغبتهما في الإبقاء على سلطات جهاز الأمن، بالإضافة الى اصطياد العصافير التي ذكرناها سابقاً..!!

* اللعبة مكشوفة، والمسرحية واضحة وضوح الشمس، والسيناريو المرسوم لإرجاء أو إسقاط التعديلات بدأ في الظهور، وإن غداً لناظره قريب”، انتهى المقال.
* وكما أسلفت، فلقد أبقى المجلس الوطني على سلطات جهاز الأمن كما هي، بل زاد عليها، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: “ماذا سيصنع حزب المؤتمر الشعبي الذي راهن وزايد على اتفاقه مع رئيس الجمهورية بإجازة التعديلات، وها هو الاتفاق قد تمخض فولد جهاز أمن يمد لسانه ساخرًا من الشعبي، بل من كل الشعب، بعد أن صار أقوى سلطة وأكثر جبروتاً؟!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة