هيئة الطب العدلي تشكو ندرة كادرها.. الأطباء العدليون .. نداءات لمعالجة الظلم
تشكو هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم، من مرض (الندرة) المقيم في أرجائها دون أمل في علاج قريب، حيث يصل عدد كوادرها إلى (20) طبيباً فقط في العاصمة التي تعتبر كبرى المدن السودانية.
أما في بقية الولايات البالغ عددها (18) ولاية، فإن المرض يبدو على أشده، حيث يبلغ عدد الأطباء العدليين (8) فقط، الأمر الذي يوصل إلى نتيجة مفادها ولايات تعاني الظلم، وبلا أطباء عدليين.
هل ذلك كل ما تشكو منه الهيئة، الإجابة لا، حيث أن البنى التحتية تعاني بشدة، أما القانون المنظم لأعمالها، فما يزال رابضاً في تشريعي الخرطوم، بانتظار إجازة تأخرت جداً.
أيضاً، علمت (الصيحة) أن وزارة التعليم العالي بالرغم من ثورة التعليم التي تم الإعلان عنها مطلع التسعينيات، أحجمت عن إنشاء كلية لتدريس الطب العدلي رغم الحاجة الماسة إليه . وحاز (28) طبيباً عدلياً سودانياً شهادة التخصص من خارج البلاد، ومع ذلك لم تتعد الاستفادة من خبراتهم النادرة وقدراتهم العلمية الـ 20%.
معالجات فجة
لسد حاجة الأطباء العدليين، يلجأ عادة إلى الأطباء العموميين ممن لا يمتلكون دراية بالتخصص المعني، الأمر الذي تنجم عنه في العادة مخاطر جمة لا سيما وأن المسألة تتصل بحقوق وقضايا جنائية.
ماهية الطب العدلي
ويعرف الطب الشرعي بأنه: (العلم الذي يمثل العلاقة بين الطب والقانون، وترتكز هذه العلاقة على ما يحتاج إليه القانون من الطب وما يحتاج إليه الطب من القانون) بينما تقول الموسوعة العالمية للمعرفة (ويكبيديا) إن الطب الشرعي هو تخصص طبي فرعي يركز على تحديد سبب الوفاة من خلال فحص الجثة، حيث تتم عملية التشريح من قبل الطبيب الشرعي، وعادة تتم هذه الحالات من خلال التحقيق في قضايا القانون الجنائي والقانون المدني.
وتكمن المفارقة في أن هذا التخصص النادر ارتبط في ذهنية كثيرين بتشريح الجثث فيما يمتد التخصص إلى الطب الشرعي السريري والكشف عن حالات الاغتصاب وتحديد الإصابات والعجز والأضرار، والكشف عن المخدرات، وصولاً إلى ربط الخط بالشخوص.
ووجد أن من أسباب التأخير في الفصل في القضايا ذات الطابع الجنائي بالمحاكم السودانية لا سيما قضايا القتل وراءه حركة تنقلات الأطباء العدليين الذين يقومون بالكشف الطبي على المجنى عليهم ويقدمون التقارير الخاصة بسبب الوفاة، ثم نتيجة للندرة التي تتطلب هذا الحراك المحموم لأغراض تغطية جميع البلاد، يضطر القضاة إلى تأجيل البت في القضايا لحين وصول الطبيب الشرعي والذي قد يتواصل لشهور بحسبان أن دقة التقرير الطبي تجعل منه أحد أقوى البينات بمقتضى المادة (228/3) من قانون الإجراءات الجنائية.
ولتبيان معضلة غياب الأطباء العدليين يقول رئيس القضاء الأسبق عثمان الطيب، طبقاً لخطاب تلقت (الصيحة) نسخة منه (رأيت عدداً من القضايا الطبية التي تفتقر إلى الدقة والوضوح وفي بعض الحالات فإن الطبيب يوافق على التقرير الذي يكتبه المساعد الطبي)، ولكل تلك الأسباب مولانا عثمان نظر وزير الصحة الأسبق موريس سدرة منذ العام 1969 بضرورة أن يقدر هذا العمل حق قدره منوهاً إلى ضرورة قيام جسم للطب الشرعي إلا أن هذا التوجيه لم ير النور إلا في العام 2013 الذي شهد إنشاء إدارة للطب العدلي بوزارة الصحة ولاية الخرطوم .
حجم المشكلة
أزاح مدير إدارة الطب العدلي بوزارة الصحة د. هشام زين العابدين عبد الرحيم، الستار عن تلقي مستشفيات ولاية الخرطوم يومياً حالة كشف واتهام بالاغتصاب فضلاً عن تلقي (3) حالات تسمم للأطفال بمواد مختلفة من (صبغة وسنير) يومياً.
مؤكداً في حديثه مع (الصيحة) وجود أكثر من (800) مجهول بالمستشفيات سنوياً فيما السعة الاستيعابية للمشارح تبلغ (206)، قال إن جلها مليء بالموتى من مجهولي الهوية مشيراً إلى أن الأخيرين يتكفل بدفنهم والي الولاية إذ يتبرع لكل مشرحة بدفار مخصص لنقل جثامين مجهولي الهوية، داعياً إلى ضرورة توعية المواطن وحثه على حمل أوراق الهوية.
وطالب د. هشام بضرورة أن يكون للطب الشرعي معامل قائمة بذاتها، مؤكداً أنهم حاليا يستعينون بمعامل الشرطة، مذكراً بأن عدد الأطباء بولاية الخرطوم (20) طبيباً فقط، فيما يتوزع على ولايات (سنار، بورتسودان كسلا، والقضارف، وعطبرة وبربر، ونيالا والفولة) ثمانية اختصاصيين بينما يجري تغطية الولايات بالأطباء العموميين.
رغبة مؤكدة
أعلن د. هشام زين العابدين، رغبة كليات طبية في إنشاء كليات للطب الشرعي، بيد أنه نبه إلى أن هذه الكليات مجابهة بمشاكل من قبل التعليم العالي، مؤكداً أن التخصص غير مرغوب فيه نسبة لأن الطبيب الشرعي منبوذ اجتماعياً فضلاً عن قلة عوائده المادية لجهة أنه لا يستطيع فتح عيادة.
مشدداً على أهمية وجود جسم للطب الشرعي، حاثاً الدولة على إنشاء هذا الجسم خاصة مع تزايد أعداد اللاجئين، وفي ظل تعامل الهيئة مع جهات عدلية، بجانب منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ووزارة الداخلية.
وكشف عن سعي هئيته إلى افتتاح أول مركز للسموم بالسودان لمواكبة التطور، وطالب بضرورة وجود مركز متخصص للتفاهم مع وكلاء النيابات ووزارة الداخلية مؤكداً أن نسبة 80% من قدرات تخصص الطبيب الشرعي لا يستفاد منها، مشيرًا إلى أن هذه القدرات تتمثل في الكشف السريري والسموم وتخصصات القمسيون الطبي.
عمل كبير
يقول مدير الإدارة العامة للأدلة الجنائية، اللواء شرطة عوض الجمل، إن عدد الأطباء الشرعيين قليل مقارنة مع العمل الكبير المؤدى في المشارح أو ذلك الذي يهدف إلى كشف الجريمة المركبة، مشيراً إلى أن الشرطة أحدثت نقلة كبيرة في مجال الأدلة الجنائية بمواكبة التطورات الحديثة من خلال إنشاء معامل جنائية متطورة تحتوي على تحليل جميع أنواع الأدلة الجنائية للجريمة من فحص الجينات الوراثية للمجنى عليه والجاني.
بدوره قال مدير مشرحة الأكاديمى طارق يوسف في تصريحات صحفية إن القانون يحدد مسارات الطب العدلي من داخل المستشفيات ومسرح الحادث، وقال: نعاني مما يتعلق في مسائل الطب الشرعي من تحديد أطباء شرعيين ليكونوا جزءاً من فريق التحريات.
الخرطوم : إبتسام حسن
صحيفة الصيحة